|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الأصحاح الثامن زواج مقدس ومُبارَك طوبيا والعُرْس السماوي يُعتبَر هذا الأصحاح الخاص بإقامة العُرْس بين طوبيا وسارة نقطة تحوُّل رائعة للسفر، حيث تحقَّق هذا الزواج بكونه أيقونة حية للعُرْسِ السماوي الذي يتحقَّق بين المسيا المُخَلِّص وكنيسته العروس المقدسة. أولاً: سبق فأعلن رئيس الملاكة لطوبيا بأن هذا العُرْسِ في ذهن الله الذي بمحبته ومراحمه حوَّل كل الأحداث بالنسبة للأربع عائلات المتغربة لتحقيق هذا الهدف. فمنذ سقوط آدم وحواء وطردهما من الجنة لعصيانهما للوصية الإلهية، يُعِدّ الله البشرية كي تتمتَّع بالعُرْسِ السماوي. ثانيا: قيل: "ولما فرغوا من العشاء أدخلوا طوبيا عليها" [1] كان العشاء في المساء رمزًا لعشاء العروس الذي أُقِيم في ملء الأزمنة حيث قدَّم السيد المسيح نفسه ذبيحة لتتمتَّع كنيسته بالمغفرة والتطهير والتقديس، فتتهيأ للعُرْسِ الأبدي. هذا هو إنجيلنا المُفرِح أن ابن الله الوحيد قد تجسَّد وبذل ذاته عنا، مُقَدِّمًا لنا جسده ودمه طعامًا وشرابًا لنفوسنا ومهرًا لعروسه. ثالثا: كي تتمتَّع العروس بعريسها السماوي، حرَّرها العريس من مملكة إبليس، وأعطاها سلطانًا أن تدوس على الحيات والعقارب وكل قوات العدو. لقد انطلقت رائحة الصليب رائحة طيبة تُسرّ بها السماء ورائحة دخان لا يطيقها الشيطان، فيهرب من قلوب المؤمنين ولا يستطيع أن يعود إليها لأنه بالمسيح يسوع المصلوب لم تعد لظلمة إبليس موضعًا فينا. رابعا: هروب إبليس إلى مرتفعات مصر أي إلى جبال العالم وبراريها المهجورة حيث لا يجد العدو له موضعًا بين المؤمنين [3]. خامسا: دعا طوبيا عروسه أن تقوم من فراشها وتقف مع عريسها للصلاة [4]. صورة رائعة لعمل المُخَلِّص فينا حيث يدعونا أن نستيقظ، ويمسك بيدنا، فلا نتراخى وننام، بل ندخل في حوارٍ دائمٍ مع محب البشر، العريس السماوي. سادسا: قَدَّم طوبيا تسبحة لله وشكر للخالق الذي وهب آدم حواء معينة بالحق. هكذا يرى إنسان الله في الزواج ليس فرصة لشهوات جسدية، بل تمتُّع بالوحدة والحب والسلوك في الحق. [5- 9] سابعا: قيل "عندئذ نام الاثنان تلك الليلة" [9]. هذه العبارة تُذَكِّرني بسيدة في بدء حياتي الكهنوتية قالت لي وهي مرتجفة: "إنني أخاف من الموت. كيف يضعون جسدي في القبر، ويتركني الجميع وحدي". كادت تدخل في انهيار نفسي بتصوُّرِها قرب نهاية حياتها على الأرض ووضع جسدها في قبرٍ مظلمٍ وليس من يرافقها. ثامنا: العبارة التي بين أيدينا "نام الاثنان تلك الليلة" تهبنا سلامًا ورجاءً وفرحًا. فقد سبقنا العريس السماوي المتجسد وأُنزل جسمه في قبرٍ، وشارك الأموات في نومهم إلى حين. فلا يستطيع الموت أن يفصلنا عن عريسنا قط! تاسعًا: كان رعوئيل في تلك اللحظات الحاسمة يمثل ضعيفي الإيمان، إذ كان يُعَد قبرًا للعريس ولم يدرك أن الشيطان ليس له سلطان على العريس السماوي أو على عروسه [10- 12]. عاشرًا: من هي هذه الجارية التي أرسلتها عدنا لتتأكَّد أن العريس لم يَمُت، هذه مضت وفتحت الباب فوجدت كلاهما نائمين ورجعت وأخبرتهما أنه حيّ (13-14). إنها رمز للقديسة مريم وللنسوة اللواتي قال لهن الملاك: "من تطلبين؟... لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟!" (راجع يو 20: 15؛ لو 24: 5) حادي عشر: هذا العُرْس الرائع حوَّل رعوئيل من إنسان ضعيف في إيمانه إلى مُسَبِّح مُتهلل، يُشارِك القديسين والسمائيين تسابيحهم. يشكر الله الذي جعله مبتهجًا، وأعطاه ما كان يبدو له مستحيلاً [15] ثاني عشر: قَدَّم رعوئيل نصف ممتلكاته لطوبيا وأسرته. أما العريس السماوي، فيهبنا شركة الأمجاد السماوية. وكما يقول الرسول: "ورثة الله، ووارثون مع المسيح" (رو 8: 17). ثالث عشر: أبرز السفر اهتمام رئيس الملائكة بزواج طوبيا ليعيش مع عروسه سارة بفرحٍ في الربِّ، كم بالأكثر تفرح الطغمات السماوية بيوم زفافنا السماوي الأبدي. 1. في حجال العُرْسِ [1- 3] ولما فرغوا من العشاء أدخلوا طوبيا عليها [1]. وإذ دخل، تذكَّر كلمات رافائيل، ووضع بخورًا مسحوقًا على قلب السمكة وكبدها وأشعل نارًا (فصار دخانًا) [2]. اشتم الشيطان الرائحة، فهرب إلى الأماكن العليا بمصر، وقيَّده الملاك [3]. لم يذكر هنا أن طوبيا وسارة وقفا للصلاة قبل حرق قلب السمكة وكبدها، إذ سبق أن قيل إنه طلب منها أن تقوم ليصليا معًا (طو 8: 4). واكتفى هنا بقوله: "ووضع بخورًا مسحوقًا". يشير البخور إلى الصلاة، إذ يقول المرتل: "لتستقم صلاتي كالبخور قدامك" (مز 141: 2). كما قيل عن أحد الملائكة في السماء: "وقف ومعه مبخرة من ذهب وأعطى بخورًا كثيرًا لكي يُقَدِّمه مع صلوات القديسين جميعهم" (رؤ 8: 4). أما عن حرق قلب السمكة وكبدها، فقد سبق لنا الحديث عن السمكة أنها رمز للسيد المسيح الذي بذل نفسه حتى الموت موت الصليب من أجل خلاصنا. لقد اشتمّ الشيطان رائحة صلوات العروسين التي صاحبت رائحة البخور المسحوق على قلب السمكة وكبدها فهرب. أما في العهد الجديد، فيليق بنا أن ترتفع صلواتنا مع رائحة المسيح الذكية. وكما يقول الرسول بولس: "لنا رائحة المسيح الذكية في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون" (2 كو 2: 15). يليق بالعروسين كما بكل مؤمنٍ حقيقي أن يختفيا في الصليب ويشعرا دومًا بنصرتهما في المسيح يسوع وتحت قيادته على كل قوات الظلمة: على شهوات الجسد الشريرة والخطية وإغراءات العالم الشرير وإبليس وكل قواته. وكما يقول القديس أغسطينوس [لقد غلب العالم كله كما نرى أيها الأحباء... لقد قهر لا بقوة عسكرية بل بجهالة الصليب... لقد رُفِع جسده على الصليب فخضعت له الأرواح.] * ضَعْ مذبح بخور في أعماق قلبك. كُنْ رائحة المسيح الذكية . العلامة أوريجينوس * تصدر رائحة معرفة الله عن المسيح وبه. يقول بولس: "رائحة"، لأن بعض الأشياء تُعرَف برائحتها حتى إن كانت غير منظورة. الله غير المنظور يود أن يُدرِك بالمسيح. الكرازة بالمسيح تبلغ آذاننا كما تبلغ الرائحة أُنوفنا، فتجلب الله وابنه الوحيد إلى أعماق خليقته. من ينطق بالحق عن المسيح يصير مُجَرَّد رائحة صادرة عن الله، يتأهَّل للمديح ممن يؤمنون به. أما الذي يُقَدِّم تأكيدات خاطئة عن المسيح فله رائحة سيئة لدى المؤمنين وغير المؤمنين على السواء. أمبروسياستر القديس أمبروسيوس * لا يوضع البخور إلا بعد أن تكون المجمرة مُتَّقِدة مقدمًا، أو يكون الجمر مشتعلاً. هكذا في حالة أذهانكم، لتتقد أولاً بالغيرة، وبعد ذلك قَدِّموا صلواتكم . القديس يوحنا الذهبي الفم * الروح القدس هو الذي يملأ حياتنا برائحة القداسة، والبخور هو الفضائل المختلفة التي يشتمّها العريس كرائحة طيب أفضل من الأطياب الأخرى. القديس غريغوريوس أسقف نيصص التزم العروسان بالوصية الإلهية: "وأما أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك واغلق بابك، وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء" (مت 6: 6). وكأن العروسين في أول لقاء في مخدعهما شعرا أنهما دخلا معًا ليكونا في حضرة الله. بهذا يتحوَّل مخدع العروسين إلى مخدع الصلاة الخفي. يعترض البعض على استعمال قلب السمكة وكبدها ومرارتها لهزيمة الشيطان وشفاء طوبيت من العمى. * يقولون هل تشفي المرارة العين العمياء، يُرد على ذلك ما ورد في (إش 21: 38) إذ وُضع قرص تين على الدبل، فبرأ حزقيا الملك. ووضع السيد المسيح طينًا على عيني الأعمى فانفتحت عيناه. فهل التين يشفي؟ أو الطين يفتح العيون؟! وهكذا أيضا في معجزات أليشع النبي. * السبب ببساطة أن الإنسان يتكوَّن من جسدٍ وروحٍ. وأعمال الروح غير مرئية للجسد، فيسمح الله بأشياء مادية للدلالة على الأشياء روحية. مثلاً المعمودية بها ننال غفران للخطايا ونحصل بها على البنوة لله، وهي دفن مع المسيح وقيامة معه، ونحن لا نرى شيئًا من هذا كله، لذلك ندفن المعمد في ماء، ثم نخرجه من الماء للدلالة على الدفن والقيامة. والمعمودية غسل من الخطايا، لذلك نستعمل الماء للدلالة على الغسل. هكذا يستخدم الله معنا أشياء مادية، لأن لنا جسد مادي. نحن لسنا أرواح فقط فلابُد أن نشعر بشيءٍ مادي. الصورة الحسية تُغَذِّي حواس الجسد. وهكذا استعمل السيد المسيح مع تلاميذه الزيت لشفاء الأمراض (مر 13: 6؛ يع 14: 5). وبنفس المفهوم ألقى موسى قطعة شجر في الماء المُر فصار عذبًا (خر 25: 15) وإليشع وضع عود خشب في الماء فطفى الحديد (2 مل 6: 6). وأُلقي دقيق في قدر مسموم فلم يؤذِ الطعام أحدًا (2 مل 41: 4). وهناك سؤال: ألم يكن الله قادرًا أن يملأ شاول الملك أو داود من الروح بكلمة من صموئيل النبي وبدون سكب الدهن؟ حرق الكبد والقلب هو تعبير عما فعله طوبيا وزوجته من ضبط مشاعرهما وغرائزهما لربط الشيطان وبهذا غلبوه. * قال الملاك لطوبيا: "إذا أحرقت كبد الحوت ينهزم الشيطان"، فهل هذا عمل سحري؟ قطعًا لا. إنما هو شكل مادي لعمل روحي. فالكبد والقلب يُعَبِّران عن المشاعر. كان اليهود يطلقون على المشاعر "أحشاء" (في 1: 2؛ 2 كو 15: 17) وحتى الآن فإن لفظ القلب يطلق على المشاعر، فنقول: "فلان له قلب رحيم أو فلان بلا قلب". لذلك نفهم أن حرق الكبد والقلب يشير إلى المشاعر الملتهبة بين طوبيا وعروسه في الليلة الأولى للزواج ولكنهم تغلَّبوا على هذه المشاعر، فكانا كمن أحرقاها. فإنه صعب جدًا أن يعيش شاب وشابة دون أن يلمسا بعضهما. وهكذا قيل عن القديس يوحنا كاما وزوجته اللذين زوَّجهما أبواهما دون رضائهما، وأرادا أن يعيشا في حياة البتولية، وعاشا فترة كإخوة حتى ترهَّب كلاهما. "إن هذا يفوق الطبيعة البشرية، أن ينام شابان بجانب بعضهما ولا تثور فيهما الطبيعة إلى الشهوة. ومن هو الذي يدنو من النار ولا يحترق." أما المرارة بطعمها المُرّ فتشير إلى الصليب الذي حمله طوبيت في مرضه. وفي رائحة المُرّ الجميلة إشارة لاحتمال طوبيت بشكرٍ. والله يسمح بالصليب لتنقيتنا. وهذا ما حدث لطوبيا. ولقد فهم طوبيا أن الآلام التي أصابته كانت لتأديبه وتنقيته (طو 11: 17). تَقدَّم طوبيا للزواج بها كمشورة الملاك، ووضع كبد السمكة وقلبها على جمر مبخرة في الحجرة فصعد منها دخان، فخرج الشيطان بالصلاة لله والبخور بلا رجعةٍ. * ليس لدى الشيطان الحرية أن يفعل أي شيءٍ ضد خدام الله الحيّ ما لم يسمح الربّ له، وإلاَّ يُطرد الشيطان نفسه بإيمان المختارين، ويظهرون أنهم منتصرون في التجربة، كما يظهر للعالم أن المُرتدِّين إلى الشيطان هم بالحقيقة خدامه. عندكم حالة أيوب الذي ما كان يمكن للشيطان أن يفعل معه شيئًا ما لم ينل سلطانًا من الله، ما كان يدخل به في تجربة، ولا يلمس ممتلكاته. ولم يكن للجيئون من الشياطين سلطان على قطيع الخنازير ما لم يطلبون هذا من الله (مت 8: 31-32)، فكم بالأكثر بالنسبة لسلطانهم على قطيع الله. العلامة ترتليان يرى البعض أن مصر العليا أو الأماكن العليا بمصر يُقصد بها المنطقة المكتظة بالمعابد الوثنية (مثل الأقصر وأسنا إلخ..)، وهي عبادة شيطانية. ويرى آخرون أنه يقصد المناطق الصحراوية أو الجبال المهجورة. اختيار هذا المكان يُقصَد به أماكن خالية وبعيدة عن ميديا، وكأنه هرب بلا عودةٍ. يتساءل: لماذا سمح الله بهروب الشيطان؟ ما حدث هنا يتناغم مع طرد السيد للشياطين لتسكن في الخنازير (مت 12: 24). جاء في كتابات رئيس أساقفة قيصرية أندرو في بدء القرن السابع: [جاء في إشعياء (إش 21: 13؛ 34: 13-14) بخصوص سقوط بابل أمام كورش وفارس أمرًا مشابهًا لما سبق أن قيل، حيث حُكِم عليها أن تكون مملوءة بالوحوش المفترسة والشياطين الشريرة بسبب دمارها التام لأنه من المعتاد أن تُعاقَب الوحوش والأرواح الشريرة بالوجود في أماكن صحراوية، وذلك كتدبير الله، حتى لا تُسَبِّب أذية للبشر لبغضهم لهم.] 2. الصلاة في المخدع وتقديس العلاقات الزوجية [4- 9] ولما أغلقوا عليهما الحجرة، قام طوبيا من الفراش، وقال: "قومي يا أختي، لنصلي فيرحمنا الرب" [4]. وبدأ طوبيا يصلي قائلاً: "مبارك أنت يا إله آبائنا، ومبارك هو اسمك القدوس والمجيد إلى كل الدهور. تباركك السماوات وكل خلائقك. [5] خلقت آدم وأعطيته حواء زوجة معينة وعضدًا له. ومنهما كانت ذرية البشر. قلت: "ليس جيد أن يكون الرجل وحده. لنعمل له عونًا مثله [6]. الآن يا رب آخذ أختي هذه كزوجة لي، ليس من أجل الشهوة، إنما في الحق. لتأمر كي تكون لي رحمتك وننمو معًا [7]. فقالت هي معه: "آمين" [8]. عندئذٍ نام الاثنان تلك الليلة [9]. * الله يرغب أن تُغلَق أبواب الذهن أفضل من غلق الأبواب. القديس يوحنا الذهبي الفم الأب إسحق دعا عروسه أخته، وواضح أن زواجه من سارة في الحق، أي في الربّ، وأنه لم يتزوجها من أجل التمتُّع بشهوات جسدية. لقد انتشر الفكر الغنوصي عند الوثنيين بل وقبله بعض اليهود وفيما بعد عند بعض المسيحيين. هذا الفكر يقوم أساسًا على نوعٍ من الثنائية، فيرون أن المادة شرّ، والروح صالحة، فيحسبون أن الله الصالح خالق الروح لا يمكن أن يخلق المادة خاصة الجسد. ويرى الغنوصيون أن الزواج شرّ، والعلاقة الجسدية بين الزوجين نوع من الدنس. كان أتباع ماني يعتبرون الزواج نجاسة ونوع من الزنا. لذلك في رسالة القديس أغسطينوس إلى فستوس Foustus الذي كان من أتباع ماني استخدم ما ورد في صلاة طوبيا أن إبراهيم لم يقل باطلاً عن سارة إنها أخته. * إنه مضيعة للوقت الرد على ملاحظة فستوس أن إبراهيم دعا سارة زوجته أخته [7]... نتعلَّم من الكتاب المقدس أن من بين القدامى كان من المعتاد دعوة أبناء العم والعمة إخوة وأخوات. هكذا يقول طوبيا في صلاته لله عن زوجته قبل أن يدخل في علاقة جسدية معها: "والآن يا ربّ ليس من أجل الشهوة اتخذت أختي هذه زوجة بل في سبيل الحق" (طو 8: 7). * لا توجد صعوبة في الامتناع (عن العلاقات الزوجية) ما لم توجد لذة الشهوة، بالتأكيد الذين أتحدث إليهم يعرفون أن الخلاعة مع الزوجة هو إفساد وانغماس في الشهوات، كما يظهر في صلاة طوبيا عند تزوج امرأته، إذ يقول: "مبارك أنت يا إله آبائنا، ومبارك هو اسمك المجيد إلى الأبد. لتباركك السماء وكل خليقتك. لقد خلقت آدم وأعطيته حواء زوجة له ومعينة... والآن أنت تعرف أنني لم آخذ أختي هذه للشهوة، بل بالحق. لهذا تحنن علينا يا ربّ" (راجع طو 8: 5-9) . القديس أغسطينوس أما رعوئيل فقام ومضى وحفر قبرًا، قائلاً: "ربما يموت هو أيضًا" [10]. عاد رعوئيل إلى بيته [11]، وقال لزوجته عدنا: "ابعثي إحدى الجواري لترى إن كان بالحق طوبيا حيًّا. وإلا ندفنه دون أن يعلم أحد [12]. مضت الجارية وفتحت الباب فوجدت الاثنين نائمين [13]. رجعت وأخبرتهما أنه حيّ [14]. شكّ رعوئيل في أن يتحدَّى طوبيا بروح الصلاة والثقة في إله المستحيلات أن ينتصر على الشيطان القاتل للرجال الغرباء السبعة الذين أرادوا الزواج بسارة، فحفر قبرًا لطوبيا، قائلاً: "ربما يموت هو أيضًا" [10] لقد اتَّسم رعوئيل بسماتٍ جميلة، لكنه سقط في ضعف الإيمان. لا نعجب من هذا، فقط سقط تلميذي عمواس اللذين تبعا ربنا يسوع وسمعا منه عن قيامته من الأموات، ومع هذا تشكَّكا في ذلك بعد أن رأته بعض النسوة وبعض التلاميذ. لهذا إذ ظهر لهما، قال أحدهما (كليوباس): "كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل. ولكن مع هذا كله اليوم له ثلاثة أيام منذ حدث ذلك، بل بعض النسوة حيرننا، إذ كن باكرًا عند القبر، ولما لم يجدن جسده أتين قائلات: إنهن رأين منظر ملائكة قالوا إنه حيّ" (لو 24: 21-13). 4. رعوئيل يُقَدِّم تسبحة شكر [15- 18] اكتشف رعوئيل ضعف إيمانه، إذ رجعت الجارية وأخبرته هو وزوجته أنه حيّ [14]. قَدَّم توبته بصورة رائعة، وذلك بالتسبيح لله واهب الحياة والقيامة، وجاءت تسبحته تُقَدِّم ذبيحة شكر على أعماله العجيبة. أولاً: شكر الله الذي وهبه أن يُسَبِّحه بحمدٍ خالصٍ مقدسٍ [15]. إنه يقدم للقدوس حمدًا من قلبه الذي يتقدس خلال تمتُّعِه بحضور القدوس فيه. لا نستطيع أن نُقَدِّم تسبحة مقدسة، ما لم يُقِم القدوس ملكوته فينا! ثانيًا: قدَّم هذه التسبحة في بيته حيث كان مع عدنا زوجته. لقد رفع قلبه إلى السماء، وشعر أنه واقف مع كل الطغمات السمائية، ومعه المختارون الذين يباركون الله، القديسون في كل الأجيال. إنه يقف أمام العريس السماوي كعضوٍ حيّ في الكنيسة العروس ومعها أصدقاء العريس، أي الملائكة. بقلبه المتسع يشعر وهو يُسَبِّح أنه يشترك مع السمائيين ومع كل القديسين منذ آدم إلى آخر الدهور، وأيضًا مع الخلائق غير العاقلة. ثالثًا: يعترف في تسبحته أنه كان مُحَارَبًا في فكره من عدو الخير، لكن الله وهب بهجة وتهليلاً عوض القلق والخوف وضعف الإيمان [16]. رابعًا: مع شعوره بشركته مع السمائيين في التسبيح، لا ينسى العروسين الوحيدين في الأسرتين، أسرة طوبيت وأسرة رعوئيل. طلب لهما المزيد من رحمة الله، وأن يكملا حياتهما في الربّ بصحة جيدة وبهجة قلب [17]. عندئذ بارك رعوئيل الله، قائلاً: "مبارك أنت يا الله بكل حمدٍ خالصٍ مقدسٍ. يطوبك قديسوك وكل خلائقك. كل ملائكتك ومختاريك يباركونك إلى كل الأجيال [15]. مبارك أنت إذ جعلتني مبتهجًا، ولم يصبني ما كنت أَتوقَّعه. بل بالحري عاملتنا حسب رحمتك الوفيرة [16]. مبارك أنت يا من رحمت الاثنين الوحيدين لنا. أظهر يا رب لهما رحمتك، وكمِّل حياتهما في صحة ٍ وبهجة ٍ ورحمةٍ [17]. ثم أمر غلمانه أن يردموا القبر [18]. اهتم رعوئيل أن يبارك الربّ لأجل رحمته الواسعة، إذ أبقى على حياة طوبيا. فرح رعوئيل إذ كان يخشى قتل طوبيا زوج ابنته كبقية الأزواج السبعة السابقين. رفع رعوئيل وحنة قلبيهما يشكران الرب على زواج ابنتهما ويطلبان للعروسين أن تحل بركة الرب عليهما. 5. حفل العُرس [19- 21] انطلق رعوئيل بقلبه المُسبِّح لله ليقوم بدوره من جهة العروسين: أولاً: ردم القبر [18]، حتى لا يتعثَّر العروسان بضعف إيمان رعوئيل. حسن للمؤمن أن يشعر بضعفاته ليسلك بروح التواضع والخشوع. لقد ردم على قبر ضعفاته، لتتهلل نفسه بالله مُخَلِّصه غافر الخطايا. الحديث عن الضعفات دون التطلُّع إلى المُخَلِّص قد يُسقِط الإنسان في اليأس، بل ويُعثِر الآخرين. ما دمنا نتمتَّع بالحياة المُقامة، فليس للموت موضع في قلوبنا أو عقولنا. ثانيًا: أراد أن يتمتَّع العروسان والأسرة والأصدقاء بحفلٍ دائم لمدة أربعة عشر يومًا. ثالثًا: لم ينتظر إلى يوم رحيل العروسين إلى نينوى، بل طلب من طوبيا أن يأخذ نصف ممتلكاته ويرحل إلى أبيه، والباقي يؤول إليه كميراث بعد موت رعوئيل وعدنا. بعد ذلك أقام لهما عرسًا لمدة أربعة عشر يومًا [19] وقبل انتهاء أيام العُرْسِ أقسم رعوئيل، وقال (لطوبيا) إنه لن يترك هذا الموضع حتى يبقى أيام العُرْس الأربعة عشر [20]. وبعد هذا يأخذ نصف ممتلكاته ويمضي بسلام إلى أبيه. وأما الباقي فسيؤول إليه بعد موته هو وزوجته" [21]. من وحي طوبيت 8 في حجال العُرْسِ السماوي * دخل طوبيا على سارة في حجال العُرْسِ. تذكَّر كلمات رافائيل ووضع بخورًا مع قلب السمكة وكبدها مع الصلوات.لم يحتمل الشيطان رائحة البخور فهرب بلا رجعةٍ. دعا طوبيا سارة لتقوم للصلاة معه، ونام الاثنان في سلامٍ عجيب. انشغل رعوئيل والد سارة بحفر قبرٍ لئلا يموت طوبيا مثل سابقيه، فيدفنه في الخفاء. أرسلت عدنا زوجته جارية لتطمئن على طوبيا، ففوجئت بالاثنين في نومٍ عميق! * عوض القلق بارك الربّ رعوئيل. طلب من السمائيين كما من القديسين وكل الخلائقأن يعزف كلٍ منهم على قيثارته الروحية مشتركًا في التسبيح لله. بفرحٍ وسرورٍ طلب رعوئيل أن يستمر الفرح أربعة عشر يومًا. لم يطلب العريس شيئًا من رعوئيل، إنما تقدَّم رعوئيل ليخبره بأنه سيُقَدِّم له كل ممتلكاته. أعطاه النصف، وأقامه وارثًا له بعد وفاته هو وعدنا زوجته. |
|