|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التوبة بدأ يسوع خدمته مُردِّداً أقوال يُوحَنَّا المعمدان "بَدَأَ يسوعُ مِن ذلك الحِين يُنادي فيَقول: "تُوبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّمَوات" (متى 4: 17). لا مفرّ من التوبة من أجل الدخول إلى ملكوته. "توبوا" يدل على في الأصل اليوناني Μετανοεῖτε على تغيير في العقلية، وبالتالي تغيير أسلوب التفكير والحياة؛ أمَّا في الأصل العبري שׁוּבוּ فيدلُّ على تغيير الطريق والعودة بلا قيد أو شرط إلى الله، إله العهد كما ينادي رَبُّ القُوَّات الجّميع "إِرجِعوا إِلَيَّ أَرجِعْ إِلَيكم" (ملاخي 3: 7). فالتوبة هي تغيير جذري داخلي وخارجي في السلوك ومسار حياة لدخول ملكوت السماوات، أي التحوّل عن الخطيئة إلى الربّ الإله، وتترك الظّلمة، ظلمة الخطيئة وكلّ عبوديّات المال والكبرياء والأنانيّة والسلوك في نّور المسيح. "أَنا نُورُ العالَم مَن يَتبَعْني لا يَمْشِ في الظَّلام بل يكونُ له نورُ الحَياة" ) يُوحَنَّا 8: 12) . فالنور والظلمة لا يتساكنان كما يتساءل القديس بولس الرسول "أَيُّ اتِّحادٍ بَينَ النُّورِ والظُّلْمَة؟" (2 قورنتس 6: 14). "فقَد أَغْضى اللّهُ طَرْفَه عن أَيَّامِ الجَهْل (الظلمة) وهو يُعلِنُ الآنَ لِلنَّاسِ أَن يَتوبوا جَميعًا وفي كُلِّ مَكان") أعمال الرسل 17: 30). إنّ التوبة هي عمل داخليّ حيث تتطلّب التخلّي عن كلّ ما يشلّ اندفاعنا نحو الربّ، والتخلّي عن كلّ العبوديّات التي ندعوها المال والكبرياء والأنانيّة كي نردّ، دون تحفّظ، على دعوة الربّ. إنها تخصب حياتنا، لأنّها تجعلنا قادرين على الاستجابة لدعوة المسيح الربّ: تعال واتبعني! التوبة هو الموضوع الرئيسي الذي عالجه إرميا النبي والأنبياء في العهد القديم. فمنذ آلاف السنين قال النبي أشَعْيا: "لِيَترُكِ الشِّرِّيرُ طَريقَه والأَثيمُ أَفْكارَه ولْيَرجِعْ إلى الرَّبِّ فيَرحَمَه وإلى إِلهِنا فإِنَّه يُكثِرُ العَفْوَ" (أشَعْيا 55: 7). ونداء يسوع إلى التوبة والإيمان بالإنجيل، يتواصل في الكرازة المسيحية، ويُصبح بعد القيامة نداء لقبول الخلاص الذي يُعطى لنا في يسوع المسيح (1 تسالونيقي 1: 5-6). وخير مثال على ذلك أقوال بُطرُس الرسول: "أن الله لا يَشاءُ أَن يَهلِكَ أَحَدٌ، بل أَن يَبلُغَ جَميعُ النَّاسِ إلى التَّوبَة " (2 بُطرُس 3: 9). وفي مكان آخر يقول "َتوبوا وارجِعوا لِكَي تُمْحى خَطاياكم"(أعمال الرسل 3: 19)، فلا غفران للخطيئة إلا بالتوبة. وعدم التوبة يعني الهلاك " إِن لم تَتوبوا تَهِلكوا بِأَجمَعِكُم" (لوقا 13: 5). الخاطئ يسلك طريق الشّرّ مقتفيا خطوات إبليس ونهايته كما قال الكتاب: " مَنِ اتَبعً الشَرّ فلِمَوته") أمثال 11 : 19(. يعلق القدّيس أوغسطينوس "لأنّ الربّ لا يحبّ أن يعاقب بل أن يخلّص، ولهذا السبب هو يصبر على الأشرار حتّى يصبحوا أخيارًا" (العظة 18). أمَّا التوبة فهي بركة للإنسان، تمنحه السلام والأمان والحياة في الملكوت. ما زالت التوبة اليوم هي الرسالة كما نادى بها يسوع ويُوحَنَّا المعمدان حيث أنَّ تاريخ الكنيسة وتاريخ كل إنسان هو قصّة توبة وارتداد إلى الرب. وما من أحد مَعفِيّ من أن يتوب كل ساعة، "ذلِكَ بِأَنَّ جَميعَ النَّاسِ قد خَطِئُوا فحُرِموا مَجْدَ الله" (رومة 3: 23)، فالجميع بحاجة إلى التوبة للحصول على مجد الله. فالتوبة هي مفتاح الإنجيل من ناحية الإنسان، وأمَّا ملكوت الله فهو حكم الله في قلوب الناس وفي المجتمع. فهي طريق الخلاص. لذلك تتطلب التوبة أن نبتعد عن التمركز حول الذات، وعن سيادة الذات علينا، وان نليّن قلبنا المتحجرة ونجدِّد صفحات حياتنا، فنسلم نفوسنا لتوجيهات المسيح وسيادته. أن مجيء الملكوت يتطلب توبة الإنسان. |
|