|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"فَقَالَ لَهَا: تَتَكَلَّمِينَ كَلاَمًا كَإِحْدَى الْجَاهِلاَتِ! أَألْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَالشَّرَّ لاَ نَقْبَلُ؟ فِي كُلِّ هَذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ" [10]. * كان أيوب في ساعات حزنه أكثر حذرًا من آدم في عرش سعادته. واحد انهزم وسط المسرات، والآخر غلب وسط الآلام. واحد وافق على ما يبدو ممتعًا، والآخر لم يذبل في الآم غاية في الرعب... لقد احتمل في جسمه ألمه، واحتمل في قلبه أخطاء الآخرين، موبخًا زوجته على غباوتها، معلمًا أصحابه الحكمة، محتفظًا بالصبر في كل الأحوال. القديس أغسطينوس انسبوا التأديب لإلهكم مباشرة، لأن الشيطان لا يفعل شيئًا بدون سماح من ذاك الذي يدبر أموركم بقوة سلطانه، سواء للعقوبة أو التعليم؛ للعقوبة بالنسبة للأشرار والتعليم للابن. "فإنه يجلد كل ابن يقبله" (عب 12: 6). أنتم تحتاجون ألا تهربوا من العصا، اللهم إلا إذا لم تريدوا أن ترثوا . * عندما تغطي جسمه بالقروح جاءته امرأته التي تُركت له كحواء أخرى، لتكون زميلة الشيطان عوض أن تكون معينة لرجلها. كانت توبخه دومًا وبشدة لتهز ولاءه قائلة: "قل كلمة ضد الله ومت". لكن آدم الذي على المزبلة كان أكثر حكمة من آدم الذي كان في الفردوس. آدم في الفردوس أعطى أذنه للمرأة، ليطردا من الفردوس. وآدم على المزبلة طرد المرأة جانبًا فقط لكي يدخلا الفردوس. وماذا كان لآدم الذي على المزبلة؟ من الداخل يلد خلودًا، من الخارج كان طعامًا للدود. ماذا قال لزوجته؟ "تتكلمين كلامًا كإحدى الجاهلات. أألخير نقبل من عند الله والشر لا نقبل؟" (أي 2: 10). إنه يكرر بأنه يد الله عليه حينما كان الشيطان يضرب، لأنه لم يتطلع إلى من يصوب إليه الضربة، بل إلى ذاك الذي أعطاه السلطان. فإن الشيطان نفسه بدوره دعا ذاك السلطان الذي شحذه من يد الرب. القديس أغسطينوس لهذا السبب عندما يوبخنا الرب، عندما يؤدبنا، يلزمنا ألا نكون جاحدين. لندرك أن توبيخنا في الوقت الحاضر إذن لكي ننال تعزية في المستقبل. وكما يقول الرسول: "إذ قد حُكم علينا نؤدب من الرب، لكي لا نُدان مع العالم" (1 كو 11: 32). لهذا السبب قبل أيوب أيضًا بإرادته كل آلامه قائلًا: "أألخير نقبل من عند الله، والشر لا نقبل؟" العلامة أوريجينوس * الزوجة صلاح عظيم كما أيضًا يمكن أن تكون شرًا خطيرًا. فإن الزوجة عظيمة؛ لاحظوا من أية نقطة أراد الشيطان أن يدخل خلال السور القوي . القديس يوحنا الذهبي الفم * بمعنى: إنك لا تتكلمين بما يليق بكِ، ولا بتعليمكِ، ولا بالبنية التي تقبلتيها مني. هذه الكلمات لا تليق بكِ. لم يرد أن يوبخها بعنفٍ، بل أن يردها عن هذا التفكير الفاسد. "إن كنا نقبل الخيرات من يد الله، ألا نحتمل الشرور؟" بمعنى إن كان بالحق ليست هذه الأمور إلا شرورًا فلنتحملها. إنه الرب والسيد، أليس لديه سلطان على كل شيء يرسله علينا؟ لماذا أعطانا خيرات؟ ليس عن استحقاق من جانبنا. ليتنا لا نقلق بعد اليوم بالتفكير أننا نتألم عن عدم استحقاق. إنه حر تمامًا، حتى إن قدم لنا فقط الشرور. إن كان يقدم لنا أيضًا الخيرات، فلماذا نشتكي؟ لاحظوا إنه لم يتكلم قط عن معاصي، ولا عن أعمال صالحة، إنما تكلم فقط عن الله صاحب السلطان أن يفعل ما يشاء. تذكري خيراتك السابقة فلا تجدي صعوبة في احتمال المشاكل الحالية. يكفي لنا لكي نتعزى أن ندرك أن الرب قد أرسلها إلينا. لا تتحدثي عن عدالةٍ أو ظلمٍ. القديس يوحنا الذهبي الفم * ألا نقدم صبرنا ذبيحة مقبولة (رو 1:12) خلالها نستعيد ما فقددناه، وننال بركات أخرى أكثر منها؟ * "في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه". هل سلم الله أيوب لهذا الصراع باطلًا؟ ألم يعرف بالحق مقاتله؟ ألم يعرف الملك جنديه...؟ أما بالنسبة لنا، فلنتمثل بصبره. لنحارب بدماثة، لنمارس صبره، ونعادله في ثقته بالله. لنتشكل حسب إيمانه دون فشل، ولنكن ثابتين في روحه، في صدق كلماته، في صراعه مع عدوٍ غير منظورٍ، في عزلته، وفي تجاربه، في هدوئه، في مواجهة كل ما يثور، لنبقى أقوياء وموطدي العزم. في كل الآلام لنكن أتقياء ونتمم امتحاننا. فإننا بهذا نشترك في الأكاليل، ونكون شركاء في نصرته، ويكون الله شاهدًا لبرِّنا. المجد له مدى الدهور آمين. الأب هيسيخيوس الأورشليمي ليسكن فيكم، هذا الذي لا يٌمكن أن يٌغلب، فإنكم حتمًا تغلبون ذاك الذي اعتاد أن يغلب. لكنه يغلِبْ من؟ أولئك الذين لا يسكن الله فيهم. فإنكم أيها الإخوة تعلمون هذا أن آدم في الفردوس احتقر وصية الله، ورفع عنقه، كمن أراد أن يكون سيد نفسه، ونفر من الخضوع لمشيئة الله. هكذا سقط من الخلود والطوباوية. لكن وٌجد إنسان، مختبر باهر، مع أنه قابل للموت بمولده، ومع أنه جلس على مزبلة وفاسد بالدود، غلب الشيطان. نعم، آدم نفسه قد غلب حتى في أيوب، لأن أيوب من جنسه. لقد هُزم آدم في الفردوس، وغُلب على المزبلة. بكونه في الفردوس، أعطى أذنه لاقتناع المرأة التي دخلها الشيطان، أما وهو على المزبلة قال لحواء: "تتكلمين كإحدى الجاهلات". هناك أعارها أذنًا، هنا قدم لها إجابة. عندما كان سعيدًا أصغى، وعندما أٌبتلي غلب. لهذا انظروا ماذا تبع هذا يا إخوتي في الرسالة (1 يو 9:2). لأن هذا ما يجب أن نضعه في قلوبنا إننا نغلب الشيطان حقًا، لكن ليس بذواتنا، إذ يقول: "إن علمتم أنه بار، فاعلموا أن كل من يصنع البرّ مولود منه" . القديس أغسطينوس * يقصد بالخير هنا إما عطايا الله الزمنية أو الأبدية، وبالشر ضربات الزمن الحاضر، هذه التي قال عنها الرب بالنبي: "أنا الرب وليس آخر، مصور النور وخالق الظلمة، صانع السلام وخالق الشر". (إش 6:45-7) لا يقصد الشر الذي ليس له جوهر بطبيعته أنه مخلوق بالله. بل يُحسب الرب نفسه كخالق الشر (الضيق) عندما يحول الشر إلى عقوبة (أو تأديب)، فتكون هذه الأمور شرًا للعصاة باحتمالهم الألم، وفي نفس الوقت صلاحًا بطبيعتها... إنه عزاء قدير لتجاربنا، متى احتملنا أحزانًا، وتذكرنا عطايا خالقنا لنا... فقد قيل: "في يوم الخيرات لا تنسَ البلايا، وفي يوم البلايا لا تنسَ الخيرات" (سيراخ 25:11). فإن من يتقبل عطايا الله في موسم العطايا ولا يخشى الضربات يسقط بفرحه في تيه فكره، ومن يعاني من العقوبات، ومع هذا ففي موسم العقوبات يتجاهل تعزيته بالعطايا التي كان قد نالها، يسقط من ثبات فكره باليأس من كل جانب. البابا غريغوريوس (الكبير) * كأنه يقول: إن كنا نميل إلى البركات الأبدية، فأي عجب إن كنا نواجه شرورًا زمنية؟ لقد ركز بولس عينيه على هذه البركات باهتمامٍ شديدٍ عندما خضع بفكره للشرور الحالة به. يقول: "فإني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا" (رو 18:8). البابا غريغوريوس (الكبير) |
|