يقدم لنا أيوب صورة حيَّة لما يليق بالمؤمن أن يفعله وسط متاعبه، خاصة مع المقاومين له. إنه لم يتجاهلهم، بل تحدث معهم بحكمةٍ وهدوءٍ وصدقٍ، لكن بين الحين والآخر يحول وجهه عنهم ليرفعه نحو الله، ويدخل معه في حديث صريح. هكذا جاء هذا الأصحاح صلاة تخرج من قلبٍ يذوق المر من قلوب أصدقائه، فيلجأ إلى قلب الله واهب التعزيات، صديقه السماوي الفريد، ومخلص نفسه.
يعود أيوب فيكرر أنه يلتمس لنفسه العذر في تطرفه في شهوة الموت، مقدمًا الحجة لذلك.
أغلب الأصحاح موجه إلى الله. في وسط آلامه تطلع أيوب بنظرة تشاؤمية حيث يرى كل البشرية أشبه بالعبيد والخدم الذين يشتهون دومًا عبور الزمن للدخول إلى المساء لينالوا شيئًا من الراحة، ويستلمون أجرة تعبهم. إذ كانت أتعابه تلازمه كان يشتهي حلول الليل لكي يستريح من أتعاب النهار.
يصرخ أيوب بأن آلام النهار وأحلام الليل المرعبة جعلته يشتاق أن يحل به الموت عوض استمرار الحياة. إنه يتساءل: هل الإنسان الضئيل هام جدًا لدى الله، حتى يضع الله عينه عليه، ويتحين كل فرصة لكي يعاقبه؟ (17-18؛ 14: 1-3).
يعترف أيوب أنه أخطأ، لكنه يتعجب كيف أن خطيته تجعل الله يلقي به أرضًا، كما لو كان حملًا ثقيلًا. إنه يطلب من الله ألاَّ يتأخر في الإعلان عن المغفرة، لئلا يموت قبل أن يتمتع بالغفران.