|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قصة رجلين مسلمين ورجل مسيحي: أحمد باشا: عُين الضابط العثماني أحمد باشا حاكماً على دمشق قبل اشهر من المذبحة. لكنه قدم استقالته في خلاف مع السلطنة قبل أيام منها وكان الحاكم البديل في الطريق إلى دمشق حين حصلت المجزرة. كثرت الأقاويل حول دور الحاكم والسلطنة في المذبحة. وكان هناك اعتقاد كبير بأن الحاكم كان يكن العداء الشديد للدمشقيين المسلمين الذين قتلوا عمه سليم باشا قبل 30 سنة وكان ينتظر اللحظة المناسبة للإنتقام من المدينة. أما المسيحيون فاعتقدوا بأنه كان يكن عداء خاصاً لهم بسبب ممارساته وتصريحاته ضدهم، وهذا بشهادة عدد من النبلاء المسيحيين الذين تعاملوا معه في عدة مناسبات. مهما كانت الدوافع وراء القرارات التي اتخذها أحمد باشا فهي إن لم تدل على حقد دفين كانت بلا شك تدل على شخصية ضعيفة وجبانة وعلى سوء إدارة. بدأ أحمد باشا بعد وصوله بتجنيد حثالة المجتمع وإعطائهم السلاح وتعيينهم كشرطيين أوحراس. وحين طلب منه قناصل الدول أن يحمي المسيحيين من الإعتداءات أرسل أسوأ رجاله من الذين عاثوا فساداً في حرب الجبل. وبدلاً من أن تردع هذه التعيينات أصحاب السوء كانت تشجعهم. على الرغم أن مسيحيي دمشق لم يقوموا بأي عمل عسكري على الإطلاق وأنهم لا يشكلون أكثر من 20% من سكان المدينة فإنه قام بوضع المدافع عند مداخل الجوامع للإيحاء للمسلمين بأن المسيحيين يحضرون لهجوم وشيك. وحين حاصر الدروز المدينة وشكلوا تهديداً خطيراً للسلم فيها لم يضع أي حراسة على أبوابها. أعطت هذه الإجراءات الإنطباع بأنه يحضر لشيئ ما. ثم حاول إشعال غضب الجموع عندما عرض هؤلاء الأولاد في السوق وهم مهانين. لكن الأبشع من كل ذلك أنه حين بدأت الفتنة لم يفعل شيئاً على الإطلاق ليوقفها. فهم لم يظهر أي انزعاج ولم يأمر جنوده بالتدخل لوقفها ولم يطلب معونة أي فرقة من خارج المدينة. وعلى العكس، فقد منع الأمير عبد القادر من التعرض للمهاجمين. لم يكن أمام فؤاد باشا إلا أن يحكم عليه بالإعدام رمياً بالرصاص. الأمير عبد القادر الجزائري: كان المناضل الجزائري المنفي إلى دمشق لنضاله المشرف ضد الإحتلال الفرنسي للجزائر رجلاً يحمل مثلاً عليا. كان أقوى مدافعاً عن قيم الإسلام المثلى ولم يرضه ما كان يحرض عليه بعض الشيوخ المسلمون المتعصبون. كان من المعارضين الأشداء للفكر الوهابي التكفيري ومن مناصري الحداثة والإنفتاح. بذل الأمير المستحيل لمنع هذه المجازر بمحاولاته المتكررة مع المسؤولين السياسيين والدينيين للتدخل أو حتى إصدار فتوى تحرم هذا القتل. لكن كل محاولاته باءت بالفشل. ورغم ذلك، لم يمنعه هذا من القيام بواجبه الإنساني، حيث عمل ليل نهار مع رجاله الأشداء على إنقاذ ما أمكن من المسيحيين. ويقدر عدد الذين أنقذهم هو ورجاله حوالي 11,000 شخص حسب تقديرات القنصل الفرنسي. وفي اليوم الثالث حين حاصر المهاجمون بيته وطالبوه بتسليم الذين لجؤوا إليه، وقف أمامهم وقال لهم أنه لن يسمح لهم بالمرور إلا فوق جثته وتجهز مع رجاله لقتالهم. فما كان أمام المهاجمين إلا التراجع. وبعد انتهاء الأزمة تكفل مع رجاله بمرافقة كل الذين اختاروا الذهاب إلى بيروت وإيصالهم بالسلامة، رغم مخاطر الطريق الذي يمر وسط أراضي دروز الجبل. بعد إنتهاء الأزمة، انهالت على الأمير رسائل الشكر والهدايا لموقفه المشرف وأعماله البطولية. وكان من أهمها رسائل شكر خاصة من ملكة بريطانيا فكتوريا ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية إبراهام لنكولن. لكن أهم تقدير له جاء من عدوته اللدود فرنسا التي نفته إلى دمشق، فقد منحته أعلى وسام للشرف في الإمبراطورية (وسام الصليب العظيم للشرف) واعتبرته صديقاً للعالم المسيحي. القديس يوسف مهنا الحداد: وُلِد القديس يوسف مهنا الحداد في بيروت 1793 وتعمق في اللاهوت حتى أصبح كاهن الكنيسة المريمية الأورثوذوكسية في عام 1817، وبطلب من رعية دمشق لما رأوا فيه من ذكاء وفطنة وعلم وهو في سن الشباب. كان الأب يوسف معروفاً بأعماله الخيرية وخدماته للبؤساء وإعانته للمرضى. ولمّا تفشّى الهواء الأصفر في دمشق سنة 1848، أظهر غيرة كبيرة في خدمة المرضى، غير مبال بإمكان التقاط المرض. وكان أحد أولاده قد مات من المرض. وكان يُعرف عنه أنه فقير. فقد كان يخدم الكنيسة بدون مقابل وكل مصروفه كان يأتي من أولاده ومن شغل أيديهم. من منجزاته إحياء المدرسة البطريركية التي ذاع صيتها حينئذ. كان عالم باللغتين العربية واليونانية وقام بترجمة الكثير من الكتابات بين اللغتين. كان حكيماً وصاحب حجة وكان يقارع أكثر العلماء فقهاً بجدالاته معهم. حين هجم المسلمون المتعصبون على الكنيسة المريمية وأحرقوها، ذهب متستراً بعباءة في أزقة الحي ليقدم للجرحى القربان المقدس متمماً واجباتهم الدينية إلى أن وصل إلى مكان يسمى (مأذنة الشحم) يبعد بضعة مئات من الأمتار عن الكنيسة. رآه مجموعة من الأشرار فعرفه أحدهم وصرخ برفاقه أنه “إمام النصارى”. فأمسكوه وبدأوا في تعذيبه أمام زوجة ابنه التي كانت ترافقه، طالبين منه أن يعلن إسلامه. وبدأوا يقطعون أصابعه واحدة تلو الأخرى وفي كل مرة يطلبون منه أن يؤسلم وهو يرفض. ثم قاموا بجدع أنفه وتشويه جسده وأخيراً ربطوه في قدميه وأخذوا يجرون جثته في أزقة وحارات دمشق. في 8 تشرين الأول 1993، قام المجمع الإنطاكي المقدّس للروم الأورثوذوكس بإعلان قداسته. فأصبح يعرف بالقديس الشهيد يوسف الدمشقي. ويُحتفل في عيده في العاشر من تموز في كل عام وهو يوم استشهاده. |
|