|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
السهر الدائم ومجيء المسيح الأحد الأول من المجيء: السهر الدائم ومجيء المسيح (متى 24: 37-44) النص الإنجيلي (متى 24: 37-44) 37 ((وكما كانَ الأَمرُ في أَيَّامِ نوح، فكذلكَ يكونُ عِندَ مَجيءِ ابنِ الإِنسان. 38 فكَما كانَ النَّاسُ، في الأَيَّام التي تَقَدَّمَتِ الطُّوفان، يَأكُلونَ ويَشرَبونَ ويَتزَّوجونَ ويُزَوِّجونَ بَناتِهِم، إلى يَومَ دخَلَ نوحٌ السَّفينَة، 39 وما كانوا يَتَوَقَّعونَ شَيئاً، حتَّى جاءَ الطُّوفانُ فجَرَفهم أَجمَعين، فكذلكَ يَكونُ مَجيءُ ابنِ الإِنسان: 40 يَكونُ عِندَئِذٍ رَجُلانِ في الحَقْل، فيُقبَضُ أَحَدُهما ويُترَكُ الآخَر. 41 وتكونُ امرأَتانِ تَطحَنانِ بِالرَّحَى فتُقبَضُ إِحداهما وتُترَكُ الأُخرى. 42 فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ أَيَّ يَومٍ يَأتي ربُّكم. 43 وتَعلَمونَ أَنَّه لو عَرَفَ رَبُّ البَيتِ أَيَّ ساعةٍ مِنَ اللَّيلِ يَأتي السَّارِق لَسَهِرَ ولم يَدَعْ بَيتَه يُنقَب. 44 لِذلِكَ كونوا أَنتُم أَيضاً مُستَعِدِّين، ففي السَّاعَةِ الَّتي لا تَتَوَقَّعونَها يأَتي ابنُ الإِنسان. المقدمة الأحد الأول من زمن المجيء هو مطلع السنة الليتورجية حيث يُذكّرنا أنّنا نعيش في الأزمنة الأخيرة؛ وهذه الأزمنة تبدأ مع مجيء المسيح الأوّل بتجسّده في عيد الميلاد، وتكتمل في عودته الأخيرة يوم الدينونة؛ وزمن المجيء مكوَّن على صعيد الليتورجيا من أربعة آحاد، تهدف هذه الآحاد إلى حثِّ المؤمنين للاستعداد لميلاد يسوع المسيح من ناحية، وإلى مجيئه الثاني في نهاية الأزمنة عند نهاية العالم، وقت اكتمال ونهاية التاريخ، ليدين الأحياء والأموات من ناحية أخرى. لذلك يدعونا يسوع في إنجيله اليوم إلى السهر الدائم للقائه يوم مجيئه الثاني لأنه يعود في يوم غير متوقع. وهذا الحديث عن مجيئه يشغل أذهان الكثيرين بكونه حديثًا نبويًا؛ المهم ليس هو معرفة الزمن، بل بالأحرى أن كونوا أَنتُم أَيضاً ساهرين ومُستَعِدِّين للقاء الرب في مجيئه لخلاصنا. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته. أولا: وقائع النص الإنجيلي (متى 24: 37-44) 37 كما كانَ الأَمرُ في أَيَّامِ نوح، فكذلكَ يكونُ عِندَ مَجيءِ ابنِ الإِنسان تشير عبارة "في أَيَّامِ نوح" إلى عصر نحو 3500 ق. م. أمَّا عبارة " نوح " في الأصل اليوناني Νῶε المشتقة من اسم سامي נחַ (معناه راحة) فتشير إلى ابن لامك ابن متوشالح بن اخنوخ بن يارد بن مهلليئل بن قينان ابن انوش بن شيث بن ادم. وهو العاشر من آدم. والده "وسمَّاه نُوحًا قائلاً: " هذا يُعَزِّينا في عَمَلِنا وفي مَشَقَّةِ أَيدينا بِسَبَبِ الأَرضِ الَّتي لَعَنَها الرَّبّ" (تكوين 5: 29). وكان نوح رجلاً باراً وكاملاً. وأعلن إيمانه المُطلق بالله وكرز به (2 بطرس 2: 5) للناس الذين كانوا في أيامه أشرارًا وغافلين عن حكم الله والدينونة. إذ أنَّ البشر كانوا قد فسدوا وخرجوا عن الطريق القويم واقترفوا الآثام وعملوا الشر حتى حزن الرب انه عمل الإنسان في الأرض وقرَّر أن يمحوه من العالم. ولكن الله استثنى نوحاً لأنه كان يجد نعمى في عيني الرب. فأخبره الله عن نيَّته بمحو البشر وأمره أن يصنع لنفسه فلكاً من خشب كملجأ لينجو بنفسه ومعه عائلته وبعض الحيوانات (التكوين 6)، وبارك الرب نوحاً وبنيه وقال لهم. "اِنْموا واَكْثُروا وأمْلأُوا الأَرضَ" (التكوين 1: 28). ويعني هذا أنَّ نوحاً هو الأب الثاني للبشر بعد آدم.ثم مات نوح عن عمر بلغ تسع مئة وخمسين سنة (تكوين 9: 29). أمَّا عبارة "مَجيءِ" في الأصل اليوناني παρουσία فتشير إلى المجيء الثاني المجيد (متى 24: 3 و27). ويعني هذا اللفظ الأخير عادة "حضور" (2 قورنتس 10: 10)، أو " مجيء " (2 قورنتس 7: 6-7). وكان يستخدم في العالم اليوناني-الروماني للدلالة على زيارات الأباطرة الرسميّة. وقد يكون استخدامه في العهد الجديد أيضا مستمدا من تقليد العهد القديم الرؤيوي عن " مجيء الرب " (زكريا 9: 9). ويعلق القدّيس ألريد دو ريلفو، راهب سِستِرسيانيّ " يُمثّل زمن المجيء هذا مجيئَيّ الربّ: المجيء الأول هو مجيء ابن الله الذي أظهر بوضوحٍ للعالمِ حضوره الجسدي الذي طال انتظاره ورغب فيه الكثيرُ من الآباء القدّيسين: المجيء الذي أتى خلاله إلى العالم ليخلّصَ الخاطئين. ويمثّل المجيء الثاني مجيء الرب على غَمامِ السَّماء في تَمامِ العِزَّةِ والجَلال" في يوم الدينونة، عندما يأتي "في مَجْدِه، تُواكِبُه جَميعُ الملائِكة" ليدين الأمم" (عظة عن زمن المجيء). دعونا لا نقاوم مجيئه الأول إذا كنّا لا نريد أن نخشى من المجيء الثاني. أمَّا عبارة "ابنِ الإِنسان" في الأصل اليوناني τοῦ ἀνθρώπου Υἱός المأخوذة من الترجمة العبرية בֶּן־הָאָדָם (معناها ابن آدم) فتشير إلى النبي حزقيال (حزقيال 2: 1)؛ وأمَّا سفر دانيال فتشير إلى شخص شبيه بالإنسان في المنظر (دانيال 7: 13). وهذا الشخص الشبيه ب "ابنِ الإِنسان " قد أعطي سلطاناً أبدياً وملكوتاً لا ينقرض. وتدل هذه العبارة على المسيح القائم من الأموات والممجّد (رؤيا 1: 13 و14: 14) وقد استعملت عبارة "ابن الإنسان" في السفر غير القانوني المنسوب إلى أخنوخ للدلالة على المسيا كما يأتي في يوم القضاء والانتصار. (46: 2 و3 و48: 2 و62: 7)، وتكرَّرت عبارة " ابنِ الإِنسان" في الأناجيل الأربعة 78 مرةً. يطلق يسوع المسيح هذا اللقب على نفسه في إنجيل مرقس بصفته رأس الجنس البشري وممثله (مرقس 2: 28). ولذا فإن العبارة تدل على الإنسانية الحقّة، وتدل في مواضع أخرى على أنه المسيح عندما يتنبأ بمجيئه الثاني وبمجده (متى 26: 64) ودينونته لجميع البشر (متى 19: 28)؛ ومما يستحق الملاحظة هو أن هذا التعبير "ابن الإنسان" لم يُستخدم كلقب عن المسيح بعد القيامة سوى مرة واحدة (إعمال الرسل 7: 56). 38 فكَما كانَ النَّاسُ، في الأَيَّام التي تَقَدَّمَتِ الطُّوفان، يَأكُلونَ ويَشرَبونَ ويَتزَّوجونَ ويُزَوِّجونَ بَناتِهِم، إلى يَومَ دخَلَ نوحٌ السَّفينَة، تشير عبارة "يَأكُلونَ ويَشرَبونَ ويَتزَّوجونَ ويُزَوِّجونَ بَناتِهِم" إلى الناس في أيام نوح الذين كانوا يعيشون كعادتهم غير متوقعين حدوث الطوفان، مع أنَّ نوحا حذَّرهم وصنع الفلك أيام عيونهم (1 بطرس 3: 19). لم يخطئوا بالأكل والشرب والزواج لكنَّهم كانوا منهمكين في هذه الأمور غير ملتفتين إلى الله وإلى إنذاراته الإلهية وغير مكثرتين، وهم على شفير الهلاك. إن الطعام والشراب والزواج ليسوا في حد ذاته شرًا، لكن القيام بهذه الأمور دون الالتفات إلى الله والآخرة يجعل منها أمورا خطيرة (متى 24، 39). يعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم " إذا لم نسهر إلاّ على مصالحنا الماديّة دون السهر على حياتنا الروحيّة، فإنّ الاهتمام المستمرّ بالأمور الدنيويّة سيقودنا إلى إهمال نفسنا"(تعاليم مسيحيّة عماديّة، 8 + 19-25). وفي هذا الصدد يقول الرسول "عاقِبَتهُمُ الهَلاك وإِلهُهم بَطنُهم ومَجدُهم عَورَتُهم وهَمُّهم أُمورُ الأَرْض (فيلبي 3: 19) " فإِنَّ أَمثالَ أُولئِكَ لا يَعمَلونَ لِلمسيحِ رَبِّنا، بل لِبُطونِهِم" (رومة 16: 18)؛ أمَّا عبارة "السَّفينَة" فتشير إلى سفينة نوح الذي جاء وصفها في الكتاب المقدس" اصْنَعْ لكَ سَفينَةً مِن خَشَبٍ قَطرانِيّ وآجعَلْها مَساكِنَ واطْلِها بِالقارِ مِن داخِلٍ ومِن خارِج. كذا تَصنَعُها: ثَلاثُ مِئَةِ ذِراعٍ طوُلها وخَمْسونَ ذِراعًا عَرضُها وثَلاثونَ ذِراعًا عُلُوُّها. وتَجعَلُ سَقْفًا لِلسَّفينة وإلى حَدِّ ذراعٍ تُكْمِلُه مِن فَوق. وأجعَلْ بابَ السًّفينةِ في جانِبِها وتَصنَعُها طوابِق: سُفلِيًّا وثانِيًا وثالثًا" (التكوين 6 :14-16). والسفينة هنا مأخوذة من اللفظة العبرية תֵּבַה تدل على السلّة التي وُضع فيها موسى على النيل (خروج 2 :3، 5) ويدل بناء الفلك على إيمان نوح " بِالإِيمانِ أُوحِيَت إِلى نُوحٍ أُمورٌ لم تَكُنْ وَقتَئِذٍ مَرْئِيَّة، فتَوَرَّعَ وبنَى سَفينَةً لِخَلاصِ أَهْلِ بَيته، حَكَمَ بِها على العالَم وصارَ وارِثًا لِلبِرِّ الحاصِلِ بِالإِيمان"(عبرانيين 11 :7)؛ وقد تمّ اكتشاف خشب يعود إلى زمن نوح على جبلأرارات، أعلى قمة جبلية (5165 م) بتركيا، ورد اسم الجبل في الكتاب المقدس (سفر طوبيا 1: 21). يبدو أن فرضيّة الخشب لا أساس علميًا لها إطلاقًا، إذ كيف يبقى الخشب على حاله بعد آلاف وآلاف السنين على منطقة يكسوها الثلج. 39 وما كانوا يَتَوَقَّعونَ شَيئاً، حتَّى جاءَ الطُّوفانُ فجَرَفهم أَجمَعين، فكذلكَ يَكونُ مَجيءُ ابنِ الإِنسان تشير عبارة "وما كانوا يَتَوَقَّعونَ شَيئاً" في الأصل اليوناني οὐκ ἔγνωσαν (معناها ما عرفوا) إلى عدم علمهم أي شيء حتى جاء الطوفان وباغتهم جميعًا، لأنهم أُنذروا ولم يؤمنوا كما نستّشَفَّ من كلمات بطرس الرسول "وإذا كانَ لَم يَعْفُ عنِ العالَمِ الـقَديم فجَلَبَ الطُّوفانَ على عالَمِ الكُفَّار، ولكنَّه حَفِظَ نُوحًا ثَامِنَ الَّذينَ نَجَوا وكانَ يَدْعو إلى البِرّ"(2 بطرس 2: 5). أمَّا عبارة "الطُّوفانُ " فتشير إلى نزول المطر على الأرض لمدة أربعين يوماً وليلة وغرق به كل من كان على الأرض من بشر وحيوان (التكوين 7). ووقف المطر بعد أربعين يوماً وليلة وابتدأت المياه تنحسر. وكما خبر الطوفان (تكوين 6 :1-9 :19) ا هلك الأشرار ونجا نوح وعائلته وهكذا ستأتي أحداث النهاية فيهلك الأشرار وينجو كل من يكون ثابتًا مؤمنًا كنوح. وفي الواقع، أنبا المسيح أنه يكون الناس في مجيئه الثاني كما كان الناس في أيام نوح. والجدير بالذكر أنَّ هناك أساطير عن الطوفان شبيهة بطوفان نوح موجود في تراث بعض الأمم. وأقدمها أسطورة طوفان عند البابليين، وهناك أساطير مشابهة لها عند اليونان والرومان. والقصة البابلية عن الطوفان جزء من ملحمة جلجامش. يقدّم لنا السيِّد المسيح مثالًا لمجيئه بالطوفان الذي أنقذ نوح وعائلته، وأهلك البشريّة الشرّيرة. أمَّا عبارة " فكذلكَ يَكونُ مَجيءُ ابنِ الإِنسان " إلى تحذير إلى مجيء المسيح بنفس المخطط الإلهي، إذّ سيعتمد على عنصر المفاجأة دون سابق علم من الإنسان ودون توقع هذا المجيء بحسب موعد إلهي مُحدَّد. 40 يَكونُ عِندَئِذٍ رَجُلانِ في الحَقْل، فيُقبَضُ أَحَدُهما ويُترَكُ الآخَر تشير عبارة "عِندَئِذٍ رَجُلانِ في الحَقْل" إلى عمل كلاهما في ذات الحقل ويعملان نفس الشيء. أمَّا عبارة "فيُقبَضُ أَحَدُهما ويُترَكُ الآخَر" فتشير إلى ترك أحدهما هناك في الحقل، لان العمل في الحقل هو كل شيء لديه ولم يكن ينتظر سوأه، وكأنَّ الحياة مقصورة على العمل في الحقل عكس الرجل الآخر الذي يقوم بنفس العمل ولكن يتنظر مجيء الرب. أمَّا عبارة " فيُقبَضُ " فتشير إلى خطف الإنسان حينما يقترب منه الموت مفاجأة مُعلنًا نهاية حياته الأرضيّة والانطلاق للحياة الأبديّة للقاء الرّبّ. أمَّا عبارة "ويُترَكُ الآخَر" فتشير إلى الرجل الذي لم يتم اختياره للقاء الرب في الحياة الأبدية. 41 وتكونُ امرأَتانِ تَطحَنانِ بِالرَّحَى فتُقبَضُ إِحداهما وتُترَكُ الأُخرى. تشير عبارة " تكونُ امرأَتانِ تَطحَنانِ " عمل كلتهما على نفس الرحى لكن أحدهما كان حياتها مقصورة على العمل، والعمل لها كل شيء، في حين الأخرى تعمل نفس العمل ولكنها تستعد من خلاله لمجيء الرب. أمَّا عبارة "الرَّحَى" إلى رحى البَد، وهي الآلة التي كانت مستعملة في فلسطين والبلاد المجاورة. ورحى البد مؤلف من حجرين مستديرين قطرهما نحو نصف ذراع فما فوق، وسُمْك كل منهما نحو 3 قراريط فأكثر. ويُسمَّى الحجر السفلي منها الرحى، والعلوي المِرْداةُ ويتوسط الرحى أو الحجر السفلي محور يدخل في ثقب مركز المِرْداةُ، وتُسكب الحبوب في هذا الثقب فتطحن ويخرج دقيقها من بين الحجرين عند محيط دائرتيهما. وتدار المِرْداةُ بواسطة مسكة من خشب مثبتة في وجهها العلوي بقرب محيطه. وحجر الرحى صلب جداً (أيوب 41: 24). وكان الطحن من عمل النساء (جامعة 12: 3) والجواري (خروج 11: 5)، والسجناء (قضاة 16: 21). ومع ذلك لم يكن من الأعمال المذلة للنساء. كانت المرأة في البيوت اليهودية تطحن كل صباح ما يكفي البيت يوماً واحداً إذا بكرت جداً على الأقل في الشتاء. وإذا أخذت الرحى تبقى العائلة دون طحين حتى تعاد، ولذا جاء في الشريعة " لا يَرتَهِنْ أَحَدٌ حَجَرَيَ الرَّحَى، حتَّى ولا الحَجَرَ الأَعْلى، فإِنَّه يَرتَهِنُ نَفْسًا" (تثنية الاشتراع 24: 6)، أمَّا عبارة " امرأَتانِ تَطحَنانِ " فتشير إلى "الذين يعيشون في فقر وتعب، فحتى هؤلاء يوجد بينهم اختلاف كبير. البعض منهم يحتملون الفقر بنضوج وقوة في حياة فاضلة، والآخر له شخصيّة مختلفة إذ يسلكون بدهاء في حياة شرّيرة دنيئة" (القديس كيرلس الكبير). أمَّا عبارة " فتُقبَضُ إِحداهما وتُترَكُ الأُخرى" فتشير إلى استخدام فعلين متناقضين (القبض) و(الترك) يُتبعا سواء على الرجل أم على المرأة للدلالة على شمولية هذه الخِطَّة الإلهية بين النساء والرجال، وتحذيرا إلى وجود الناس كلهم في خطر من الغفلة وبقاء الأشرار، والأبرار مخلَّصين إلى النهاية (لوقا 17: 34) حيث يؤخذون كلا منهم بغتة كما جاء في تعليم بولس الرسول "ثُمَّ إِنَّنا نَحنُ الأَحياءَ الباقين سنُخطَفُ معَهم في الغَمام، لِمُلاقاةِ المسيحِ في الجَوّ، فنَكونُ هكذا مع الرَّبِّ دائِمًا أَبَدًا" (1 تسالونيقي 4: 17). ويدل المثلان المذكران أعلاه (لوقا 24: 40-41) على مجيء المسيح الفجائي، ولن تكون هناك فرصة للإعادة التفكير، أو المساومة أو التوبة في آخر لحظة؛ فالاختيار الذي تمّ اختياره سيقرر مصيرنا الأبدي. 42 فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ أَيَّ يَومٍ يَأتي ربُّكم. تشير عبارة " اسهَروا " إلى العدول عن النوم ليلاً. وتكرَّرت هذه العبارة أربع مرات مما يدلُّ على التركيز على السهر، وهو المعنى العام لهذا النص الإنجيلي. وقد يكون السهر بقصد مواصلة العمل (حكمة 6: 15)، أو لتحاشي العدوّ المفاجئ (مزمور 127: 1-2). والسهر هنا هو دعوة يسوع إلى السهر والصلاة انتظارا لأحداث الآخرة (1 تسالونيقي 5: 3). ويعلق الطوباويّ يوحنّا هنري نِيومَن " ولكن ما معنى "اسهروا"؟ إن الّذي يسهر منتظرًا الرّب يسوع المسيح هو مَن يحافظ على نفس حسّاسة، ويكون منفتحًا ومتيقّظًا ومتأهّبًا، مفعمًا بالغيرة للبحث عنه وتمجيده. هو من يرغب في أن يجد الرّب يسوع المسيح في كلّ ما يحدث معه" (عظات أبرشيّة بسيطة، الجزء الرّابع، 22: عظة بعنوان "السّهر") وهذا السهر يمّيز المسيحي الذي ينتظر عودة الربّ (مرقس 13: 33-37). ويربط بولس الرسول بين فكرة الرقاد في الليل، رمز مُلك الشر، وفكرة السهر، رمز الانتظار " فلا نَنامَنَّ كما يَفعَلُ سائِرُ النَّاس، بل علَينا أَن نَسهَرَ ونَحنُ صاحون"(1 تسالونيقي 5: 3-6). لانَّ هدف السهر هو أن يكون المؤمن مستعداً للقاء الرب عندما يجيء فجأةً. الوصية إذن هي الاستعداد الروحي للقاء الرب. والسهر هو إعداد التدابير لمواجهة احتمال طول أمد انتظار عودة الرب ما دامت ساعة العودة لا يمكن توقّعها؛ أمَّا عبارة " لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ أَيَّ يَومٍ يَأتي ربُّكم" فتشير إلى الحاجة المُلحَّة للسهر على الدوام في كل الوقت لئلا يفوتنا مجيء ابن الإنسان. فالاستعداد ضروري على اعتبار هذا اليوم هو اليوم الأخير. وفي هذا الصدد يحثُّنا القديس اسحق السرياني عن ترك الكسل والجهاد في السهر، قائلًا: "النفس التي تمارس أعمال السهر وتتفوق فيها هي النفس التي في إرادتها عينا الشاروبيم، بهما ترى في كل الأوقات الرؤى السماوية وتدنو إليها". أمَّا الكسل بالمفهوم الروحي فهو فقدان الإنسان الرؤيا الروحية السماوية، لأن سقف نفسه يتفكك، وتعجز يداه عن العمل الروحي، وينهار إنسانه الداخلي. أمَّا عبارة "لا تَعلَمونَ" فتشير إلى مجيء المسيح الذي هو أمرٌ محتومٌ وإن لم نعلم يومه. لا نعرف موعد مجي الرب على وجه التحديد، إذ هو مَخفيٌ في علم الآب وحده، حتى إنَّ الابن نفسه في حدود تجسُّده تخلى عن معرفته باختياره. ويعلق القديس أوغسطينوس قائلا " السيد المسيح لا يجهل اليوم إنما لا يعرفه معرفة من يبيح بالأمر". لا يريد الإنجيل أن ينتقص من مساواة لابن للآب، ولكن العَالَم اليهودي يُعلن أنَّ الله وحده يعرف النهاية ويُحدّدها، وجاء كلام يسوع مؤكداً امتيازات الله الآب "لَيَس لَكم أَن تَعرِفوا الأَزمِنَةَ والأَوقاتَ الَّتي حَدَّدَها الآبُ بِذاتِ سُلطانِه (أعمال الرسل 1: 7). والبحث عن هذه المعرفة هو عائق للإيمان، لا مساعد له. فالمطلوب هو الاستعداد وليس الحساب. وإذا عرفنا يوم مجيء الرب، فسنتوقف عن القيام بالأمور العادية كالأكل والشرب والعمل والتزاوج من أجل انتظاره. بينما يأتي الرب بالتحديد، ويتجلى في داخل هذه الأمور الطبيعية العادية اليومية في الحياة كما ورد في الآيتين (24: 40-41). أمَّا عبارة "اليوم" فتشير إلى الوقت الذي يأتي الرب فيه. فنحن مدعوُّون للسهر استعدادا وانتظارا لمجيء الرب منذ اليوم كي لا نفاجأ بمجيئه العظيم. 43 وتَعلَمونَ أَنَّه لو عَرَفَ رَبُّ البَيتِ أَيَّ ساعةٍ مِنَ اللَّيلِ يَأتي السَّارِق لَسَهِرَ ولم يَدَعْ بَيتَه يُنقَب تشير عبارة "رَبُّ البَيتِ" إلى صاحب البيت الذي لم يعزم على السهر إلاّ عندما بلغه النبأ بمجيء السارق. كتم َيسوع عن تلاميذه وقت مجيئه كي يتوقعوا مجيئه دائما ويكونوا دوما مستعدِّين. أمَّا عبارة " اللَّيلِ " فتشير إلى مدة الظلام (التكوين 1: 5) وكان الليل في زمن العهد الجديد يمتد من غروب الشمس إلى شروقها، وكان يقسم إلى اثنتي عشرة ساعة (أعمال الرسل 23: 23). ويشير الليل مجازاً إلى الموت (يوحنا 9: 4) والخطيئة (أفسس 5: 5). والليل هو حوزة الشرير. فكم من المآسي تحدث ليلاً! سرقات وصفقات ملتوية، سكر، عربدة، خطف، انتحار… كلها تتم ُّفي الليل، في الظلمة (1 تسالونيقي 5: 4-10). أمَّا عبارة "ساعةٍ" في الأصل اليوناني φυλακή (معناها هجعة) فتشير إلى هزيع حيث تمَّ تقسيم الساعة في زمن اليهود قبل استيلاء الرومان عليهم إلى ثلاثة هزع، وقُسِّمت بعد الاستيلاء إلى أربعة، وجعل الرومان كل هزيع ثلاث ساعات، وذكر الهزيع الثاني والهزيع الثالث في إنجيل لوقا (لوقا 12: 38 والهزيع الرابع في إنجيل متى (متى 14: 25). أمَّا عبارة " أَيَّ ساعةٍ مِنَ اللَّيلِ يَأتي السَّارِق" فتشير إلى مثل قديم يدلُّ على امر مفاجئ غير متوقع (1 تسالونيقي 5: 2، 2 بطرس 3: 10، ورؤيا 3: 3). ووجه الشبه بين مجيء المسيح ومجيء السارق ليلا أن كلا منهما يتمُّ بغتة وصورة غير متوقعة والناس غافلون عنه. فكما السارق يقتحم البيت ولا يعطي إشعارا لقدومه بل إنه يأتي في ساعة يكون الناس فيها نياماً، وهكذا المسيح يأتي والعالم غافل عنه، لذلك يجب على المؤمنين أن يسهروا دوما. 44 لِذلِكَ كونوا أَنتُم أَيضاً مُستَعِدِّين، ففي السَّاعَةِ الَّتي لا تَتَوَقَّعونَها يأَتي ابنُ الإِنسان. تشير عبارة" كونوا أَنتُم أَيضاً مُستَعِدِّين" إلى دعوة يسوع جماعة المؤمنين للسهر الدائم، حيث أنَّ غاية يسوع من كل التنبيهات هو حث تلاميذه على الاستعداد والانتباه والأمانة والصلاة "فاسهَروا مُواظِبينَ على الصَّلاة، لكي توجَدوا أَهْلاً لِلنَّجاةِ مِن جَميعِ هذه الأُمورِ التي ستَحدُث، ولِلثَّباتِ لَدى ابنِ الإِنْسان"(لوقا 21: 36) وبيّن لهم حقيقة ذلك الاستعداد بقوله " اكنِزوا لأَنفُسِكُم كُنوزاً في السَّماء، حيَثُ لا يُفْسِدُ السُّوسُ والعُثّ، ولا يَنقُبُ السَّارِقونَ فيَسرِقوا" (لوقا 6: 20)، لان هناك خطر نسيان عودة الرب. ُيعلق الطوباويّ يوحنّا هنري نِيومَن " أعطى ربّنا هذا التحذير عندما كان على وشك مغادرة هذا العالم، على الأقلّ مغادرته المنظورة. كان يرى مسبقًا مئات السنين التي قد تمرّ قبل مجيئه الثّاني"(عظات أبرشيّة بسيطة، الجزء الرّابع، 22: عظة بعنوان "السّهر")أمَّا عبارة " ففي السَّاعَةِ الَّتي لا تَتَوَقَّعونَها " فلا تشير إلى غرض المسيح أن يثير التنبؤات والحسابات بحثا عن ذلك التاريخ، بل ليحذِّرنا لنكون مستعدِّين دوما لمجيئه. فلو عرفنا الوقت بالتحديد، قد نتوقَّف عن القيام بأمور حياتنا العادية اليومية من اجل انتظار الرب وننسى أنَّ الرب يتجلى من خلال أعمالنا الاعتيادية ومعاناتنا اليومية، أو قد نُجرَّب بالكسل في خدمتنا للمسيح، بل والأسوأ، أن نظل في ارتكاب الخطايا ولا نرجع إلى الله إلا عند النهاية. وهكذا عدم معرفة مجيء المسيح يحثنا إلى المثابرة على العمل والتقرب من الله إلى أن يعود مخلصنا يسوع المسيح. أمَّا عبارة "يَأتي ابنُ الإنسان " فتشير إلى مجيء الرب يسوع المسيح الأكيد بقدرته العظيمة، لكن ساعة مجيئه في التاريخ غير معروفة. ولا يُعلن عنها مسبقاً بل انه يأتي في وقت غير متوقع. وليس مجيء المسيح في وقت غير متوقع هي مصيدة يقنصنا بها الله ونحن في غفلة، إنما يريد الله أن يتيح فرصة أفضل للناس كي يتبعوا المسيح كما جاء في تعليم بطرس الرسول " إِنَّ الرَّبَّ لا يُبطِئُ في إِنجازِ وَعْدِه، كما اتَّهَمَه بَعْضُ النَّاس، ولكِنَّه يَصبرُ علَيكم لأَنَّه لا يَشاءُ أَن يَهلِكَ أَحَدٌ، بل أَن يَبلُغَ جَميعُ النَّاسِ إلى التَّوبَة"(2 بطرس 3: 9)؛ وفي خلال هذا الوقت حتى مجيئه لدينا فرصة أن نحيا إيماننا، ونعكس محبة يسوع في معاملتنا وعلاقتنا بالآخر كما أوصانا بولس الرسول " أَمَّا أَنتُم، أَيُّها الإِخوَة، فلَستُم في الظُّلُماتِ حتَّى يُفاجِئَكم ذلِك اليَومُ مُفاجَأةَ السَّارِق، لأَنَّكم جَميعًا أَبناءُ النُّورِ وأَبناءُ النَّهار. لَسْنا نَحنُ مِنَ اللَّيلِ ولا مِنَ الظُّلُمات. فلا نَنامَنَّ كما يَفعَلُ سائِرُ النَّاس، بل علَينا أَن نَسهَرَ ونَحنُ صاحون. فالَّذينَ يَنامونَ إِنَّما هم في اللَّيلِ يَنامون، والَّذينَ يَسكَرونَ إِنَّما هم في اللَّيلِ يَسكَرونَ. أَمَّا نَحنُ أَبناءَ النَّهار فلْنَكُنْ صاحين، لابِسينَ دِرْعَ الإِيمانِ والمَحبَّة وخُوذةَ رَجاءِ الخَلاص، لأَنَّ اللهَ لم يَجعَلْنا لِلغَضب، بل لِلحُصولِ على الخَلاصِ بِرَبِّنا يسوعَ المسيحِ الَّذي ماتَ مِن أَجْلِنا لِنَحْيا معًا مُتَّحِدينَ به، أَساهِرينَ كُنَّا أَم نائِمين" (1 تسالونيقي 5: 4-10). ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي (متى 24: 37-44)، نستنتج انه يتمحور حول أهمية السهر الذي يدعو السيد المسيح إليه في حديثه عن مجيئه الأخير ترقبًا للقاء معه، ومن هنا نتساءل كيف ما معنى السهر ونعيش في السهر انتظارا لمجيء المسيح؟ 1) مفهوم السهر وضروريته ومتطلباته. أ) مفهوم السهر الدائم تعني لفظة "سهر" في اللغة اليونانية γρηγοροῦντας في المعنى الحصري اليقظة وعدم النوم في الليل إمَّا بقصد مواصلة العمل (حكمة 6: 15)، أو لتحاشي العدوّ المفاجئ (مزمور 127: 1-2). وأمَّا السهر في المعنى المجازي فيعني اليقظة والكفاح ضد الخمول والإهمال من أجل بلوغ الغرض المستهدف (أمثال 8: 34). وهكذا يهدف السهر للمؤمن إلى الاستعداد للقاء الرب في يوم عودته المجيدة. "طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين" (لوقا 12: 37). إذًا لنسهر لا بالمفهوم الجسدي الظاهر، وإنما بالقلب والحياة الداخليّة خلال انتظار مجيء الرب. ب) ضرورية السهر الدائم يحثُّ يسوع التلاميذ على السهر في انتظار استقبال ابن الإنسان لدى عودته (لوقا 12: 37). " فاسهروا إذاً، لأنكمٍ لا تعلمون أيّ يوم يأتّي سيّدكم" (متى 24: 42). يدعونا الرب للسهر لملاقاته دون تحديد موعد مجيئه ويُعلق القديس أمبروسيوس" ليس من صَالِحنا أن نعرف الأزمنة، بل بالأحرى من صَالِحنا عدم معرفتها، فجهلنا لها يجعلنا نخاف ونسهر ونُصلح حالنا". والسهر يقوم قبل كل شيء على البقاء في حالة يقظة وحذر، والتأهّب والاستعداد لاستقبال الرب. ويظهر نوح كمثال السهر والتيقظ. لقد عاش نوح طيلة حياته متوقعا دينونة الله، بعكس معاصريه الساهين اللاهين "فكَما كانَ النَّاسُ، في الأَيَّام التي تَقَدَّمَتِ الطُّوفان، يَأكُلونَ ويَشرَبونَ ويَتزَّوجونَ ويُزَوِّجونَ بَناتِهِم، إلى يَومَ دخَلَ نوحٌ السَّفينَة، وما كانوا يَتَوَقَّعونَ شَيئاً، حتَّى جاءَ الطُّوفانُ فجَرَفهم أَجمَعين، فكذلكَ يَكونُ مَجيءُ ابنِ الإِنسان" (متى 24: 37-39). وهكذا ينبغي على المؤمن أن يسهر، فإنّ السهر من متطلبات الإيمان بيوم مجي الرب، خاصة أنَّ مجيئه سيكون فجائياً، شأن مجيء العريس (لوقا 12: 37) ومثل السارق في الليل (لوقا 12: 39) ومثل السيد الذي يعود أثناء الليل دون إشعار سابق لخًدَمِه (مرقس 13: 35-36). ويعلق الطوباويّ يوحنّا هنري نِيومَن" يا لها من صحوة ضميرٍ مدوّية وخطيرة لنا حين ندرك أنّ الربّ نفسه فد حذّرنا من هذا الخطر بالتحديد، خطر أن يترك تلاميذه يُحيدون أنظارهم عنه لأيّ سبب كان. لقد أعطاهم مسبقًا سلاحًا لمواجهة كلّ الاضطرابات، وكلّ مغريات هذا العالم، وحذّرهم من أنّ العالم لن يكون حاضرًا عند مجيئه الثاني؛ لقد رجاهم بحنان ألاّ يتحالفوا مع هذا العالم" (عظة عن السهر، PPS، الجزء 4، العظة رقم 22) يحثّ يوحنا الرسول، على خطى السيد المسيح، جماعة المسيحيين في سَرْديس على اليقظة والسهر كي لا يفاجئهم يوم الرب على نحو ما يفاجئ االسارق، إذ يقول: "تَنَبَّهْ وثَبِّتِ البَقِيَّةَ الَّتي أَشرَفَت على المَوت... فإِن لم تَتَنَبَّهْ أَتَيتُكَ كالسَّارِق، لا تَدْري في أَيَّةِ ساعةٍ أُباغِتُكَ" (رؤيا 3: 1-3). وعلى نقيض ذلك " طوبى لأُولِئكَ الخَدَم الَّذينَ إِذا جاءَ سَيِّدُهم وَجَدَهم ساهِرين (لوقا 12: 37)، فإنهم يستطيعون أن يشتركوا في موكب انتصار الرب (رؤية 16: 15). ويعلق الطوباويّ يوحنّا هنري نِيومَن " لم يقل المسيح متى يأَتي ابنُ الإنسان، بل تركنا سَاهرين في حراسة الإيمان والمحبّة. ذلك بأنّه علينا، لا أن نؤمن فقط، بل أن نسهر. ولا أن نحب فقط، بل أن نسهر. ولا أن نطيع فقط، بل أن نسهر. لماذا نسهر؟ انتظارًا للحدث العظيم الذي هو مجيء الرّب يسوع المسيح. فلا يكفي أن نؤمن ونخاف ونحبّ ونطيع، بل يجب أن نسهر، وأن نسهر للرّب يسوع المسيح ومعه" (عظات أبرشيّة بسيطة، الجزء الرّابع، 22: عظة بعنوان "السّهر") الحياة المسيحية بحسب إنجيل متى هي مسيرة نحو اللقاء مع من نحب، مع يسوع العريس الهائم المُحب للبشرية الخاطئة. وهي مسيرة العروس نحو عريسها. إنها مسيرة حب وموعد ولقاء. إننا مدعوون كي نذهب للقاء المسيح في المجد كما فعل بولس الرسول "أَسْعى إِلى الغاية، لِلحُصولِ على الجائِزَةِ الَّتي يَدْعونا اللّهُ إِلَيها مِن عَلُ لِنَنالَها في المسيحِ يسوع"(فيلبي 14:3). لكن بما أنَّ الموعد غير معروف وغير مُتوقَّع والساعة غير محدَّدة، ودون إخطار سابق (مرقس 13: 35) شأن مجيء لص الليل (متى 24: 43)، فلا بد من الاستعداد للقاء المسيح العريس يوم مجيئه الثاني شأن العذارى الحكيمات المستعدات بالصوم والصلاة والسهر. ويعلق القدّيس الأسقف مكسيمُس الطورينيّ "إنّ الصومَ يشفي الروحَ الضعيفة، والصلاة تُغذّي النفس المتديّنة، والسهر يُبعِد مكائدَ الشيطان"(العظة 28). ونجد صدى الحث على السهر أيضا في تعليم بولس الرسول " لَسْنا نَحنُ مِنَ اللَّيلِ ولا مِنَ الظُّلُمات فلا نَنامَنَّ كما يَفعَلُ سائِرُ النَّاس، بل علَينا أَن نَسهَرَ ونَحنُ صاحون" (1 تسالونيقي 5: 5-6). ويدعو بولس الرسول المسيحييِّن للسهر لاستقبال مجي الرب كي لا يهجروا تقواهم الأولى "هذا وإِنَّكُم لَعالِمونَ بِأَيِّ وَقْتٍ نَحنُ: قد حانَت ساعةُ تَنبَهُّكمِ مِنَ النَّوم، فإِنَّ الخَلاصَ أَقرَبُ إِلَينا الآنَ مِنه يَومَ آمَنَّا. قد تَناهى اللَّيلُ واقتَرَبَ اليَوم. فْلنَخلَعْ أَعمالَ الظَّلام ولْنَلبَسْ سِلاحَ النُّور. لِنَسِرْ سيرةً كَريمةً كما نَسيرُ في وَضَحِ النَّهار. لا قَصْفٌ ولا سُكْر، ولا فاحِشَةٌ ولا فُجور، ولا خِصامٌ ولا حَسَد. بلِ البَسوا الرَّبَّ يسوعَ المسيح، ولا تُشغَلوا بِالجَسَدِ لِقَضاءِ شَهَواتِه"(رومة 13: 11-14). فالسهر ضروري إزاء أخطار الحياة الحاضرة، "تَنَبَّهوا واثبُتوا في الإِيمان، كونوا رِجالا، كونوا أَشِدَّاء" (1 قورنتس 16: 13،)، ولأنَّ المسيحي قد اهتدى إلى الله، فهو "ابن النور". فلذلك ينبغي أن يظلّ في يقظة، وأن يقاوم الظلمات رمز الشرّ، حتى لا يتعرّض لأن يدهمه مجيء المسيح الثاني. يعلق القدّيس برنادس راهب سِستِرسيانيّ "إن كان السهر مزعج لنا، فالسبب يعود فقط إلى فقرنا الروحي"(العظة الثانية بمناسبة عيد القدّيس أندراوس). تعال، يا رب، وأيقظنا كما فعلت مع تلاميذك الذين كانوا نائمين أثناء آلامك في بستان الزيتون: " يا سِمْعان، أَتَنام؟ أَلَم تَقْوَ على السَّهَرِ ساعَةً واحِدَة؟ اِسهَروا وصَلُّوا لِئَلاَّ تَقَعوا في التَّجرِبة. الرُّوحُ مُندَفِع، وأَمَّا الجَسدُ فَضَعيف (متى 14: 37). وفي هذا المجيء الثاني، فَلنأمَلْ أن يذكرَنا الرب برَحمتِه وبشفاعته الحنونة، هو، أملنا الوحيد، هو، خلاصنا الوحيد! 2) مجيء الرب يسوع المسيح ا) مفهوم مجيء الرب أعلن بولس الرسول عن المجيئين إلى تلميذه طيطس، حيث قال " فقَد ظَهَرَت نِعمَةُ الله، يَنبوعُ الخَلاصِ لِجَميعِ النَّاس، وهي تُعَلِّمُنا أن نَنبِذَ الكُفْرَ وشَهَواتِ الدُّنْيا لِنَعيشَ في هذا الدَّهْرِ بِرَزانةٍ وعَدْلٍ وتَقْوى، وهي تُعَلِّمُنا أن نَنبِذَ الكُفْرَ وشَهَواتِ الدُّنْيا لِنَعيشَ في هذا الدَّهْرِ بِرَزانةٍ وعَدْلٍ وتَقْوى، مُنتَظِرينَ السَّعادَةَ المَرجُوَّة وتَجَلِّيَ مَجْدِ إِلهِنا العَظيم ومُخَلِّصِنا يسوعَ المسيحِ " (طيطس 2: 11-13). يدعو يسوع تلاميذه للسهر الدائم استعدادا لمجيئه للدينونة. ومجيء يسوع للدينونة يُسمَّى أيضا أيام ابن الإنسان "كما حدَثَ في أَيَّامِ نوح، فكذلِكَ يَحدُثُ في أَيَّامِ ابنِ الإنسان" (لوقا 17: 26). ويبدو لمجيء يسوع المسيح أبعاد جديدة، تظهر في تشعّب المصطلحات المستخدمة، التي تعرض باستمرار للإشارة إلى يوم الافتقاد (1 بطرس 2: 12)، والغضب (رومة 2: 5)، والدينونة (2 بطرس 2: 9)، وإلى "ذلك اليوم" (متى 7: 22)، وإلى يوم الرب (1 تسالونيقي 5: 2)، ولكن أيضاً إلى يوم الرب يسوع (1 قورنتس 1: 8)، ويوم المسيح (فيلبي 1: 6-10)، ويوم ابن البشر (لوقا 17: 24-26). كما نصادف كذلك لفظ اي epiphaneia أي الظهور (2 تسالونيقي 1: 7)، ولفظ أي ἀποκάλυψις أي الرؤيا (1 طيموتاوس 6: 14) وكما يتّضح من مصطلحات العهد الجديد، فإن يوم الرب يدل على يوم مجيء المسيح. ب) المجيء الأول للرب يوم التجسد هل مجيء الرب الأول قد تحقق تماماً بظهور يسوع الناصري، الذي صار رباً على الأرض؟ لا يزال بعض التساؤل قائماً بين مفهوم آخر الأزمنة التقليدي وبين تحقيقه في الحاضر. فيعلن المعمدان أن قاضي الأزمنة هو الذي "يأتي" (متى 3: 11). و"يأتي" الروح على يسوع في العماد (متى3: 16). ومع ذلك يتساءل يوحنا، هل يسوع "هو الذي يجب أن يأتي" (متى11: 3). وأمَّا يسوع فيعلن أن "ملكوت السماوات هو هنا "، بصيغة شبيهة بتلك التي كانت تعلن في العهد القديم عن يوم الرب، أنه " قد أتى " (متى 12: 28). وتحقّق العنصرة نبوءة يوئيل: إن يوم الرب يفتتح " الأَيَّام الأخيرة " (أعمال 2: 17). كما أن دخول الأمم الوثنية الكنيسة، يحقّق نبوّة عاموس (أعمال 15: 16-18). ومع ذلك، لا الفصح ولا العنصرة، يطلق عليهما، خارج شعائر العبادة، عبارة " يوم الرب ". هذا وان هذه العبارة وقد تحققت بنوع ما في "أيام" الرب يسوع. لا زالت تحمل رجاء المسيحيين، الذين ينتظرون عودته. ج)المجيء الثاني للرب في آخر الأزمنة سيأتي يسوع الممجّد في آخر الأزمنة حاملاً السمات التي أوردها دانيال عن ابن الإنسان، وعلى نحو ما أنبأ به هو نفسه وكما حدَثَ في أَيَّامِ نوح، فكذلِكَ يَحدُثُ في أَيَّامِ ابنِ الإنسان: 27 كانَ النَّاسُ يأكُلونَ ويشرَبون، والرِّجالُ يَتَزَوَّجونَ والنِّساءُ يُزَوَّجْنَ، إِلى يَومَ دخَلَ نُوحٌ السَّفينة، فجاءَ الطُّوفانُ وأَهلَكَهُم أَجمَعين. فكذلِكَ يَكونُ الأَمْرُ يَومَ يَظهَرُ ابنُ الإِنسان"(لوقا 17: 24-26). في هذه المجالات يردّد يسوع هنا أوصاف العهد القديم التقليدية، مع مجموعة الظهورات الإلهيّة العظيمة، وعلامات آخر الأزمنة، وخاصة في الرؤيا الإزائية" (متى 24). فنصادف ضمنها العناصر الحربية (متى24: 6-8)، والكونية (متى24: 29)، وانتفاضة الوثنيين (متى 24: 15)، وفرز الدينونة (24: 37-43)، والطابع الفجائي وغير المتوقع لليوم الآتي (متى24: 44). مجيء ابن الإنسان في مجده يعتبر جديداً بالنسبة إلى العهد القديم، وهو مجيء ابن الإنسان في مجده (متى 24: 30-31). وقد استخدمت صور مماثلة في النصوص الأخرى الرؤيوية من العهد الجديد. وهكذا يذكر بولس الرسول البوق ورئيس ملائكة (1 تسالونيقي 4: 16-17)، مذكِّراً إيانا بان ذلك اليوم سيأتي كاللص، جالباً معه آلاماً مبرّحة (1 تسالونيقي 5: 3)، وبأنه سيسجل النصر النهائي على الأعداء (1 قورنتس 15: 24-28). إلا أنه يضيف أيضاً، أنه ستحدث يومها قيامة الأموات والملاقاة مع المسيح النازل من السماء (1 تسالونيقي 4: 16-17). ويحتفظ كتاب الرؤيا كذلك بمجموعة من العبارات الحربيّة (غضب، أسلحة، هتافات، نصر)، والقضائية (رؤيا 20: 11-12)، والكونية (رؤيا 21: 1). وباختصار فإن نصر الله سيتلألأ في يوم الرب (العهد القديم) بواسطة ابنه يسوع (العهد الجديد). ففي سبيل الخلاص (1 بطرس 1: 4-5) سيجدّد كل شيء (أعمال 1: 6، 3: 20)، وستتحوّل أجسادنا إلى جسده الممجّد (فيلبي 3: 20-21). د) أثر مجيء الرب على حياتنا اليومية غاية مجيء الأول للرب هو خلاصنا من خطايانا ويقدِّم لنا ألوهيته، فنصبح مثله قادرين على أن نعيش على مثال يسوع بتجددٍ دائم، أن نملك قلباً كقلبه، ينبض بالحياة ولا يتوقف أبداً. وإن مجيء الرب له أثره في هذه الدنيا، وهو الذي يُحدّد تصرف المؤمن وسلوكه. يعلق القدّيس أوغسطينوس " ماذا على المسيحي أن يعمل إذاً؟ أن يكسب من هذا العالم، لا أن نخدم هذا العالم. ماذا يعني ذلك؟ "أن نملك وكأننا لا نملك". هكذا يقول القديس بولس في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس: " أَقولُ لَكُم، أَيُّها الإِخوَة، إِنَّ الزَّمانَ يَتَقاصَر: فمُنذُ الآن لِيَكُنِ.. والَّذينَ يَشتَرون كأَنَّهم لا يَملِكون، والَّذينَ يَستَفيدونَ مِن هذا العالَم كأَنَّهم لا يستفيدونَ حَقًّا، لأَنَّ صُورةَ هذا العالَمِ في زَوال " (1 قورنتس 7: 29 -32)"(عظة عن المزمور 96)؛ وهكذا يتيح مجيء المسيح الثاني المجيد تقدير الأشخاص ومنحهم حق قدرهم كما جاء في تعليم بولس الرسول " سيَظهَرُ عَمَلُ كُلِّ واحِد، فيَومُ اللّه سيُعلِنُه، لأَنَّه في النَّارِ سيُكشَفُ ذلِك اليَوم، وهذِه النَّارُ ستَمتَحِنُ قيمةَ عَمَلِ كُلِّ واحِد"(1 قورنتس 3: 13)، وفي يوم الرب يتمَّ الحكم في معنى الأفعال البشرية " لا تَدينوا أَحَدًا قَبْلَ الأَوان، قَبلَ أَن يَأتِيَ الرَّبّ، فهو الَّذي يُنيرُ خَفايا الظُّلُمات ويَكشِفُ عن نِيَّاتِ القُلوب، وعِندَئِذٍ يَنالُ كُلُّ واحِدٍ مِنَ اللهِ ما يَعودُ علَيه مِنَ الثَّناء" (1 قورنتس 4: 5). يحفظ المجيء الثاني المسيحيين في الرجاء " مُنتَظِرينَ السَّعادَةَ المَرجُوَّة وتَجَلِّيَ مَجْدِ إِلهِنا العَظيم ومُخَلِّصِنا يسوعَ المسيحِ "(طيطس 2: 13)، متقبِّلين بفرح الاضطهاد كمقدمة سابقة لليوم الأخير كما جاء في تعليم بطرس الرسول "افرَحوا بِقَدْرِ مما تُشارِكونَ المسيحِ في آلامِه، حتَّى إِذا تَجَلَّى مَجْدُه كُنتُم في فَرَحٍ وابتِهاج. طوبى لَكم إِذا عَيَّركم مِن أَجْلِ اسْمِ المَسيح، لأَنَّ روحَ المَجْدِ، روحَ الله، يَستَقِرُّ فيكم "(1 بطرس 4: 13-14. إن الله سيقود عمل الخلاص إلى تمامه كما يؤكده بولس الرسول "إِنِّي على يَقينٍ مِن أَنَّ ذاكَ الَّذي بَدَأَ فيكم عَمَلاً صالِحًا سيَسيرُ في إِتمامِه إلى يَوم المسيحِ يسوع. (فيلبي 1: 6)، وذلك بتثبيت المؤمنين وجعلهم بلا عيب "وهُو الَّذي يُثَبِّتُكُم إلى النِّهايَة حتَّى تَكونوا بِلا عَيبٍ يَومَ رَبِّنا يسوعَ المسيح" (1 قورنتس 1: 8)، يثبت هؤلاء الذين ينتظرون بحبٍ هذا الظهور الأخير كما جاء في تصريح بولس الرسول في آخر حياته " وقَد أُعِدَّ لي إِكْليلُ البِرِّ الَّذي يَجْزيني بِه الرَّبُّ الدَّيَّانُ العادِلُ في ذلِكَ اليَوم، لا وَحْدي، بل جَميعَ الَّذينَ اشْتاقوا ظُهورَه " (2 طيموتاوس 4: 8). وهذه الثقة، التي يرغب كتاب الرؤيا، في إثر بولس، أن يُبثّها، هي أساس عزة نفس المسيحي، الذي يتطلّع إلى عودة وشيكة للرب يكما يوصي يوحنا الرسول " أجَل، اُثبُتوا فيه الآن، يا بَنِيَّ. فإِذا ظَهَرَ كُنَّا مُطمَئِنِّين ولَن نَخْزى في بُعْدِنا عنه عِندَ مَجيئه" (1 يوحنا 2: 28). يدعونا زمن المجيء أن نجدّدَ في داخلنا رغبة الانتظار لمجيء الأوّل للربّ من ناحية، ونتوق إلى مجيئه الثاني من ناحية أخرى. الخلاصة حثَّ السيد المسيح تلاميذه على ضرورة السهر الدائم في انتظار عودته المتوقعة في أي وقت، لانَّ الرب لم يعيّن وقت مجيئه. إن السهر بمعنى اليقظة الواعية التي هي من مُتطلبات الإيمان بيوم الرَّب، وهي الطابع المميز للمسيحي الذي ينبغي له أن يقاوم الجحود في آخر الأزمنة، وأن يظلّ مستعدّاً لاستقبال المسيح الذي يأتي دون التوقف بالقيام بحياته العادية: الأكل والشرب والعمل والتزاوج والمعاناة اليومية. ومن جهة أخرى، التجارب في الحياة الحاضرة مقدّمة لويلات الدهر الآخر. إنّ اليقظة المسيحية ينبغي أن تمارس يوماً بيوم في الكفاح ضد الشرير كما علّمنا السيد المسيح معلمنا في الصلاة الربيّة "ولا تُدخلنا في التَّجربة" (متى 6: 11). إذ يحاول الشيطان أن يُهلك فيها من تصيبه. فالسهر يتطلب من التلميذ الصلاة والقناعة المتواصلتين: "اسهروا وصلّوا وكونوا قنوعين". ولنجهّز نفوسنا ليس للعيد بل لصاحب العيد، ولنعش حياتنا اليومية بروح مُتجدِّد وبمشاعر الانتظار العميق لمجيء الرب، انتظار مجيء مُخلصنا يسوع المسيح في حياة كل واحد منا. مجيئه ثانية هو أهم حدث في حياتنا، لأنَّ نتائجه ستبقى إلى الأبد، ولا يمكننا أن نؤجل الاستعداد له، لأننا لا نعلم متى سيحدث ذلك. "طوبى لِذلِكَ الخادِمِ الَّذي إِذا جاءَ سَيِّدُه وَجَدَه مُنصَرِفاً إلى عَمَلِه (لوقا 12: 43)، فسوف يستطيع أن يشترك في موكب انتصار الرب. هل نهتم بمجيء المسيح؟ ونختتم موضوعنا هذا مع تأمل البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني، بقوله: "فَاسهَروا إِذاً، لأَنَّكُم لا تَعلَمونَ أَيَّ يَومٍ يَأتي ربُّكم". تُذكّرُني هذه الكلمات بالنداء الأخير الذي سيحلّ في اللحظة التي يريدها الربّ. أرغب في أن أستجيب لذلك النداء وأن يكون كلّ ما في حياتي على هذه الأرض سبيلاً لأستعدّ لتلك اللحظة. لا أعلم متى سيأتي ولكنّي أضع تلك اللحظة بين يَدَيْ والدة معلّمي يسوع المسيح، تمامًا كما أضع كلّ شيء بين يديها: "كُلّي لكِ" الدعاء أيها الآب السماوي، أيقظ قلوبنا وفكرنا كي نستعدّ لمجيء ابنك يسوع مخلصنا ودياننا، بالسهر والصلاة واتباع وصاياه حتى إذ جاء وجدنا فرحين بقدومه ومرحّبين بنور حقيقته. و"كما تشتاق الأيل إلى جداول المياه، كذلك تشتاق إليك نفسي يا الله" (مزمور 42: 1)، ولننشد "نحن ساهرون ومصابيحنا مشتعلة ننتظر عودتك أيها الرب يسوع". خبر وعبرة وضعت إحدى المجلات الإيطالية عنوانٌ غريب يلفت الانتباه حول زمن مجيء بعنوانٌ ربما يستوقفنا جميعاً وقد يعلق في أذهاننا، وهو " a Dio interessa la nostra vita " وما معناه: أنَّ حياتنا تهمُ الله! إن يسوع يسير معنا لأن حياتنا تهم الله أبيه السماوي. ليس لأنه سيربح منّ خلالنا، أو أن له مصلحةً خاصة، إنما لأن لديه عطية كبيرة يريد أن يقدَّمها لنا. لأنَّه إن تركنا وتخلى عنّا، فسنضيع ونهلك في هذا العالم ونصبح بلا قائد وبلا مرشد وبلا مرافق يسير معنا ويُوجِّهنا. إن مجيء يسوع يوحي لنا هذا، "حتى إن نسيت الأم رضيعها فأنا لن أنساك أبداً" (أشعيا 49: 15) ولكيلا ينسى الله يتابع أشعيا البني " هاءَنَذا على كَفَّيَّ نَقَشتُكِ وأسْوارُكِ أَمامَ عَينَيَّ في كُلِّ حين " (أشعيا 49: 16) أي أنَّ اسمنا مكتوب على يد الله. عندما لدي أمر هام، غالباً لا أسجله على ورقة كي لا أنساها في جيبي أو تضيع على المكتب بين بقية الأوراق، إنما أسجله على يدي، كي أتذكره ولا أنساه! إنَّ معجزة وجودنا، هي أنَّ أسماءنا مكتوبة على يد الله. كي لا ينسانا ابدأ! لأن حياتي هي قيّمة في نظر الله! واكد يسوع ذلك بقوله" هاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّام إلى نِهايةِ العالَم " (متى 28: 20). إن العالم اليوم يسير نحو هذا الخطر، ألاَّ ندرك أن الله معنا، أن الله يسير في وسطنا، أن حياتنا تهمه تعالى. قصة الغني والحياة الأبدية هو شاب إسباني ورث عن أبيه ملايين الدولارات. وتزوج من فتاه جميلة أكثر منه ثراء. وبعد سته شهور توفيت الزوجة وورث كل ثروتها. وقال لنفسه:" هذا نصيبي ولن أتزوج ثانية. فخصص كل أمواله لمن هم في حاجة إلى المساعدة". وابتدأ بالقصر الذي كان يقيم فيه بأن حوله لدار رعاية كبار السن يأكلون ويشربون فيه مجانا وقام ببناء أكبر مستشفى في إسبانيا أسماها " مستشفى السامري الصالح "للعلاج المجاني وخصَّص لنفسه حجرة فيها لإقامته. وكانت مهمته الوحيدة هي خدمة المرضى. وعلى مسافة قريبة من المستشفى بنى كنيسة تحيط بها حديقة جميلة. وكانت أبواب الكنيسة مفتوحة دائماً والناس يأتون إليها للصلاة. ثم ذهب إلى مصنع الرخام، واشترى قطعة كبيرة وحفر عليها بضع كلمات، ووضعها داخل إحدى غرف المستشفى التي أغلقها واحتفظ بمفتاحها معه. وكتب وصية من ثلاث نسخ أودع أحدها في دار الرعاية والثانية في الكنيسة والثالثة في المستشفى. وفي الوصية طلب أن يدفنوه بعد موته تحت مدخل الكنيسة. بحيث يمر الداخلون للكنيسة فوق قبره وأن توضع قطعة الرخام على القبر وهي التي أودعها في غرفته المقفولة. فلما مات دفنوه حسب وصيته وذهبوا إلى المستشفى وأحضروا قطعة الرخام ليضعوها فوق القبر، فوجدوا جملة مكتوب عليها " هنا يرقد أتفه رجل في العالم!! أين هي عظمتك أيها الإنسان من عظمة الخالق! -ادعوا له عند دخول الكنيسة! -لا تهتموا بالعالم ولا الأشياء التي في العالم لان العالم يزول وشهواته معه بل اهتم بأبديتك . الأب لويس حزبون - فلسطين |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
حثَّ السيد المسيح تلاميذه على ضرورة السهر الدائم في انتظار عودته |
ضرورية السهر الدائم |
مفهوم السهر الدائم |
أنجيل متي - السهر الدائم |
السهر الدائم |