![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() لا تَفترْ هِمَّتُكُم في عَمَلِ الخير ﴿أَمَا كانَ فيهم مَن يرجِعُ وَيُمجِّدُ الله، سِوَى هَذا الغَريب؟﴾ (لوقا 18:11). لَم تَكُن العَلاقَةُ طَيّبَةً بينَ اليهودِ وَالسَّامِريّين، وَلم تَكُن الجَمَاعَتانِ عَلى وِفَاق. بَل كَانَ بَينَهُما كَثيرٌ مِن الخِلافاتِ وَالجِدَالات! وَقَد أَشَارَ الْمسيحُ إلى ذلِكَ لَمّا التَقَى بالْمَرأةِ السَّامريّة، عِندَ بِئرِ يَعقوبَ في نَابلس، في الفَصلِ الرّابِعِ مِن إنجيلِ البَشيرِ يُوحنّا! (1:4-42). وَمَع ذلِك، وَبالرّغمِ مِن أنّهُ يَهوديٌّ، إلّا أنَّ الْمَسيح لَم يَنحَز إلى طَرَفٍ ضَدَّ الآخر، وَلم يُفضِّل أَبناءَ جِلدَتِه مِن اليهود، مُعَادِيًا السّامِريّين. بَل صَنَعَ الخيرَ وَحقّقَ الخلاصَ لِكِلا الجَماعَتين، فَقَد أَتَى لِيَهدمَ الحَواجِز، لا لِيبنيَ السَّواتِر! وَتَعبيرًا عَن عَدَمِ انحيازِهِ، لَمَّا ضَربَ مَثَلًا في الرّحمة، جَعلَ مِنَ السَّامريِّ بَطَلًا لَهُ! (لوقا 30:10-37). ذِلِكَ أنَّ الخيرَ بِصورَةٍ عَامَّة، هوَ بِذرَةٌ مَوجودَةٌ في الجَميع، والجميعُ قَادِرٌ على صُنِعِ الخَير، ولكن لَيسَ الجميعُ يختارونَ صُنعَهُ، أَو قَد يُميّزونَ في أُسلوبِ وَطريقَةِ صُنْعِه، فَيُحابونَ طَرَفًا وَيُهَمِّشونَ الآخر. وَهذا بالْمُناسَبَة، شَكلٌ مِن أَشْكالِ التَّطرُّفِ الفِكري. فَكثيرونَ همُ الّذينَ يَعتَقِدونَ أنّهم بِمُجرّدِ انْتِمَائِهم لِمَجموعةٍ أَو رَابِطَةٍ مُعيّنة، أَو كَنيسَةٍ مُعيّنة، أَو أَيديولُوجيّة مُعيّنة، أَو عَشيرةٍ مُعيّنة، فَهم تِلقائيًّا أَفضلُ النَّاسِ، وأرفَعُ مِن غيرِهم مِن النّاس! السَّموُّ والرِّفعَةُ، يا أَحِبَّة، لا تُقاسُ بِالانتِمَاءِ العَشائِريّ والحزبيِّ والفِكريِّ، وَلا حَتّى بالانتِماءِ الدّينيّ، بَل في مُستَواكَ الأخلاقي والأدبي والإنساني. وَمن يعتقِد خلافَ ذلك، فَلْيَذكُر قولَ الْمسيح: ﴿إذْ تَرونَ إبراهيمَ وإسحقَ ويَعقوب وجميعَ الأنبياءِ في مَلكوتِ الله، وَتَرونَ أنفُسَكُم في خارِجِهِ مَطرودين﴾ (لوقا 28:13). فَلَيسَ لِمُجَرَّد أَنّكَ مَسيحي، يَعني أَنَّكَ ذو فَضلٍ وَشَأنٍ أَسمَى مِن غَيرِك. فَهؤلاءِ التِّسعَة الّذينَ شَفاهُم الْمَسيح، لَم يُثمِر فيهم عَمَلُ الخير، وَرُبَّما كَانوا يَهودًا. بَل أثمرَ في السّامِري، الّذي يُفتَرَضُ أَنَّهُ عَدُوٌّ، أَو مِن خَارجِ الْفَصيل! يا صَديقي، مَسيحيَّتُكَ إنْ لَم تَجعَلْ مِنكَ إنسانًا أَفضَل، فَلا تَتَبَجَّح وَلا تَتباهى بها، لأنّك خَذَلتَها وخَزيتَها، وَقَدْ تُمسي غَدًا سَبَبَ إِدانتِكَ أَمَامَ عَرشِ الدَّيانِ العَادِل. أَليسَ قُبحُ الْمُستَعمِرِ الإنجليزي، هوَ مَا دَفَعَ الْمَهَاتما غَاندي لِلقول: "أَعطوني مَسيحَكُم، وَخُذوا مَسِيحيَّتَكُم". دَعونا نُفَكّر: مَا الّذي يُميّزُنا كَمَسيحيّين، وَنَحنُ نَعيشُ في مُجتَمَعَاتٍ غَالِبِيَّتُها مِن غَيرِ الْمَسيحيّين؟ وُجودُكَ كَمَسيحي، الآن وَهُنا، هوَ اِختِبار، فيهِ يَجبُ أَنْ تَتَفَوَّقَ بالخُلُقِ الحَسَن، والسَّيرةِ العَذبَة، والسُّمعَةِ العَطِرة. وجودُكَ كَمَسيحي في الْمجتَمع، هو فرصَةٌ لإظهَارِ تَميُّزِكَ الإنسَاني، والتِزامِكَ الْمِهَني، ونَزَاهَتِكَ وَاسْتِقَامَتِكَ وَصِدْقِكَ! وُجودُكَ كَمَسيحي في خِضَمِّ مُجتَمَعاتٍ قَدْ يُسيءُ البَعضُ فيهَا إِلَينَا، بِكَلِمَاتٍ وَنَظَراتٍ وَتَصرُّفات، تَنُمُّ عِن حِقْدٍ وَجَهلٍ ورُعونَة، هوَ أفضلُ وَقتٍ لِكَي تَضربَ أَروعَ الأمثِلَةِ في قُوّةِ الصَّفحِ والغُفران، وَشَجَاعَةِ العَفوِ والْمُسَامَحَة. وُجُودُكَ كَمَسيحي هو اخْتِبَارٌ لِفَضيلَتِكَ، للرّوحِ القُدُسِ الّذي يُفتَرَضٌ أنّه يسكُنُ فيك! لا يُعقَل كَمَسيحي أن تَفشَل في هذا الاختِبار، وَلَديكَ مِن الْمُقوّماتِ ما يُؤهِّلُكَ لأن تَتَفَوَّقَ وَتَتَميَّز، عَلى مِثالِ الْمَسيحِ نَفسِه! نَحنُ في الأرضِ غُرَبَاء، لأنَّنَا أَبناءُ الوَطَنِ السّماوي، وَنُدرِكُ أنَّ هَذهِ الْمَعمورَة هيَ دَارُ فَنَاءٍ لا دَارُ بَقاء. وَمَع ذَلِك، دعوَتُنا أن نَعيشَ في العَالم، مُكَرَّسينَ بالحِق، لِنَكونَ: ﴿بِلا لَومٍ ولا شَائِبَةٍ، وأبناءَ الله بِلا عَيبٍ، في جيلٍ ضَالٍّ فَاسِدٍ، نُضيءَ فيهِ ضياءَ النّيراتِ في الكَون﴾ كَمَا يقول بولس الرّسول في رسالتِه إلى أهل فيلبي (15:2). فَنحنُ نورُ العالمِ وَمِلحُ الأرضِ: ﴿فإذا فَسَدَ الْمِلحُ، فأيُّ شَيءٍ يُملِّحُه؟﴾ (متّى 13:5). ﴿أَلَيسَ العَشَرَةُ قَد بَرِئوا؟ فأينَ التّسعَة؟ أَما كانَ فيهم مضن يرجِع وَيُمجّد الله، سِوى هذا الغريب؟﴾. إنَّ في القَلبِ عَتَبٌ كَبير عَلى كَثيرين، صَنَعنا لَهُم الخيرَ يومًا، ولَم نَرى مِنهم سِوى نُكرانِ الجَميل، ولَم نَسمع سِوَى قَبيحِ الكلام! الأمرُ الّذي ربّما جَعَلَنا نَتَسَاءَل في جَدوَى الخَيرِ الّذي نصنَع! أَليسَ هذا مَا حَدثَ مع الْمَسيحِ في إنجيلِ هَذا الأحد؟! صَنَع الخير لِعشرة، وأبرأَ العَشرة، وَلم يَعتَرف بِالفَضلِ سِوَى واحدٌ مِنْ عَشرَة؟! لَقَد استَاءَ الْمَسيح مِن هذا التَّصرّف، وَمَع ذَلك، لَو أنَّ الْمَسيحَ قَد قَاسَ صُنعَهُ لِلخَير، بِمَدَى اسْتِحقَاقِ النّاسِ لِلخَير، لَمَا صَنع كَثيرًا مِن الخيرِ الّذي صَنَع، لأنَّ مُعظَمَهم لا يَستَحقّون، بَل أَكَلوا ثُمَّ نَكروا! أَطْعَمَهم حَتَّى أَشبَعَهم، شَفاهُم وَأبْرَأَهم، عَلَّمَهم واعتَنى بهم وَقادَهُم. وَمع ذلك انْقَلَبوا عَليه كثيرًا وخانوه كَثيرًا. وَلكن، لِمَاذا يَذهبُ الصّالِح في عُرْوَةِ الطّالح؟ فَإذا كانَ اللهُ الصّالحُ وواهِب العَطايا: ﴿يُطلِعُ شَمسَهُ عَلَى الأشرارِ والأخيار، وَيُنزِلُ الْمطَرَ على الأبرارِ والفُجّار﴾ (متّى 45:5)، مِن غير تَمييزٍ بَينَ مَن يؤمنون وَمَن لا يُؤمِنوا، وَجَبَ عَلَينا نحنُ أيضًا، تَشبُّهًا بالله أبينا، أنْ نَصنَعَ الخير، حتّى لِلّذينَ لا يستَحقّونَه! فَإذا كَانَ الإنكارُ طَبيعَةً في البَعض، فَالخَيرُ يَجبُ أَن يَكونَ طَبيعَةً فِينَا، وإلّا مَا الّذي يجعلُنا مُخْتَلِفينَ عَنهُم؟! إنَّ مُقاوَمَةَ الحقِّ الواضِح هو تَجديفٌ ضدَّ روحِ الله الحق، وإنكارَ الخيرِ الواضِح هوَ عَمَلٌ شَيْطَانيٌّ بامتياز. وَالّذي يُلْقي حَجَرًا في بِئرٍ شَرِبَ مِنه، أَو يَعضُضُ يَدًا مُدَّتْ إِليهِ يَومًا، فإنَّهُ يأتي عَمَلًا لا إنساني وغير عَاقِل! فَلا نَعتَب إذا ما أَنكَرَ النّاس. فَإِذَا صَنَعوا هَكَذا بالْمُعَلِّم، فَمَاذا يكونُ حَالُ التّلميذ؟! اِصنع الخيرَ ولا تَهتم، لأنَّ الخيرَ الّذي تَراه، كَثيرونَ غيرُك أَيضًا يَرونَه، ولكنَّ قِلّةً هُم الّذينَ يُبادِرونَ لِصُنعِهِ وَتحقيقِه! وَلكِي تَكونَ مُستَعِدًّا للأسوءِ أيضًا، تَذكّر أنَّ الْمسيحَ لَمّا خلَّصَهم وَحَرَّرَهم مِن قَبْضَةِ الشّرير، اتَّهموُهُ زُورًا وَبِكُلِّ وَقاحةٍ وَدَنَاءَة، بِأنَّهُ بَعلُ زَبول سَيّدُ الشّياطين (راجع لوقا 14:11-15). فَتَوقَّع إذا صَنعَتَ الخيرَ الَّذي أَحجمَ أَغلبُهم عن صُنْعِهِ، أن يطالَكُ شيءٌ، كَأَنْ تُتَّهَمَ بِأنّكَ صَاحِبُ أَجِندَاتٍ خَفِيّة وَأَطماعٍ سِرّيّة! لِذلك ضَع الْمسيحَ دَومًا نُصبَ عَينِك، حتّى تَكتسِبَ مِنْعَةً بِها: ﴿نُخمِدُ جَميعَ سِهامِ الشّريرِ الْمُشتَعِلة﴾ (أفسس 16:6). يَقول الأديب الُّلغوي ابن قُتَيبة: "اِفْعَل الخيرَ وَليَقَعْ حَيثُ يَقَع. فَإنْ وَقَعَ في أَهلِهِ فَهُم أَهلُهُ، وَإنْ وَقَعَ في غَيرِ أَهلِهِ فَأَنتَ أَهلُهُ". لِذلك يا أحبّة، تَذَكّروا قولَ بُولس، يقول: ﴿لا تَفترْ هِمَّتُكُم في عَمَلِ الخير﴾ (2 تسالونيقي 13:3). و: ﴿لْنَعمَلِ الخيرَ وَلا نَمِل﴾ (غلاطية 9:6) |
![]() |
|