|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بَعْدَ هَذَا فتح أيوب فاه، وسَبَّ أَيُّوبُ يَوْمَهُ. [1] جلس حزقيال في أرض السبي، وكانت نفسه تئن من أجل ما بلغ إليه الشعب ومدينته والهيكل من دمار وخراب. صمت سبعة أيام وهو متحير، فصارت إليه كلمة الرب (حز 3: 15-16). وجلس أيوب وسط أصدقائه، وكانت نفسه تئن مما حلّ به، لذا فتح فمه بعد الصمت الطويل ليسب يوم الحبل به ويوم مولده وأيام تجربته. صمت الاثنان: حزقيال وأيوب، الأول كان ينشغل بما هو لله وشعبه وهيكله ومدينته، والثاني بما هو لنفسه وما يفكر الناس فيه عنه. الأول تمتع بكلمة الله الفائقة، والثاني انحدر إلى اليأس والمرارة وسب حياته. نحتاج أن نجلس صامتين، لكن نرتفع فوق الأنا لننشغل بما لله والناس لا بما لذواتنا وكرامتنا، حينئذ يرفعنا روح الله القدوس كما إلى السماء، فنسمع الصوت الإلهي ونكتشف الأسرار الإلهية الواهبة الرجاء الحي. للأسف تطلع أيوب إلى يوم الحبل به كأسوأ يوم في التاريخ، وحسبه بدء انطلاقة لآلامه التي لا تحتمل. لقد نسي ما تمتع به من خيرات. لقد التهمت السنوات العجاف السنوات المملوءة بالبركات. صار فكره سجين المر الذي يعيش فيه، فتطلع إلى حياته كلها بمنظار قاتم للغاية. ما حلّ بأيوب يحل بالكثيرين حين تطول بهم أيام الضيق. فنسمع إرميا النبي يصرخ: "ويل لي يا أمي لأنكِ ولدتني" (إر 15: 10)؛ "ملعون اليوم الذي وُلدتُ فيه" (إر 20: 14). حينما يغيب عن أعيننا يوم لقائنا الأبدي مع مسيحنا على السحاب ولو إلى لحظات يضيق العالم بنا ونحسب حتى خلقتنا باطلة. "حتى متى يا رب تختبئ كل الاختباء...؟ إلى أي باطل خلقت جميع بني آدم؟" (مز 89: 46-47). هنا نقف قليلًا أمام اهتمام البشرية بأعياد الميلاد منذ قديم الزمن، فنجد الأشرار يجدون في هذا اليوم الفرصة للتعبير عما في قلوبهم من لهوٍ ورغبةٍ جادةٍ في التسلط على الغير، بينما يقف أولاد الله في جديةٍ يتطلعون إلى دخولهم في طريق الآلام. يحسبون يوم ميلادهم هو يوم دخولهم وادي الدموع، ولكن في رجاء حي مفرح أنهم يعبرون إلى الحياة السماوية الجديدة. * في أعياد الميلاد حيث تسيطر على (الأشرار) الرغبة في الكلمة المتسلطة، يرقصون ليعَّبروا بحركات أجسامهم عن هذه الكلمة. لاحظ أحدهم أنه جاء في سفر التكوين عن عيد ميلاد فرعون (تك20:40) حيث يُقال إن الرجل الجامح محب للأمور المتعلقة بأعياد الميلاد. وقد اقتبست عنه ذلك فلم أجد في الكتاب المقدس بارًا ما صنع عيد ميلادٍ له. فقد كان هيرودس أكثر ظلمًا من فرعون المشهور هذا. فالأخير قتل رئيس الخبازين في الاحتفال بعيد ميلاده، أما الأول فقتل يوحنا. العلامة أوريجينوس أفاض العلامة أوريجينوس في تعليقه علي كلمات إرميا النبي: "ويل لي يا أمي، لأنك ولدتِني إنسان خصام" (إر10:15)، وقد سبق لي عرضها في تفسير سفر إرميا. هنا أقتبس فقرات صغيرة:* من أنا حتى لا أولد إلا لأكون محكومًا علّي، وأكون مُخاصمًا من الناس بسبب عتابي ولومي لهم، وبسب تعاليمي التي أعلمها لكل سكان الأرض . العلامة أوريجينوس حقًا من اختبر يوم ميلاده الثاني بالماء والروح وصار ابنًا لله لا يسب حتى يوم ميلاده الجسدي، حاسبًا كل آلامه صلبًا ودفنًا مع مسيحه، وطريقًا ضيقًا يدخل به إلى أبواب السماء المفتوحة، وبهجة القيامة الأبدية.هنا يلزمنا ألا ننكر أنه مع ما بلغه أيوب من مرارة حتى سب يوم الحبل به، لم يجدف على الله، ولا ندم على تعبده له. مع ما نطق به يكشف عن مرارة نفسه، لكنه خضع لمشيئة الله. إنه تحت الآلام مثلتا! * بماذا يفهم: "بعد هذا؟" بعد وصول أصحابه... لأن هؤلاء الذين اقتربوا لم يحيوه كمصارعٍ ولم يسألوه: كيف حالك؟ لم يقدموا أدوية للقروح، ولا وقفوا على الثمن الذي ناله أيوب عن كنز فضائله. لم يقولوا له: لا تثبط همتك، فإن معزيك قريب منك، لا تخف فإن عدوك ينهزم. لا تخزى، لأن النهاية ليست ببعيدة، والنصرة على الأبواب. * ليته هلك اليوم الذي وُلدت فيه"، ليس اليوم الذي خُلق فيه، بل الذي وُلد فيه... فإن الله خلقتي بالصلاح، لكن حواء التي عصت ولدتني في متاعب (تك3: 16). لم يجهل داود ذلك، بل بالروح فهم وقال في مزمور نبوي: "بالآثام حبلت بي أمي، وفي الخطية ولدتني" (مز 51: 5). الأب هيسيخيوس الأورشليمي * يا للعجب الذي يفوق الطبيعة حقًا! وقائع مذهلة!الموت الممقوت والمشجوب قبلًا، قد أحاطت به المدائح واعتُبر سعيدًا! فبعد أن كان يجلب الحداد والحزن والدموع والغم الكئيب، ها قد ظهر علة فرحٍ ومحط عيدٍ احتفاليٍ! بالنسبة إلى جميع خدام الله أُعلن موتهم سرورًا! فإن خاتمة حياتهم هي وحدها تعطيهم اليقين بأنهم قُبلوا من الله. لهذا طُوَّب موتهم، لأنه يختم كمالهم، ويُظهر غبطتهم؟، حيث يطغي عليهم رسوخ الفضيلة كقول الوحي: "لا تعتبر أحدًا سعيدًا قبل موته" (سيراخ 11: 28). لا نطبق عليكِ (يا مريم) هذا القول، لأن غبطتك لا تأتي من الموت، وموتك لم يتمم كمالك... ليس عند موتك، بل منذ هذا الحبل عينه تُغبطين من جميع الأجيال. لا، ليس الموت أبدًا هو الذي جعلكِ مغبوطة، بل أنتِ طرحتِ الموت وبددتٍ كآبته وأظهرتِ أنه فرح (بالمسيح المولود منكِ) . الأب يوحنا الدمشقي *أليس من المخجل أنك تئن بسبب الموت، بينما يتنهد بولس بسبب الحياة الحاضرة، فيكتب إلى أهل رومية: "الخليقة تئن وتتمخض معًا... بل نحن لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضًا نئن في أنفسنا" (رو 22:8-23). ينطق بهذا لا ليدين الأمور الحاضرة، بل شوقًا نحو الأمور المقبلة. القديس يوحنا الذهبي الفم |
|