|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فكونوا أَنتُم كامِلين، كما أَنَّ أَباكُمُ السَّماويَّ كامِل. تشير عبارة "كامِلين" إلى القداسة التي هي هويّة الله وجوهره وهدفه من خلقنا، وقد ورد ذكرها في التوراة " كونوا قِدِّيسين، لأَنِّي أَنا الرَّبَّ إِلهَكم قُدُّوس "(الأحبار 19: 2)؛ وهنا يدعو السيّد الرّب شعبه أن يكون في شركة الكمال معه في القداسة والرحمة والمَحبًة. والوجه العملي للتعبير عن معنى القداسة فهو البُعد عن الأكاذيب والخداع ونشر الافتراءات والسرقة، والكراهية والحقد. ويسوع يُكرّر ذات الشيء. وأعطانا مثالا على الكمال بقوله للشاب الغني: " إِذا أَرَدتَ أَن تكونَ كامِلاً، فاذْهَبْ وبعْ أَموالَكَ وأَعْطِها لِلفُقَراء، فَيكونَ لكَ كَنزٌ في السَّماء، وتَعالَ فاتبَعْني" (متى 19: 21). فالمؤمن المسيحي ينبغي أن يعيش حياته بمقتضى المقياس الأخلاقي الكامل للإنجيل، حيث يتوجب على التلاميذ أن يطابقوا كمال الله الذي يشمل حبُّه " الأبرار والأشرار"، ولقد عبَّر لوقا عن ذلك تعبيراً جيّدا باستعمال كلمة "رحيم" " كونوا رُحَماءَ كما أَنَّ أَباكُم رَحيم" (لوقا 6: 36). وكمال الله هو مثال رفيع يقدّمه يسوع لنا في إنجيل متى، الذي هو إنجيل الكمال، أمَّا إنجيل لوقا فهو إنجيل الرحمة حيث أنَّ الكمال الذي يطلبه يسوع هو كمال في القداسة الذي يكمن بانفصالنا عن قيم العالم الشِّرِّيرة وتكريس نفوسنا لعمل مشيئة الله وحمل رحمته للعالم، وهو والكمال في الأخلاق أيضا، وأخيرا الكمال في النضج كما جاء في تعليم يوحنا الرسول " أَيُّها الأَحِبَّاء نَحنُ مُنذُ الآنَ أَبناءُ الله ولَم يُظهَرْ حتَّى الآن ما سَنَصيرُ إِليه. نَحنُ نَعلَمُ أَنَّنا نُصبِحُ عِندَ ظُهورِه أَشباهَه لأَنَّنا سَنَراه كما هو" (1يوحنا 3: 2). وهنا يتحدّث يسوع عن درجات الكمال ويبلغ إلى قمّتها في محبة الجميع حتى الأعداء بلا مقابل شبيه بمحبة ألاب السماوي، كما صرّح بولس الرسول " اقتدوا إِذًا بِاللهِ شأنَ أَبْناءٍ أَحِبَّاء" (أفسس 5: 1). ويقول البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني: "إن أولئك الّذين يتبعون الدعوة إلى القداسة بأمانة يكتبون تاريخ الكنيسة في بُعدها الأكثر أهمّية، أي بُعد العلاقة الحميمة مع الربّ". أمَّا عبارة " كما أَنَّ أَباكُمُ السَّماويَّ كامِل " فتشير إلى الاقتداء بابينا السماوي وليس بأفضل الناس، لان أبينا السماوي هو الاله الكامل الذي محبَّتُه الكاملة تشمل أعداءه حتى جعلته يطلب فداهم " أَمَّا اللهُ فقَد دَلَّ على مَحبتِّهِ لَنا بِأَنَّ المسيحَ قد ماتَ مِن أَجلِنا إِذ كُنَّا خاطِئين" (رومة 5: 8). فان كنَّا غير كاملين الآن يجب أن نجعل الكمال غايتنا عالمين أنَّنا كلما تمثَّلنا به في المَحبًة دنونا من الكمال، كما جاء في خبرة بولس الرسول "ولا أَقولُ إِنِّي حَصَلتُ على ذلِكَ أَو أَدرَكتُ الكَمال، بل أَسْعى لَعَلِّي أَقبِضُ علَيه، فقَد قَبَضَ عَلَيَّ يسوعُ المسيح" (فيلبي 3: 12). ونستنتج من هنا أن يسوع لا يتحدث عن كمال الطقوس كما كان في العهد القديم التي اهتمَّ بضحية بلا عيب، لكن في العهد الجديد، لم يعد تقديم ضحايا بل محبة، ولا يتحدث يسوع أيضا عن كمال الشخص الذي يقوم بواجبه على أكمل وجه، بل عن قلبٍ يعرف كيف يُحبُّ الله والآخرين بطريقة متكاملة ونزيهة وبلا شروط على مثال يسوع "أَنا فيهِم وأَنتَ فِيَّ لِيَبلُغوا كَمالَ الوَحدَة ويَعرِفَ العالَمُ أَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني وأَنَّكَ أَحبَبتَهم كَما أَحبَبتَني" (يوحنا 17: 23). |
|