|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يشوع يتعظم في الأردن... "فقال الرب ليشوع: اليوم أبتدئ أعظمك في أعين جميع إسرائيل لكي يعلموا أني كما كنت مع موسى أكون معك. وأما أنت فأمر الكهنة حاملي تابوت العهد قائلًا: عندما تأتون إلى ضفة مياه الأردن تقفون في الأردن" [7-8]. يليق بالإنسان أن يعظم الله خلال عبادته وسلوكه الداخلي وتصرفاته مع الآخرين، أما هنا فنجد الله نفسه يؤكد ليشوع: "اليوم أبتدئ أعظمك" [7]. كيف يعظم الله يشوع؟ لقد ارتبطت عظمة يشوع في عيني الله والناس بعبور نهر الأردن (4: 14)، وكأنها صورة رمزية لبداية إعلان عظمة ربنا يسوع خلال الأردن، أما وجه المقارنة في هذا الشأن فيظهر في الآتي: أولًا: يقول له: "لكي يعلموا أنيّ كما كنت مع موسى أكون معك" [7]. هذا هو ما أعلنه عبور نهر الأردن، إذ كشف عن معية الله ليشوع. أما بالنسبة لربنا يسوع فإن عبوره الأردن أو عماده قد كشف عن علاقته مع الآب، بكونه ابن الله الوحيد، وموضع سروره، إذ "السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلًا مثل حمامة وآتيًا عليه، صوت من السماء قائلًا: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (مت 3: 16-17). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وقد دعي العيد الخاص بعماد السيد: "عيد الظهور الإلهي"، خلاله ليس فقط ظهر الثالوث المقدس بكون الابن في المياه والروح نازلًا عليه والآب يتحدث عنه من السماء، إنما ظهر عمل الثالوث المقدس واضحًا في حياتنا. فخلال المعمودية يهبنا الروح القدس الحياة الجديدة التي صارت لنا في المسيح يسوع، ويفتح عن بصيرتنا الداخلية لندرك مركزنا الجديد كأبناء الآب ننعم ببنوته وسروره، لأننا أعضاء جسد ابنه المحبوب. ثانيًا: لعل يشوع أيضًا قد تعظم خلال حمل الكهنة تابوت العهد وتقدمهم للشعب حتى يعبر الكل مياه الأردن. هذه هي المرة الأولى التي فيها نجد التابوت المقدس محمولًا بواسطة الكهنة وقائمًا بدور قيادي للشعب الذي التزم أن يبقى على بعد نحو ألفي ذراع قياس [4]... هذا التصرف أبرز جوانب كثيرة في عمل يشوعنا الحقيقي في مياه المعمودية، نذكر منها الآتي: أ. لقد تعظم يشوعنا الحقيقي ليس بحملنا تابوت العهد وإنما بما وهبه لنا في الأردن الجديد حيث صرنا نحمل الثالوث القدوس نفسه. صرنا نحن أنفسنا هيكل الله المقدس، نتقبل روحه القدوس فينا خلال سرّ الميرون. صار ملكوت الله داخلنا (لو 17: 21)، يسكن الله فينا ويملك علينا. ب. حمل الكهنة للتابوت إنما يشير إلى عطية الله للإنسان، والتابوت يمثل الحضرة الإلهية، وحمله إنما يعني اقتراب الإنسان لله بعد فترة عداوة طويلة، لقد كان الإنسان يتطلع إلى الله كنار آكلة لا يمكن الاقتراب إليه. أما وقد دخل يشوعنا الأردن، فإنه دخل بنا لا إلى الاقتراب إليه فحسب وإنما إلى الاتحاد مع الآب فيه. ففي المياه المقدسة يعمل الروح الناري فينا، لا ليحرق ننفوسنا وإنما ليبدد إنساننا القديم ويحرق العداوة واهبًا إيانا استنارة روحية خلالها ندرك بنوتنا لله وإتحادنا معه. لذلك يقول العلامة أوريجانوس: [طوبى للذين صاروا قريبين! لقد اقتربوا وجاوروا النار التي تنيرهم ولا تحرقهم ]. إن كان في التجسد الإلهي قد اتحد اللاهوت بالناسوت، ورأينا ابن الله ينزل إلينا ويحلّ في وسطنا قريبًا منا بل كواحد منا: ففي الأردن أعطانا أن نرتفع نحن إليه ونقترب منه لنحمل حياته الإلهية فينا ويرفعنا إلى سمواته. هذا هو ما يمجد يشوعنا الحقيقي لا باقترابنا لحمل التابوت مع كهنة العهد القديم وإنما بارتفاعنا إلى السموات ووجودنا مع الله متحدين معه في ابنه بروحه القدوس الناري. يتحدث القديس غريغوريوس أسقف نيصصعن عمل الأردن في حياتنا قائلًا بإيجاز: [لقد تعظم الأردن، إذ هو يجدد البشر ويزرعهم في فردوس الله]. مرة أخرى يدعونا القديس غريغوريوس النيصيللتمتع بالمعمودية التي يتمجد يشوعنا فيها خلال عمله في حياتنا، قائلًا: [إنك تتمرغ في الوحل إلى وقت طويل، إسرع إلى الأردن، لا بدعوة من يوحنا وإنما خلال صوت المسيح! في الحقيقة إن نهر النعمة يجري في كل موضع، إنه لا ينبع في فلسطين لتختفي في البحر المجاور، لكنه يغطي العالم كله، ويدخل الفردوس، ويفيض على الأنهار الأربعة النازلة من هناك، ويرد للفردوس الأمور الثمينة أكثر مما تجلبه الأنهار الأخرى. فإن هذه الأنهار تقدم روائح طيبة وزراعة للأرض وثمارًا، أما هذا النهر فيجلب أُناسًا مولودين بالروح القدس! إمتثل بيشوع بن نون وحمل الإنجيل كما حمل التابوت! أترك البرية أي الخطية وأعبر الأردن. إسرع نحو الحياة حسب المسيح، ونحو الأرض التي تفيض ثمار الفرح فتجري فيها مجاري اللبن والعسل. حّطم أريحا المسكن القديم ولا تتركها مخصبة ]. لقد سبق فتحدثنا بشيء من التفصيل عن فاعلية المعمودية في حياتنا، الأمر الذي بحق يمجد يسوعنا الذي عبر بنا هذا النهر المقدس . ج. التزم الشعب أن يبقى على بُعد حوالي ألفين ذراعًا من التابوت إنما يشير إلى مؤمني العهد القديم ككل الذين وإن كانوا ينعمون بالخلاص لكن عن بُعد، خلال الرموز والنبوات، أي خلال الظلال وشبه السماويات، أما مؤمنوا العهد الجديد فيرمز لهم بالكهنة حاملي التابوت، وفي هذا وذاك يتمجد يشوعنا ويتعظم. ثالثًا:تعظم يشوعأيضًا إذ بعبوره الأردن ظهر الكهنة كقادة للشعب خلال حملهم التابوت، بكونهم المنارة التي تحمل النور الإلهي ليضيء للكل. فالتابوت إذ يحّوي لوحي العهد يرمز للكرازة بالكلمة الإلهية، الأمر الذي بدونه لا يقدر أحد أن يعبر إلى أرض الموعد ويتمتع بالميراث الأبدي. يقول العلامة أوريجانوس: [إنها طغمة الكهنة واللاويين التي تقف عن قرب من تابوت عهد الرب حيث يوجد الناموس فيه، إذ يلزمهم أن يبّصروا الشعب بوصايا الله، كقول النبي "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" (مز 119: 105)، هذا النور المُضاء بواسطة الكهنة واللاويين، حيث يوجد من بينهم من يضع السراج على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت (مت 5: 15)]. أما في أردن العهد الجديد فلا يحمل الكهنة تابوتًا يحوي الشريعة منقوشة على حجرين إنما يحملون "كلمة الله" منقوشًا في قلوبهم بالروح (2 كو 3: 3) متجليًا بسماته في حياتهم الداخلية وسلوكهم الظاهر، يقدمونه لا بكلمات الوعظ فحسب وإنما بالروح القدس الذي يُدخل الكلمة إلى قلوب السامعين. يقول الرسول بولس: "إن إنجيلنا لم يصر لكم بالكلام فقط بل بالقوة أيضًا وبالروح القدس وبيقين شديد كما تعرفون أي رجال كنا بينكم من أجلكم" (1 تس 1: 5). رابعًا: تعظم يشوع أيضًا بعبور الشعب خلال القيادة التابوت لهم، فما كان يمكنهم أن يعبروا ما لم يتقدم يشوع والكهنة حاملي التابوت ويقفوا في الأردن، إذ قيل ليشوع: "عندما تأتون عند ضفة مياه الأردن تقفون في الأردن" [8]. إنها صورة رمزية لحقيقة الخلاص، فما كان لنا أن ننعم بالحياة الجديدة ولا أن نجتاز الأردن بقوة ما لم يدخل يسوعنا المحيي الأردن بنفسه، ويقف فيه لكي يحملنا على كتفه وينطلق بنا إلى ملكوته. حقًا إن مياه المعمودية بدون المسيح تصير مًاء عاديًا قادرًا على غسل الجسد دون تقديسه، عاجزًا على الدخول إلى أعماق النفس. لقد التزم يشوع والكهنة أن يقفوا في الأردن، يا لها من صورة رمزية لعظمة يشوعنا الحقيقي الذي دخل بنا إلى مياه الأردن لنراه واقفًا فنقف معه وفيه. حقًا لقد دفن في المياه كما في القبر، لكن لم يكن ممكنًا للموت أن يحبسه ولا للقبر أن يغلق عليه، بل وقف قائمًا من الأموات، واهبًا إيانا الحياة المقامة. إننا نُدفن معه بالمعمودية للموت (رو 6: 4)، لا لنبقى في حالة دفن بل في حالة قيام معه وفيه. هذا هو سرّ تعظيم يشوع الحق، إذ أُعلن في مياه المعمودية سرّ صليبه ودفنه وقيامته، كسرّ واحد متلاحم! خامسًا: يتعظم يشوع باستلامه القيادة رمزًا للاستلام يشوع الحقيقي قيادة نفوسنا عند عبورنا الأردن الجديد وبعده أيضًا. يتحدث القديس أمبروسيوسعن قيام السيد نفسه بالعمل السري أثناء العماد، قائلًا: [لا تنظر إلى استحقاقات الأفراد... آمن أن الرب يسوع حاضر عند استدعاء الكاهن، هذا الذي قال: "لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" (مت 18: 20)، فكم بالأكثر حينما تكون الكنيسة موجودة، وسرائره حاضرة، يمنحنا بالأكثر إعلان حضرته؟!]. وفي أكثر من موضع يطالبه القديس يوحنا الذهبي الفمألا ننظر إلى الكاهن أثناء الخدمة السرائرية بل إلى السيد المسيح نفسه العامل خفية فيه. أما بخصوص قيادة ربنا يسوع نفوسنا بعد العماد فيقول العلامة أوريجانوس: [إذ عبرت نهر الأردن بواسطة الكهنة تدخل أرض الميعاد، هذه الأرض التي فيها يتعهدك يشوع -بعد موسى- ويكون مرشدك في طريقك الجديد]. |
|