|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إِنَّمَا صَالِحٌ اللهُ لإِسْرَائِيلَ، لأَنْقِيَاءِ القَلْبِ [1]. قبل أن يعلن المرتل مرارة نفسه التي يجتاز فيها أحيانًا حين يرى الأشرار المقاومين لله ولمؤمنيه يعيشون في رغدٍ، ويتمتعون بسلطانٍ، يؤكد أنه واثق في صلاح الله وبرِّه وعدله. لا يكف المؤمن الحقيقي عن التسبيح لله وتمجيده، حتى وإن بدت الأمور حوله فيها كثير من الارتباك. * "يا لصلاح إله إسرائيل"، ولكن لمن؟ "لأناسٍ مستقيمي القلوب" (راجع مز 73: 1)... هكذا يقول في مزمور آخر: "مع القديس تكون قدوسًا، مع الطاهر تكون طاهرًا، ومع الأعوج تكون ملتويًا" (مز 18: 25). لا يمكن أن يكون الله بأية طريقة ملتويًا. حاشا! فما هو عليه هو عليه! ولكن كما أن الشمس تبدو لطيفة لمن له عينان نقيتان سليمتان معافتان وقويتان، فهي بالنسبة للأعين الضعيفة تبدو كالسهام القاسية المندفعة ضدها. تنعش الأولى، وتضر الأخيرة، مع أنها هي نفسها لم تتغير، إنما الإنسان هو الذي يتغير. هكذا عندما تبتدئون في الاعوجاج مع الله، يبدو الله لكم ملتويًا. فما يكون لكم عقابًا يكون بالنسبة للإنسان الصالح فرحًا. القديس أغسطينوس * "إنما صالحٌ الله لإسرائيل لأنقياء القلب" (مز 73: 1). يتضح النمو في الكمال الفضائلي (الأخلاقي) منذ بدايات المزمور. فلا يمكن حقًا لأي إنسان أن يقول إن الله صالح إلا الذي يعرف هذا الصلاح، لا من نجاحه الذاتي، ولا من ثرواته، بل من عمق الأسرار السماوية، وسمو مقاصد الله. لأنها تُقدر لا بمظاهر الأشياء الحاضرة، بل بمنافع الأشياء العتيدة (المستقبلة أو الآتية)، ومن ثم فالله صالح دائمًا للبار، سواء تعذب هذا البار بالآلام الجسدية، أو سادت عليه العقوبات المرة، فهو دائمًا يقول: "إن كنا قد قبلنا الخيرات من يد الرب، فلماذا لا نحتمل السيئات؟" (أي 2: 10 LXX ). فهو يتهلل، لأنه يتأدب (يعاقب) هنا، ليجد تعزية في المستقبل. إنه يدرك أن من نال الخيرات في هذه الحياة، قد نال جزاءه (مت 6: 2). والإنسان الذي لم يجاهد أو يُجرب في صراع متعدد الصعاب، لا يقدر أن يكون له رجاء في المجازاة العتيدة. لكن الذي يتألم ويصارع... يتهلل في هذا العالم، إما لأنه يدفع ثمن خطاياه هنا، أو لأنه يعرف أن ثمة نعمة وفيرة فائضة مع الرب، إن كان يتألم ظلمًا عن اسم المسيح، أو لأجل عمل صالح، فمكتوب: "لأنه أي مجد إن كنتم حين تُخطئون تُعاقبون وتحتملون (العقاب)، بل إن كنتم تصنعون خيرًا وتتألمون، فهذا فضل (نعمة) عند الله، لأنكم لهذا دُعيتم حقًا. فإن المسيح مات أيضًا لأجلنا تاركًا لنا مثالًا؛ لكي تتبعوا خطواته، الذي لم يفعل خطية ولا وُجد في فمه مكر. الذي إذ شُتم لم يكن يَشتم عوضًا، وإذ تألم لم يكن يهدد!" (1 بط 2: 20-23). هكذا البار، حتى وهو في عمق الضيقة يظل بارًا. لأنه يبرر الله ويتوب، معترفًا أن آلامه أقل من خطاياه، متعهدًا أن يبقى حكيمًا دائمًا. لأن الحكمة الحقيقية الكاملة لا تُسلب بعذابات الألم والضيق، ولا تفقد طبيعتها، لأنها تُلقي الخوف خارجًا بمقصدها الغيور المحب (قابل أي 4: 18). تمامًا كما يعرف الحكيم أن الآلام في هذا الجسد لا تقارن بالمجد العتيد، وأن جميع آلام الزمان الحاضر، لا يمكن أن تساوي المجازاة العتيدة (رو 8: 18). لهذا فإن الله بالنسبة له الذي يعرف زمان الحصاد، هو صالح دائمًا. وكمزارع صالح، يحرث حقله هنا بمحراث الامتناع الصارم عن (الشهوات) حقًا. ويُنقي أرضه هنا بمنجل الفضائل الذي يستأصل الرذائل إن جاز التعبير. وهو يُسمَّد هنا بتواضعه وانسحاق نفسه حتى الأرض، لأنه يعرف أن "الله يقيم المسكين من التراب، ويرفع البائس من المزبلة" (مز 113: 7). حقًا لو لم يُحسب بولس الرسول العالم كنفاية (dung) ما استطاع أن يربح المسيح نفسه (في 3: 8). ومثل هذا الإنسان يسهر على محصوله هنا، ليُخزِّنه فيما بعد هناك دون هَمٍ. ولهذا فالله بالنسبة له دائمًا صالح؛ لأنه يرجو دومًا الصالحات من الله. تأملوا نقطة أخرى، "إنما صالحُ الله لإسرائيل، لأنقياء القلب" (مز 73: 1). فهل الله ليس صالحًا للجميع؟ حقًا هو صالح للكل، لأنه مخلص جميع البشر، خاصة للمؤمنين. لهذا أتى الرب يسوع ليخلص ما قد هلك (لو 19: 10). حقًا جاء ليحمل خطية العالم" (يو 1: 29)، وليشفي جراحتنا، لكن ليس الجميع يرغبون في العلاج! كثيرون يتجنبونه! لئلا يَحقن القُرح بالعقاقير، ويفقد سطوته. لهذا السبب يشفي الذين يريدون الشفاء ولا يرفضونه. لهذا من يرغبون في العلاج يستعيدون صحتهم، أما الذين يقاومون الطبيب ولا يطلبونه فلا يتمتعون بصلاحه، لأنهم لا يختبرونه! ومن نال الشفاء يستعيد صحته. لهذا فالطبيب صالح بالنسبة للذين أعاد إليهم عافيتهم. من ثَمّ الله صالح لأولئك الذين غفر خطاياهم، لكن إن كان لإنسان خطية لا علاج لها في روحه، فكيف يُقيِّم الطبيب على إنه صالح، بينما هو يتحاشاه؟ ولهذا كما قلت قبلًا، شرح الرسول بحق أن الله "الذي يريد أن الجميع يخلصون" (1 تي 2: 4)، هو صالح لكل الناس. أما نعمة صلاح الله الخاصة، فهي مكفولة بالأكثر لجميع المؤمنين الذين ينالون عونًا من إرادته الصالحة ونعمته. لكن حين يقول المرتل أيضًا: "إنما صالحُ الله لإسرائيل، لأنقياء القلب" فإنه ينقل مشاعر الذين لا يعرفون كيف يتمتعون بما يخص الله، عدا أنه صالح نحو كل شيء وهو في الكل . القديس أمبروسيوس لعل المرتل هذا يقصد أن الله صالح لكنيسته (إسرائيل الجديد)، التي يليق بها أن يكون أعضاؤها أنقياء القلب. الله صالح ومحب لكل البشرية، خاصة الذين يتمتعون بنقاوة القلب. |
|