|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الانتظار ثلاثة أيام... إذ قدم الجاسوسان تقريرهما عن عمل الله معهما انطلق الموكب كله نحو الأردن، حيث "بكر يشوع في الغد وارتحلوا من شطيم وأتوا إلى الأردن وكل بني إسرائيل، وباتوا هناك قبل أن يعبروا، وكان بعد ثلاثة أيام أن العرفاء جازوا في وسط المحلة إلخ..." [1-2]. إن كان الجاسوسان قد قدما تقريرًا واقعيًا ليشوع أن أريحا كلها في حالة رعب وخشية، وأن راحاب قد قبلتهما في بيتها وارتفعت بهما إلى السطح لينطلقا إلى الجبال ويأتيا إليه، إنما كان هذا إشارة إلى كلمة الكرازة بين الموعوظين حيث يدرك هؤلاء أنه بيسوع المسيح المخلص تنهدم كل حصون الشر ويرتعب رئيس الظلمة ويتحقق الخلاص لمن يحتضن إرسالية يسوع المسيح وإنجيله... ولكن لن يتحقق لهم هذا إلاَّ بالانطلاق إلى نهر الأردن تحت قيادة "يشوع الحقيقي" نفسه! لا بُد للإيمان أن يُختم بالمعمودية حتى يمكن العبر إلى الميراث والتمتع بمواعيد الله وهباته المجانية! فالارتحال من شطيم إلى الأردن بقيادة يشوع هو إلتزام الموعوظين بالعبور إلى المعمودية. ارتحلوا من شطيم، التي تعني "شجر السنط"، الموضع الذي حاول فيه بلعام أن يلعن شعب إسرائيل (عدد 22-24)، والذي فيه ضل الشعب وراء بنات موآب ومديان وبعل فغور (عدد 25) لينطلقوا خلال الأردن إلى أرض الموعد. ارتحلوا من اللعنة والضلال والفجور (بعل فغور) للحياة الجديدة المقدسة بالمعمودية. لكن هذه الانطلاقة احتاجت إلى وقوفهم مع يشوع ثلاثة أيام قبل عبور الأردن، وهنا ندخل في سرّ الأيام الثلاثة التي طالما تحدثنا عنها ونبقى نتحدث عنها، بكونها سرّ القيامة مع المسيح في اليوم الثالث. فلا عبور في الأردن وتمتع بإمكانيات المعمودية إلاَّ خلال الدفن مع السيد ثلاثة أيام به ومعه! يقول الرسول بولس: "أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته؟! فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة (رو 6: 3-4). ويقول: "العماد هو الصليب. ما قد حدث بالنسبة للمسيح في الصلب والدفن يصنعه العماد معنا، وإن كان ليس بذات الطريقة. لقد مات المسيح بالجسد ودفن، أما نحن فنموت عن الخطية وندفن... إن كنت تشاركه الموت والدفن، فبالأولى تشاركه القيامة والحياة ". والثلاثة أيام كما رأينا في الأصحاح الأول يشير إلى الثالوث القدوس فلا عبور في مياه المعمودية إلاَّ بعد إعلان إيماننا بالثالوث القدوس، حيث نتقبل البنوة للآب والعضوية في جسد الابن الوحيد ويقوم الروح القدس بتثبيتنا في الابن. بمعنى آخر أن المعمودية هي تمتع بعمل الثالوث القدوس في حياتنا، فبدون إيماننا به لا نفع للعماد! بعد اجتياز الثلاثة أيام أي قبول قوة القيامة المسيح وإعلان الإيمان بالثالوث القدوس اجتاز العرفاء، أي رؤساء الألوف والمئات والعشرات في وسط المحلة، وأمروا الشعب، قائلين: "عندما ترون تابوت عهد الرب إلهكم والكهنة اللاويين حاملين إياه فارتحلوا من أماكنكم وسيروا وراءه، ولكن يكون بينكم وبينه مسافة نحو ألفي ذراع بالقياس، لا تقربوا منه لكي تعرفوا الطريق الذي تسيرون فيه، لأنكم لم تعبروا هذا الطريق من قبل" [3-4]. يقول القديس أغسطينوس: [الأردن يعني "نزولهم" إذن لتنزلوا حتى ترتفعوا، ولا ترتفعوا لئلا تهبطوا ]. إن كانت المعمودية هي نزول لأجل الصعود، فإن طريقها غريب على بني البشر الذين سقطوا في الكبرياء، ولا يريدون أن ينزلوا، حتى إن أرادوا لا يقدرون. إنه طريق جديد لا بُد أن يفتتحه ذاك الذي وحده استطاع أن يتضع وهو العظيم، كلمة الله المتجسد. فعبور تابوت عهد الرب يحمله الكهنة اللاويين أمام الشعب إنما يعني افتتاح السيد المسيح طريق المعمودية بنفسه، يتقدم إليها باتضاعه فيرفعنا إلى بنوته لله. الابن صار عبدًا، لكيما في مياه المعمودية يرفع العبيد إلى البنوة لله! لو لم يقدس السيد المسيح مياه الأردن لصارت المعمودية مياه مجردة بلا فاعلية، لهذا يقول القديس أمبروسيوس: أنها [تحمل نعمة المسيح]. وفي الطقس القبطي ترشم المياه بالصليب، ويغطس الصليب فيها إعلانًا عن أن المصلوب - تابوت العهد الحقيقي- قد دخل الأردن وقدّسه. لقد طلب العرفاء من الشعب أن يكون بينهم وبين التابوت نحو ألفي ذراع قياس، ذلك لأن رقم 2 يشير للحب الذي يجعل الاثنين- المحب والمحبوب- واحدًا، لأن الحب جاء في الوصيتين الأولى والثانية من الناموس، وقد دفع السامري الصالح درهمين للفندق من أجل محبته لله ولأخيه الجريح، وقدمت الأرملة فلسين علامة محبتها لله والناس. أما رقم 1000 فيشير للحياة السماوية، لذلك فإن رقم 2000 يشير إلى الحب على المستوى السماوي الروحي، سواء كان الحب لله أم للناس. كأن طالب العماد يلزم لكي ينال بركات المعمودية أن يقبل الحب الجديد في مياه المعمودية. بهذا ينعم المعمد ببركة سكنى الله فيه، هذا الذي لا يسكن إلاَّ في القلوب المتسعة حبًا. يقول القديس أغسطينوس: [إن وُجد الحب إنما يوجد تكميل الناموس أيضًا (رو 13: 10)، حيث يسكن الله فيك، وتكن أنت عرشًا له ]. إن كنا في مياه المعمودية نصير أعضاء مقدسة في جسد المسيح، فإننا بالحقيقية نحمل سمته التي عبر عنها القديس يوحنا الحبيب: "الله محبة" (1 يو 4: 8)، وإن كانت المعمودية هي ميلادًا جديدًا فإن الرسول يؤكد: "كل من يحب فقد وُلد من الله ويعرف الله، ومن لا يحب لا يعرف الله" (1 يو 4: 7-8)، وكأن من يغلق قلبه عن الله والناس لا ينفعه ميلاده في مياه المعمودية شيئًا، بل يكون سرّ دينونة عليه... نال إمكانية الحب خلال الميلاد الجديد لكنه لم يمارسه. وإن كانت المعمودية هي سرّ استنارة النفس، فإنه بدون الحب يعيش الإنسان في الظلمة، كقول الرسول: "من قال أنه في النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن في الظلمة (1 يو 2: 9)... هكذا لا يمكن عزل الأردن عن طبيعة الحب السماوي الموهوبة لنا بالروح القدس. أما قوله: "لا تقربوا منه لكي تعرفوا الطريق الذي تسيرون فيه، لأنكم لم تعبروا هذا الطريق من قبل" [4]، إنما يشير إلى أن هذا الطريق جديد بالنسسبة لنا، لم نختبره من قبل، ولم يكن ممكنًا التمتع والاقتراب إليه لو لم يدخل السيد أولًا ويفتحه! إن كان عبور يشوع يمثل عبور يسوع المسيح كمخلص لنا، لأن كلمة يشوع تعني "يهوه الخلاص"، فإن عبور التابوت يشير إليه ككلمة الله، إذ يحمل داخله لوحي الشريعة، وعبور الكهنة يشير إليه كرئيس كهنة أعظم، وكأننا في مياه المعمودية نلتقي بيسوعنا المخلص، كلمة الله واهب الحياة، رئيس الكهنة الذي يشفع فينا لدى الآب خلال دمه الكريم. فيها نثبت في جسده المقدس لننال خلاصنا وننعم بحياته فينا، وتصير لنا دالة لدى الآب خلاله! |
|