|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اِرْحَمْنِي يَا اللهُ، ارْحَمْنِي، لأَنَّهُ بِكَ احْتَمَتْ نَفْسِي، وَبِظِلِّ جَنَاحَيْكَ أحْتَمِي، إِلَى أَنْ تَعْبُرَ المَصَائِبُ [ع1]. لعل تكرار كلمة "ارحمني" في بداية هذا المزمور يشير إلى حاجة كل من اليهود والأمم إلى الرحمة الإلهية، التي تحققت بالصليب. وكما يقول الرسول بولس: "لأن الله واحد، هو الذي سيبرر الختان بالإيمان، والغرلة بالإيمان" (رو 3: 30). كان داود المرتل في خطرٍ عظيمٍ، لكن مراحم الله أعظم وأقدر، لذا يكرر الطلب "ارحمني" مرتين. فإنه لا خلاص له إلا بالاختفاء تحت جناحيّ الله، أي بوضع حياته بين يديه. في محبة الله للإنسان، وفي تواضعه يُشبَّه بالطائر الذي يجمع صغاره تحت جناحيه ليحميها من الخطر. "احفظني مثل حدقة العين، بظل جناحيك استرني" (مز 17: 8). "ما أكرم رحمتك يا الله، فبنو البشر في ظل جناحيك يحتمون" (مز 36: 7). "لأسكنن في مسكنك إلى الدهور، أحتمي بستر جناحيك. سلاه" (مز 61: 4). "لأنك كنت عونًا لي، وبظل جناحيك أبتهج" (مز 63: 7). "بخوافيه يظللك، وتحت أجنحته تحتمي، ترس ومجن حقه" (مز 91: 4). "ليكافئ الرب عملك، وليكن أجرك كاملًا من عند الرب إله إسرائيل، الذي جئت لكي تحتمي تحت جناحيه" (را 2: 12). "يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادكِ، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا" (لو 13: 34). * تكرار القول: "ارحمني" يدل على احتياجنا إلى رحمة الله في الدهرين، الدهر الحاضر، والدهر المقبل. وأيضًا على غزارة الرحمة ووفرتها. وأما "ظل جناحيّ الله" فهو قوته التي تعتني بالعالم، التي تحدث عنها في بشارة متى: "كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا" (مت 23: 37). في هذا العالم الحاضر نتكل على ظل جناحي الله، وأما في العتيد فنلتجئ إلى ما هو أعظم من الظل. يُقال أن جناحي الله هما إيماننا به وأفكارنا المرتفعة التي بواسطتها ترتفع عقولنا. الصديق الذي يكون مؤيدًا بهذه الأفكار يتكل على الله، واثقًا في ظل جناحي الله إلى أن يعبر الإثم، لأن الإثم لا يدوم بل يزول. الأب أنثيموس الأورشليمي يرى العلامة أوريجينوس أن النبي كان يرغب في التمتع بظل الجناحين الإلهيين، وهما الناموس والنبوات، أما مؤمنو العهد الجديد فيطلبون ما هو أكثر، يطلبون الجناحين نفسيهما، أي أن يُرفعوا بالروح القدس ويتمتعوا بالحق نفسه وليس بظله. * بهذه الكلمات تُظهر (العروس) أنه قد حان الوقت عندما تزول كل الظلال ويسكن الحق نفسه. علامة أوريجينوس ويرى القديس أغسطينوس في هذه العبارة أن السيد المسيح نفسه يصرخ مصليًا، ليعلم المؤمنين الصراخ والطلبة وسط الضيق، حتى يعبروا فوق الآلام ويتمتعوا بالرجاء في القيامة. * ترون السيد يصلي لكي تتعلموا الصلاة. فإنه بهذا الهدف يصلي، حتى يعلم كيف تكون الصلاة. وبهذا الهدف تألم، يعلمنا أن نتألم. وبهذا الهدف قام ليعلمنا الرجاء في القيامة. القديس أغسطينوس إن كان داود المرتل يصرخ طالبًا المراحم الإلهية، فإن العالم كله بكل شعوبه محتاج إلى هذه المراحم. يتطلع القديس مار يعقوب السروجي في يوم عيد ميلاد السيد المسيح، الذي جاء ليقدم نفسه ذبيحة عن العالم كله ويحرره من عبودية إبليس. فقد صُلب لكي ترى الأمم التي استُعبدت لإبليس زمانًا هذا مقداره، أنه قد جاء زمن تحررها بصلب المخلص الإلهي. بالصليب يعلن أنه هو المحرر القدير، والفنان القادر على إصلاح الصورة البشرية، والمهندس الذي يُصلح بناء البيت الساقط، والراعي الذي يرد الخروف الضال، والطبيب القادر أن يشفي النفوس مع الأجساد ويضمد الجراحات ويعصب المنكسرين، ويهب قوة للضعفاء. يا لعظمة مراحم كلمة الله القدير المصلوب، والعجيب في حبه! * في هذا اليوم صدرت الحرية للمُستعبدة، لأنها كانت مربوطة لخدمة الوثنية. في هذا اليوم حُلت المربوطة منذ مدة طويلة، لأن الجبار قام وكسر قيود سجنها. في هذا اليوم اقتنت أمة الأبالسة الحرية، لأن الرب العظيم هزمهم، واسترجع خاصته. في هذا اليوم خرجت السجينة من الظلمة، لأن النور أشرق، وكسر باب بيت الظلام. في هذا اليوم نقى المصوّر صورة آدم، ولما فسدت خلط فيها الدواء الذي لا يفسد. في هذا اليوم شيد المهندس البيتَ المنهار، ولئلا يسقط دخل إليه سندُ اللاهوت. في هذا اليوم تصالح الرب مع آدم، لأن الابن الذي أشرق ألقى الأمان بين الجهتين. في هذا اليوم وجد الراعي الخروف الضال، وحمله على كتفيه، ودخل به إلى الفردوس. في هذا اليوم عاد قطيع الشعوب، لأن الذئب الخفي حطمه راعي الكل. في هذا اليوم دخل الذين في الخارج، وصاروا في الداخل، وخرج أهل البيت من بيت الملك غاضبين... في هذا اليوم قام القوي على المتمرد، ومسكه وربطه، وخرّب داره المخصبة. في هذا اليوم أتى المحارب عند السبي، وربط السالب بقوة، واسترجع خاصته. في هذا اليوم أتى الطبيب عند المرضى، ليضمد ويشفي... في هذا اليوم أتى مُضمد جميع المنكسرين، ليسند ويداوي ويشفي ويُشبع بعنايته. في هذا اليوم أتى مقوي جميع الضعفاء، ليمسك ويقيم ويثبت ويشبع بعنايته . القديس مار يعقوب السروجي |
|