|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أَعْطِني ربّ أن أراكَ ﴿جَاءَ زكّا يحاولُ أَنْ يَرى مَن هوَ يَسوع﴾. والرّؤيةُ يَا أَحِبَّة أَنْواع! فَهُناكَ مَن تَراهُ ثُمَّ تَمْضِي، دُونَ أَنْ يَترُكَ فيك أَثَرًا. فَنَحنُ يَوميًّا نَرى عَشراتِ النّاس، ثُمَّ نَمْضي في طَريقِنا غيرَ مُكتَرِثين، إذْ لا عَلاقَةَ تَجمَعُنَا بهم. وَهذا هوَ الْمُستَوى الحِسِّي مِنَ الرّؤية. أَمَّا النَّوعُ الآخرُ مِن الرّؤية فَهوَ الأعمَق! وَينقَسِمُ بِدَورِهِ إلى قِسمَينِ اِثْنَين: فَهُناكَ مَنْ تَراه، فَيَراهُ قلبُكَ فَتُحِبُّهُ، وَيَمنَحُكَ شُعورًا بالسّكينَةِ والسَّعَادة. وَهُناكَ مَن تَراهُ، فَيُلقي في نَفسِكَ القَلَقَ والاضْطِراب، وَقَد تَكرَهُهُ وَتُبغِضُهُ، وَتَجِدُهُ ثَقيلًا عَلَى نَفسِك! فَالرّؤيةُ بَابٌ يُدْخِلُنا إلى رُدْهَاتِ النَّفْسِ الدَّاخِليَّة، وَمَا تحمِلُهُ مِن مَشَاعِرَ تَختَلِفُ بِاختِلافِ مَن نَرَاه. دَعونا نَسْتَذكِرُ مَعًا مَثلَ السّامريِّ الرّحيم، في الفَصلِ العَاشِرِ مِن بِشارةِ الإنجيليِّ لوقا. فَفي الْمَثَلِ ثَلاثَةُ أَشْخاصٍ، اِختَلَفَتْ رؤيتُهُم للرّجُلِ الضَّحيّة. اِثنانِ مِنهُم اتَّفَقا في رُؤيتِهِ مُصابًا، ثُمَّ تَرَكَاهُ دونَ فِعْلِ شَيءٍ لإنْقَاذِه. والثّالِثُ سَامِريٌّ رَآهُ بِعينِ الشَّفَقَةِ والرّحمة، فَأَسْعَفَهُ وأنْقَذَهُ وَأَنْفَقَ عَلَى عِلاجِه. أعتَقِدُ أنَّ عالَمَنا اليوم يَفتَقِرُ إلى عَينيِّ السَّامريِّ الرّحيم، يفتَقِرُ إلى القُدرَةِ عَلَى رُؤيةِ الآخرين، بِأَعيُنِ الرّأفَةِ والرّحمة. فالأعينُ الحاقِدَةُ تَفوقُ كثيرًا عَدَدَ الأعينِ الرَّحيمَة! وَهَذا ما يُوصِلُنا إلى حَدَثِ اليوم! فَفي الوقتِ الّذي لَم يَرى فيهِ النَّاسُ الْمُزدَحِمونَ حَولَ يَسوع، في زَكّا سِوَى عَشَّارٍ خَاطِئ، رَأى فيهِ يَسوع اِبْنًا لإبراهيم، هَالِكًا ضَالًّا، يحتاجُ إلى الخَلاصِ والرَّحمَة! يحتاجُ إلى مَنْ يَبْحَثُ عَنهُ وَيَفْتَقِدُهُ، وَيَدعوهُ قائِلًا: ﴿يَا زَكَّا، اِنزِلْ عَلى عَجَلٍ، فَيَجِبُ عَلَيَّ أَنْ أُقيمَ اليومَ في بَيتِكَ﴾ (لوقا 5:19). وَفي الوَقتِ الّذي اِسْتَضافَ فيهِ زَكّا يَسوعَ مَسْرورًا، تَذمّرَ النّاسُ عَلى يَسوع وَحَكَموا عَليهِ، لِأنَّهُ: ﴿دَخَلَ مَنزِلَ رَجُلٍ خاطِئٍ، لِيَبيتَ عِندَهُ!﴾ (لوقا 7:19). وفي الوَقتِ الّذي لَم تَقُدْ رؤيةُ النّاسِ القَاسيةِ والْمُنْتَقِدَة بِشِدَّة، زَكّا إلى الارتِداد، قَادَت نَظْرَةُ يسوعَ وَرُؤيتُهُ الرَّحيمَة، زَكّا إلى التَّوبَةِ والتَّعويضِ الْمُضَاعَفِ عَنْ كُلِّ الْمَظَالِم الّتي ارتَكَبَها بِحقِّ النَّاس، وَقُبولِه الخلاص. وَهذا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُسْلوبَنَا القَاسي في التَّعامُلِ مَع بَعضِ النّاس، الّذين نَنظُرُ إليهِم عَلَى أنّهم زَكّا، وَالقَائِم عَلى الْمُغَالاةِ والإفراطِ في الُحكمِ والانْتِقَادِ والنَّميمَة، هو أسلوبٌ فَاشِلٌ وَخَائِب، لَنْ يَقودَ أَبدًا أَيًّ مِنهُم، لإعلانِ التَّوبةِ والنَّدَامَة! إذْ لا توبَةَ حيثُ لا رحمة وَمحبَّة. لِنُبَدِّل رُؤيَتَنا بَعْضُنا لِبَعض، قبلَ أن نَطلُبَ بَعضُنا مِن بَعضٍ، تَبديلَ مَا بِأَنْفُسِنَا! نَحتاجُ إلى تَغييرِ نَظْرَتِنا إلى بَعضِ الأشْخَاص، مِنْ نَظرةِ حُكمٍ وَاحْتِقَارٍ وَرَفضٍ وَازدِراء، إلى نَظرةِ رَأفَةٍ وَرَحمةٍ وَمَحبَّةٍ وَقُبول. وَلْنَذكُرْ أَنَّنَا في الصَّلاةِ الرَّبيّة، نُناجي اللهَ مُلتَمِسينَ الْمَغفِرَة لأنْفُسِنا، كَمَا نحنُ نَغفِرُ لِمَن خَطِئَ إلينا، وَهوَ العَهدُ الّذي نَنْكُثُهُ غالِبًا! إنَّ الجموعَ الْمُزدَحِمةَ حَولَ يَسوع، لَم تَلعَب إِلَّا دورًا سلبيًّا في إنجيلِ هَذَا الأحَد! جماعَةُ اليومِ حَاوَلت، وَلَو بِشَكلٍ غيرِ مُباشِر، أنْ تمنَعَ يَسوع عَن رُؤيةِ زَكّا. ولكنّ زكّا لم يَيأس مِن وَضعِه الجَسَديّ الْمُتَمَثِّل في قِصَرِ قَامَتِه، ولَم يَخنَعْ أَمَامَ العَائِقِ الّذي خَلَقَتهُ الجموعُ الْمُزدَحِمَة! بَل عَمدَ إلى شَجرَةِ جُمَّيزٍ، وَفَّرَتها لَهُ الطّبيعَةُ، وَقَادَتُه إلى رُؤيَةِ الْمُخَلِّص، فَنَالَ الخلاص! في جماعَاتِنا الكّنَسيّة تَجِدُ دَومًا أُنَاسًا يَلْعَبونَ هذا الدَّورَ السّلبي! يَلْتَفّونَ حولَ الكاهِن، وكأنّهم يُريدونَ أن يَحولُوا بَينَهُ وَبَينَ البَعيدينَ عَن كَنيسةِ الْمسيح، لأنّهم خَطَأَة! وَمن قَالَ أنَّ الْمَسيحَ أَتى لأجلِ الأصحّاءِ والأبرارِ فَقط، وهوَ الّذي جَاءَ في الْمقامِ الأوّل، لِيدعُو الخَطَأةَ والْمَرضَى، مَن هُم بحاجةٍ مَاسَّةٍ إلى الطَّبيب! (راجع مرقُس 17:2). رسالَةُ الكَنيسَةِ وَرسالةُ الكَاهِن، تنْبَثقُ فَقط مِن رِسالَةِ الْمَسيح، ولَيسَ مِن هَوى النّاسِ وَرغباتِهم! لِذلكَ هوَ مُرسَلٌ لِلْجَميع: لِلْخَاطِئِ كَمَا لِلبَار، لِلجَاحِدِ كَما لِلمؤمِن، للعليلِ كَما للسَّليم، للدّنِسِ كَما للعَفيف! فَجَميلٌ جِدًّا أن نسنِدَ الكَنيسةَ والكاهِن، في رِسَالَتِهِ نحوَ هَؤلاءِ أيضًا، صَانعينَ كَمَا صَنعَ السَّامِريُّ، رَحمَةً وَرَأفَةً نحوَ الْمُصابينَ وَالْمُبتَلينَ بخطايا وَذُنوب! لا أن نَحكُمَ عَلى كَهَنَتِنَا إذا تَعامَلوا مع هَؤلاء، تَمامًا كَمَا حَكَمَت الجموعُ عَلى يَسوعَ، لِتعامُلِه مع زكّا الخاطِئ! لَو مَثَلَنْا كُلُّنا الآن أمامَ الْمسيحِ الدّيان، لَوَجَدَ لِكُلٍّ مِنّا عَشَراتِ الأمور، لِيُدينَنَا عَليها. لِذلِك يا صَديقي، لا تَقِسْ أَفَضلِيَّتَكَ وَتَقَواكَ بالنّسبةِ إلى غَيرِك، بَل بِقَدرِ مَا أَنتَ مِثلَ زَكّا مُزكَّى في نَظرِ الله! فَهل أَنت واثِقٌ مِن ذلِك؟! لَستُ أَدْري، وَلَكنّي أَنْصحُ فَأَقول: عَطفًا بَعضُنا على بَعض، وأَشْفِقوا وارحَموا، لِتُصيبوا رَحمةً وَرَأفَة، وتَنالوا الخلاصَ لا الهلاك! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مدينة مراكش |
مراكش |
أَعْطِني هُنَا، عَلى طَبَق، رَأْسَ يُوحَنَّا الـمَعْمَدَان |
مراكش |
مراكش - المغرب |