|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الراهبات يتّهمن فوستينا بالجنون والهلوسة وهي تحتمل التحقير والإهانات بصبر وشجاعة 121- هناك مجموعة نعم يغدقها الله على نفس بعد هذه التجارب المُحرقة، تفرح النفس باتحادها الحميم مع الله وتحظى برؤى عديدة جسدية وعقلية على السواء. تسمع كلمات فائقة الطبيعة، وأحياناً أوامر واضحة. رغم هذه النعم فلا تجد اكتفاءاً ذاتياً. وبالفعل قد يضاعف اكتفاؤها من جراء نِعَم الله، لأنّها أصبحت معرّضة لعديد من الأخطار وقد تقع فريسة الأوهام. عليها أن تطلب إلى الله مرشداً روحياً، لا واحداً فقط، بل أن تسعى أيضاً لتجد قائداً خبيراً في هذه الأمور، كقائد عسكري مضطّلع بالأساليب الحربية التي تقود [رفاقه] إلى المعركة. على النفس المتحدة بالله أن تكون على استعداد لمعارك قويّة وشرسة. بعد هذه التقنيات والدموع، يخصّ الله النفس بسكناه فيها ولكن النفس لا تتعاون دائماً مع تلك النعم. لا لأنّ النفس ترفض العمل بل لأنها تصادف صعوبات داخلية وخارجية جمّة تتطلّب حقاً أعجوبة لتتمكن من الثبات في القِمَم. فلا بدّ هنا من مرشد. لقد زرع الناس غالباً الشكّ في نفسي، وكنتُ أرتعد احياناً من أفكار تعتريني وهي أنني بالنتيجة شخص جاهل وغير مدرك لأمور عديدة، لا سيّما الأمور الروحية. لكن عندما يتفاقم الشكّ، أستنير برأي معرّفي أو رئيساتي. غير أنني لم أحصل بعد على ما أتوق إليه. 122- لمّا فتحتُ قلبي إلى رئيساتي فهمت إحداهن [ربما الأم مايكل أو الأم ماري جوزف] نفسي والطريق الذي خطّهُ لي الله. تقدّمت بسرعة نحو الكمال لمّا سمعت نصيحتها. ولكن لم يَدمْ ذلك طويلاً. ولمّا كشفت أكثر عن نفسي لم أحصل على ما أرغب به. لقد بدا لرئيستي أن هذه النِعم ليست أكيدة ولم يعد باستطاعتي أن أستفيد من نصائحها. قالت لي: إنه لمن المستحيل أن يتحدث الله إلى خلائقه بهذا الأسلوب: «أخاف عليك يا أختي، أليس ذلك نوع من الوهم، يجدر بك أن تذهبي وتطلبي نصيحة كاهن». ولكن المعرّف لم يفهمني وقال لي: «إنه من الأفضل، يا أختي، أن تتحدثي مع رئيساتك عن هذه المواضيع». وهكذا كنتُ أنتقل من الرئيسات إلى المعرّف ومن المعرّف إلى الرئيسات دون أن أجد طمأنينة. فأصبحت تلك النعم مصدر آلام. فقلت مرة مباشرةً للرب: «يا يسوع أنا خائفة منك، ألعلّك شبحاً ما؟» كان يسوع يشجّعني دائماً دون أن يزول شكّي. إنه لأمر غريب، كلما ازدادت شكوكي، كلّما ضاعف يسوع الأدلّة أنّ هذه الأمور هي متأتيّة منه. 123- لمّا رأيت أن رئيساتي لم يُطمئنَّ عقلي بشيء، قررت أن لا أحدثُهنّ بعد عن هذه الحالات الداخلية. حاولت ظاهراً، كما يجب على كل راهبة صالحة، أن أخبر رئيساتي بكل شيء، إنّما لم أتحدّث عن حاجات نفسي إلا في كرسي الاعتراف. وتعلّمت لأسباب عديدة، أن ليس للمرأة دعوة لتميّز مثل هذه الأسرار. واستسلمت إلى الكثير من العذابات غير الضرورية. وأعتُبِرتُ، لوقت طويل أن روحاً شريراً يتملّكني ونُظِر إليّ بشفقة. وأخذت الرئيسات تدابير احترازية نحوي، وكذلك الراهبات، مثلما بلغ آذاني من كلام. وتكثّف ضباب السماء حولي، وبدأتُ أتهرّب من تلك النِعم الإلهيّة ولكن لم أستطع إلى ذلك سبيلاً. وفجأة كانت تسيطر عليّ ذكرياتها، رغم إرادتي، فيضمّني الله إليه ويشتدّ ارتباطي به، ارتباطاً كاملاً. 124- يخالج نفسي شيء من الخوف أولاً ولكن تمتلئ فيما بعد بقوّة وسلام غريبين. 125- كلّ ذلك كان مُحتملاً إلى أن طلب مني الرب أن أرسم صورته فبدأ الحديث عنّي عَلناً وانطلقت الإشاعات حولي جهراً متّهمة إياي بجموح الخيال والهستيريا. أتت إحدى الراهبات فتحدّثت إليّ سرّاً بادئةً كلامها بالشفقة عليّ: «سمعت قولهنّ إنك مهووسة وإنك تتخيّلين رؤى، دافعي عن ذاتك يا أختي في هذا المجال». كانت نفس صادقة وردّدت لي بصدق ما سمعته. غير أنني كنت أسمع مثل هذه الأقاويل كل يوم والله يعلم كم كان ذلك مُتعِباً. 126- غير أنني عزمت أن أتحمّل كل شيء بصمت وأن لا أعطي أيّة إيضاحات عندما أسأل. وقد غضب بعضهنّ من صمتي، لا سيّما هؤلاء الفضوليّات بينهنّ. بينما قالت من هنّ أعمق تفكيراً: «لا بدّ أن تكون الأخت فوستينا قريبة من الله إذا كان باستطاعتها تحمّل مثل هذه الآلام». وكأني أواجه بذلك فريقين من القضاء. وكنت أجاهد لأحفظ الصمت داخليّاً وخارجيّاً. لم أتحدّث أبداً عن ذاتي رغم ما طرحته عليّ بعض الأخوات مباشرة من أسئلة. لقد كُمَّت شفتاي. تألّمت كيمامة دون تأفّف ولكن كانت بعض الأخوات تجدن لذّة في إغاظتي بشتّى الأساليب المستطاعة. كان صبري يغضبهن. لكن الله أعطاني قوّة داخلية لأتحمّل ذلك بهدوء. 127- تعلّمت أنه لا يمكنني أن أحصل على أيّة مساعدة من أحد في تلك الأوقات، بدأت أصلّي وأطلب إلى الله أن يعطيني معرِّفاً. كانت أمنيتي الوحيدة أن يقول لي بعض الكهنة كلمة واحدة: «اطمئني فأنت في الطريق القويم». أو «أنبذي كلّ ذلك فليس هو من الله». غير أنني لم أجد مثل هذا الكاهن المليء ثقة بنفسه ليعطيني رأياً قاطعاً باسم الرب. فلم يتوقَّف الغموض. يا يسوع إذا كانت إرادتك أن أعيش في مثل هذا الغموض فليكن اسمك مباركاً. أضرع إليك يا رب وجّهني انت بذاتك وكن معي لأنني بدونك لست بشيء. 128- إن الأحكام قد سقطت عليّ من كل الجهات. ولم يبقَ شيء فيّ لم يفلت من حكم الراهبات . ولكن يبدو الآن أنهنّ قد تعبنَ، فعمدنَ الى تركي بسلام. فوجدت نفسي المعذّبة بعض الراحة فتعلّمت أن الله كان أكثر قرباً منّي، في أوقات مثل هذه الاضطهادات. لم تدم هذه [الهدنة] إلا وقتاً قصيراً، فهبّت من جديد عاصفة صاخبة. وأصبحت شكوكهنّ القديمة كحقائق ثابتة بالنسبة لهنّ وكان عليّ مرّة أخرى أن أصغي إلى نفس الأغاني القديمة. هذا ما أراده الرب. ولكن يا للعجب! قد بدأتُ أختبر حتى خارجيّاً سقطات مختلفة مما تسبّب لي بشتّى أنواع الآلام يعرفها الله وحده. غير أنني حاولت جهدي أن أتمّم كل شيء بالنوايا الأكثر صفاء. كان يُنظر إلي من كل مكان كسارقة: في الكنيسة وفي غرفتي حيث كنت أقوم بواجباتي. لقد أدركت الآن أن هناك أيضاً، إضافة إلى حضور الله، حضور بشريّ حولي. وأؤكّد، أكثر من مرّة، أن هذا الحضور البشري أزعجني جداً. وكنت أتساءل في بعض الأحيان، عمّا إذا يجب أن أخلع ثيابي عني لأغتسل أم لا. وبالواقع فقد فُتّش تختي الحقير أكثر من مرّة. كنتُ أقابل السخرية لمّا علمت أنهنّ لن يتركنَ حتى تختي بأمان. قالت لي بذاتها إحدى الأخوات إنها اعتادت أن تراقب غرفتي كل مساء لترى كيف أتصرّف فيها. غير أن الرئيسات هنّ دائماً رئيسات رغم أنهنّ كنّ يحقّرنني شخصيّاً ويُلقين عليّ، في أكثر من مناسبة، كل أنواع الشكوك. كنّ دائماً يسمحنَ لي أن أتمّم ما يطلبه منّي الرب، لا بالطريقة التي ألتمسها، ولكن بطريقة أخرى. كنّ يُلبّين رغبة الرب ويسمحنَ لي بكل الإماتات والمشقّات [التي يطلبها مني]، ذات يوم أسقطت عليّ إحدى الأمّهات [ربما الأمّ جين] سكباً من غضبها وحقّرتني إلى حدّ جعلني أفكّر أن ليس باستطاعتي أن أتحمّله. قالت لي: «أنت مجنونة مصابة بالهستيريا تدّعي الرؤى، غادري هذه الغرفة. تبّاً لك أيتها الراهبة». وتابعت تُمطر على رأسي كل ما استطاعت أن تفكّر به من إهانات. لما ذهبتُ الى غرفتي استلقيت أمام الصليب ونظرت إلى يسوع ولكن لم أتمكّن أن ألفظ كلمة واحدة. غير أنني خبّأت كل شيء عن الآخرين وتظاهرت بأن لا شيء قد حدث بيننا. |
|