|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الله كلي القدرة والرحمة والعدل مَرَّةً وَاحِدَةً تَكَلَّمَ الرَّبُّ، وَهَاتَيْنِ الاِثْنَتَيْنِ سَمِعْتُ أَنَّ الْعِزَّةَ للهِ [11]. في استفاضة يتحدث القديس أغسطينوس عن هذه العبارة، مظهرًا الآتي: أ. "مرة واحدة تكلم الرب"، فما تكلم به الرب مع آدم تحدث به مع قايين ونوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى وكل الرسل. فالله غير متغير، وما ينطق به لا يتغير، إنما نحن نتغير. وكأن القديس أغسطينوس يؤكد أن الله ليس عنده محاباة، فإن خضعنا له في تواضع ننعم ببركاته، وإن عصيناه في تشامخ نسقط تحت الدينونة. الله محب البشر لا يتغير، لكننا نخضع أنفسنا تارة لمراحمه، ونسقط تحت فساد الخطية تارة أخرى. ب. الآب الذي تكلم مع أولئك، تكلم مع الابن الوحيد، قائلًا: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (مت 3: 17). هذا هو الابن الذي به كان كل شيء وبغيره لم يكن شيء مما كان (يو 1: 3). إنه الابن مخلص العالم، ويود أن يتمتع الكل بسرور الآب به. جاء إلينا لننعم بسرور الآب ورحمته! ج. يقول المرتل: "سمعت"، يشير إلى أنه ما يتكلم به ليس من عنده، إنما قد سمعه من ابن الله الوحيد الذي فيه كل كنوز الحكمة والمعرفة (كو 2: 3). د. الأمران اللذان سمعهما هما: إن العزة لله، وأنه رب الرحمة [11، 12]. * هذان الأمران عظيمان بالنسبة لنا: "أن العزة (السلطان) لله، ولك يا رب الرحمة". هل هذا هما الأمران: السلطان والرحمة؟ إنهما الأمران كما هو واضح: لتدركوا سلطان الله، ولتدركوا رحمة الله! ففي هذين الأمرين يحتوي تقريبًا كل الأسفار المقدسة. من أجل هذين الأمرين جاء الأنبياء، وبسببهما جاء الآباء، وبسببهما الناموس، وبسببهما جاء ربنا يسوع المسيح، وبسببهما جاء الرسل، وكل الذين يكرزون وينشرون كلمة الله في الكنيسة... لتخافوا سلطان الله، ولتحبوا محبته. لا تعتمدوا على رحمة الله هكذا بأن تستخفوا بسلطانه، ولا تخافوا سلطانه هكذا بأن تيأسوا من رحمته. معه السلطان، ومعه الرحمة! القديس أغسطينوس ما هما الأمران اللذان يخصان الله؟ الأمر الأول هو قدرة الله الكلية، فهو إله المستحيلات. لا يمكن أن نستبدله بآخر، إذ هو السند الحقيقي القادر على الخلاص. يرى الأب أنثيموس الأورشليمي أن القول الواحد هو أن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد، وهو يحتوي على أمرين، هما عذاب الأشرار ومكافأة الصديقين. وَلَكَ يَا رَبُّ الرَّحْمَةُ، لأَنَّكَ أَنْتَ تُجَازِي الإِنْسَانَ كَعَمَلِهِ [12]. هذا هو الحديث الثاني عن الله فمع قدرته الكلية، رحمته أيضًا فائقة وبلا حدود. وخلال هذه الرحمة يحقق أيضًا العدل الفائق. هذان الأمران يتفقان معًا، ويتلاثما على الصليب. بصليبه يحمل خطايانا، فيحقق العدالة الإلهية، ويقدمنا بحبه ورحمته حاملين برَّه قدام الآب. * "هذا يضعه وهذا يرفعه" (مز 75: 7)؛ يضع هذا بالسلطان، ويرفع ذاك بالرحمة. "إن كان الله، وهو يريد أن يظهر غضبه، ويُبيَّن قوته، احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك" (رو 9: 22). لقد سمعتم عن السلطان، اسألوا عن الرحمة، إذ يقول: "ولكي يبين غنى مجده على آنية رحمة" (رو 9: 23). إدانة الظالمين تنتسب لسلطانه... الشيطان هو نوع من السلطان، كثيرًا ما يريد أن يؤذي، لكنه يعجز، لأن هذا السلطان هو تحت سلطان. فلو كان الشيطان قادرًا أن يؤذي قدر ما يريد، لما بقي إنسان بار واحد، ولما وُجد مؤمن واحد على الأرض. نفس الأمر بالنسبة لآنيته التي يضربها (الشيطان) لتكون كحائط يُنقض، لكنه يضرب قدر ما ينال من سلطان. ولكي لا تسقط الحائط يعينهم الرب، فإن ذاك الذي يعطي للمجرِّب سلطانًا هو نفسه يهب المُجرَّب رحمة. فيُسمح للشيطان أن يُجرِّب، ولكن بقدرٍ معين. "سقيتهم الدموع بالكيل" (مز 80: 5). لا تخافوا إذن من المجرِّب الذي يُسمَح له في حدود، إذ لكم المخلص الكليّ الرحمة. فإنه يسمح بالتجربة بالقدر الذي فيه نفعكم، لكي ما تُمتحنوا وتتزكوا... يقول الرسول: "الله أمين، الذي لا يدعكم تُجربون فوق ما تستطيعون" (1 كو 10: 13)... لا تخافوا من العدو، فإنه إنما يعمل قدر ما ينال من سلطان، بل خافوا ذاك الذي له السلطان الأعظم... يا لعظم الصالحات التي يخرجها ذاك البار من الشرور التي يمارسها الظالمون. هذا هو سرّ الله العظيم! فإنه حتى الأمور الصالحة التي أنتم تفعلونها هو يعطيها لكم، ويستخدم شرور (الأشرار) لصالحكم. إذن لا تتعجبوا إن كان الله يسمح (بالتجارب)، وبتمييز يسمح. إنه يسمح، ولكن بقياسٍ معين، وعدد معين، ووزنٍ معين. معه لا يوجد ظلم؛ لتعملوا فقط ما يليق به، ولتتكلوا عليه، وليكن هو سندكم وخلاصكم. ليتكم تجدون فيه حصنًا، وبرج القوة وملجأ، فهو لا يسمح لكم أن تُجربوا فوق ما تحتملون، بل يجعل مع التجربة المنفذ، فيمكنكم أن تواجهوها! القديس أغسطينوس * ذهب أحد الأراخنة إلى الأب بالليديوس لزيارته، لأنه كان قد سمع عنه. وكان قد أخذ معه كتابةً مختزَلة خاطب فيها نفسه قائلًا: ”إنني سأعرِّف نفسي للأب ولكِ، وستلاحظين باهتمام ما سيقوله لي". ولما دخل الأرخن قال للشيخ: "صلِّ لأجلي أيها الأب، لأنّ عندي خطايا كثيرة." فقال الشيخ: "يسوع المسيح وحده هو الذي بلا خطية." فقال الأرخن: ”هل مفروض علينا، أيها الأب، أن نُعاقَب على كل خطية؟" فأجاب الشيخ: ”مكتوبٌ: "أنت تجازي كل واحدٍ حسب أعماله" (مز62: 12)". فقال الأرخن: "اِشرح لي هذا القول." فقال الشيخ: "إنه يشرح نفسه، ومع ذلك فاسمع تفسيره بالتفصيل: هل ضايقتَ جارك؟ انتظر أن تتلقّى المثيل. هل سلبتَ خيرات المتواضعين؟ هل ضربتَ مسكينًا؟ سيكون وجهك مغطّى بالخزي يوم الدينونة. هل أهنتَ أو افتريتَ أو كذبت؟ هل عزمتَ على الزواج بامرأة شخص آخر؟ هل أقسمتَ بيمين كاذبٍ؟ هل طرحتَ عنك منهج الآباء؟ هل أخذتَ ما يخص اليتامى؟ هل ظلمتَ الأرامل؟ هل فضّلتَ المسرات الحاضرة على الخيرات الموعودة؟ فانتظر أن تتلقّى ما يقابل كل ذلك، لأنّ الإنسان يحصد مثل البذار التي يزرعها. كما أنك بالتأكيد إذا فعلتَ خيرًا فانتظر أن تتلقّى بالمقابل أكثر منه كثيرًا حسب القول نفسه: "أنت تجازي كل واحدٍ حسب أعماله«. فإذا ذكّرت نفسك بذلك كل أيام حياتك يمكنك أن تتحاشى ارتكاب معظم الخطايا". ثم سأله الأرخن: "ما الذي ينبغي عمله أيها الأب؟" فقال الشيخ: "فكّر في الأمور الأبدية والخالدة الباقية التي لا يوجد فيها ليل ولا نوم. ضع أمامك الموت الذي لا يوجد بعده طعام ولا شراب الذي هو بسبب ضعفنا. ولن يكون هناك مرض ولا أوجاع ولا طبّ ولا محاكم ولا تجارة ولا غِنَى ولا علّة الشرور ولا مبرر للحروب ولا جذر الحقد. هذه ستكون أرض الأحياء لا للذين ماتوا في الخطية، بل للذين يعيشون حياة أبدية في المسيح يسوع". فتأوّه الأرخن وقال: "حقًا أيها الأب، إنّ الأمر هو تمامًا كما قلت." وإذ اقتنع جدًا رجع إلى مسكنه شاكرًا الله. فردوس الآباء من وحي مز 62 صخرتي وخلاصي وملجأي أنت! * تسبِّحك نفسي يا أيها المبدع القدير، بحبك خلقت هذا العالم الجميل، لأقطن فيه إلى حين. هب لي أن أثب إلى فوق بروحك القدوس. فلا أشتهي شيئًا من كل ملذات الحياة. ولا أنحدر لأدخل في صراع مع من استعبدهم العالم. لكنني أثب كما إلى السماء، وأستقر في أحضانك الإلهية، فأنت هو صخرتي، وخلاصي، وملجأي، ومجدي! * من يقدر أن يتسلل إليَّ وأنا في أحضانك. أية سهام نارية لإبليس يمكنها أن تلحق بي! تود قوات الظلمة أن تهدمني، فأصير كحائط نُقض تمامًا، أو كجدارٍ انهار وسقط! يتآمر الأشرار عليَّ ظلمًا ينطقون بالناعمات، وقلوبهم ذئبية قاتلة! بأفواههم ينطقون بالبركة، وقلوبهم ترشق اللعنات. لكن أنت هو متكلي، وبك وحدك أترجى! * ليبث العدو ظلمه عليَّ، فهذا من طبعه. لكن تبقى رحمتك سندًا لي. لن تسمح للعدو أن يهاجمني فوق طاقتي. إن كان يظن أنه صاحب سلطان، فسلطانك أعظم! * لن أخشى العدو مادمت في أحضانك! تهبني النصرة عليه بغنى نعمتك! تكللني بأكاليل المجد التي تعدها لمؤمنيك. تحول تجارب العدو لمجدي بك وفيك. لك العزة يا صاحب السلطان، ويا رب الرحمة! |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الملك وهو الله ومجده وعظمته أن يحب الحق والعدل |
مزمور 26 - طلب الخلاص والرحمة |
مزمور 19 - كونه شديد القدرة لا يُفقد أحد |
الله والرحمة |
لك ذراع القدرة، قوية يدك، مرتفعة يمينك. (مزمور 89 : 13) |