|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يأكلون شعب الله كالخبز أَلَمْ يَعْلَمْ فَاعِلُو الإِثْمِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ شَعْبِي كَمَا يَأْكُلُونَ الخُبْزَ، وَاللهَ لَمْ يَدْعُوا؟ [ع4] هنا المتحدث هو الله نفسه، الذي قدم للبشرية ما يشبع كل احتياجاتهم. خلق كل شيء على الأرض وتحت الأرض لينعم الإنسان به. وفوق الكل قدم لهم نفسه ليُشبع أعماقهم به وبحبه الفائق. لكن الإنسان في شره يود أن يأكل أخاه. وكما قيل في سفر إرميا "اسكب غضبك على الأمم التي لم تعرفك، وعلى العشائر التي لم تدعُ باسمك، لأنهم أكلوا يعقوب؛ أكلوه وأفنوه وأخربوا مسكنه" (إر 10: 25). كما قيل: "ابتهاجهم كما لأكل المسكين في الخفية" (حب 3: 14). "الذين يأكلون لحم شعبي، ويكشطون جلدهم عنهم، ويهشمون عظامهم" (مي 3: 3). ماذا يحدث بالنسبة للصالحين الذين يفترسهم الأشرار؟ يجيب القديس أغسطينوس: [هذا الشعب الذي يُفترس، هذا الشعب الذي يعاني من الأشرار، هذا الذي يئن ويتألم وسط الأشرار، الآن يصيرون أولاد الله عوض كونهم بني البشر؛ بهذا فقد افترسوا (كبني البشر).] وماذا بالنسبة للأشرار؟ كثيرًا ما يردد القديس أغسطينوس أن الذئاب البشرية إذ تفترس الحملان البشرية وتشرب دماءها، تتحول من ذئاب مفترسة إلى حملان وديعة، كما حدث مع شاول الطرسوسي. يود الأشرار أن يفترسوا الناس ويبتلعوهم على الدوام وبلا توقف، كما يأكلون الخبز يوميًا، لكنهم إذ يأكلونهم يصير بعضهم أبناء لله بقبولهم الإيمان وتمتعهم بالعماد. * يُلتهم هذا الشعب الذي يُعاني من الأشرار، هذا الذي يتنهد ويتوجع وسط الأشرار، بهذا يُلتهمون. القديس أغسطينوس إذ حاصر الأشوريون أورشليم لم يراعوا الله بل أهانوه، لذلك أرسل ملاكه يرعبهم (2 مل 18). الذي لا يدعو الله لأجل الله نفسه، وإنما لأجل أمورٍ زمنيةٍ، يفقد فرحه ببهجة الخلاص، وعوض السلام يحل الخوف بلا سبب حقيقي سوى حرمانه من الله مصدر السلام. * البعض يدعون، ولكنهم لا يدعون ذاك الذي يُقال عنه: "والله لم يدعوا" (مز 53: 4). إنهم يدعون، ولكن لا يدعون الله. إنك تدعو ما تحبه؛ تدعو ما تنجذب إليه. فإن كنت تدعو الله لهذا السبب، لكي يأتيك المال؛ أن تنال ميراثًا، أو أن تأتيك رتبة عالمية، فأنت تدعو هذه الأمور التي تشتهيها أن تأني إليك، وتجعل من الله معينًا لتحقيق شهواتك، لا أن يكون صاغيًا لاحتياجاتك. ماذا إذا رغبت في شيء شرير، أما يكون رحيمًا بك ولا يعطيك إياه. وعندما لا يعطيه لك يصير الله كلا شيء بالنسبة لك، وتقول: كم من المرات أنا صليت، كثيرًا ما صليت لكنه لا يسمع! * يليق بنا أن ندعو الله، فنسأله لا بركاته الزمنية، وإنما نطلبه لشخصه. ألا يدعو هؤلاء الله يوميًا؟ إنهم لا يدعون الله. تنبهوا، إن كنت أنا قادرًا أن أقول لكم بعون الله نفسه يلزم أن يُعبد الله مجانًا (وليس من أجل الخيرات)، ليُحب لأجل ذاته مجانًا، أي يُحب بنقاوة، لا ليعطي شيئًا ما، وإنما ليعطي ذاته. فمن يطلب الله أن يكون غائبًا لا يدعو الله. القديس أغسطينوس هُنَاكَ خَافُوا خَوْفًا، وَلَمْ يَكُنْ خَوْفٌ، لأَنَّ اللهَ قَدْ بَدَّدَ عِظَامَ مُحَاصِرِكَ. أَخْزَيْتَهُمْ، لأَنَّ اللهَ قَدْ رَفَضَهُمْ [ع5]. "أخزيتهم" إن كان الله يسمح للأشرار أن يضايقوا شعبه ومؤمنيه فإلى حين، لكن "الساكن في السماوات يضحك. الرب يستهزئ بهم. حينئذ يتكلم عليهم بغضبه ويرجفهم بغيظه" (مز 2: 4-5). وكما قال الرب على لسان إشعياء بخصوص سنحاريب ملك أشور: "من عيَّرت وجدَّفت؟ وعلى من هلَّيت صوتًا؟ وقد رفعت إلى العلاء عينيك؟ على قدوس إسرائيل؟ على يد رُسلك عيرت السيد، وقلت بكثرة مركباتي قد صعدن إلى علو الجبال... ولكني عالم بجلوسك وخروجك ودخولك وهيجانك عليَّ. لأن هيجانك عليَّ وعجرفتك قد صعدا إلى أذني. أضع خزامتي في أنفك، الطريق الذي جئت منه" (2 مل 19: 22-23، 27-28). كان الأشوريون مطمئنين وفي أمان، وإذا بالرعب يحلّ عليهم، ويَهلك منهم مئة وخمس وثمانون ألف جنديًا (2 مل 19: 35). لم يكن هناك ما يثير الخوف من السيد المسيح الذي جاء لكي يخلص العالم، لا ليقيم لنفسه مملكه زمنية، ومع ذلك ارتعب من هيرودس وخطط لقتله، وارتعبت منه القيادات اليهودية وطلبوا صلبه. يرى القديس أغسطينوس أن الذي يدعو الله لا يسقط في الرعب، حيث لا يوجد ما يسبب رعبًا حقيقيًا، إذ يقول: [هل يوجد خوف إن فقد إنسان الغنى؟ لا يوجد خوف، ومع ذلك يخاف البشر في هذه الحالة. ولكن إن فقد إنسان الحكمة، فبالأولى يوجد خوف، ومع هذا فهم لا يخافون... إنك تخاف لئلا ترد المال (الذي وهبك الله إياه)، وتريد أن تفقد الخلاص.] "لأن الله يبدد عظام الذين يُرضون الناس" [ع5] من لا يدعو الله يخاف حيث لا يلزم الخوف، لأنه يهتم أن يرضي جسده وشهواته والناس أيضًا لا الله، أما من يدعو الله، فلا يخاف أحدًا سوى الله الذي يطلب إرضاءه. الأول إذ يطلب إرضاء الناس يتحطم، ويفقد هيكله الروحي، وتتبدد عظامه. * يبدد الله عظام الذين يُرضون الناس (مز 53: 5). لا يقصد هنا بالعظام تلك الخاصة بالجسم، إذ لا يوجد مثل لشخصٍ تتبدد عظامه هكذا. إنما يقصد هنا قوة العقل والقلب هذه التي بها يستطيع الإنسان أن يمارس الصلاح. هذه القوى التي للنفس هي الغيرة التي تقود إلى المثابرة الجادة، والنضوج الروحي، والصبر، والاحتمال. هذه السمات يبددها الله عند الذين يُرضون الناس . * يبدد عظام الذين يرضون الناس... لأن الرغبة في إرضاء الناس هي دائمًا غذاء الكبرياء اللعين الذي يكرهه الله كما الناس، وهي رأس الكبرياء وجذوره. فمن يسقط ضحية هذا الهوى يشتهي الكرامة والمديح، وهذا أمر يبغضه الله، إذ يبغض المتكبرين، ولكنه يقبل المتواضع في فكره، ذاك الذي لا يطلب المجد؛ ويظهر له الرحمة. القديس كيرلس الكبير * يلزم (المؤمن) أن يقدم تشكرات لله المهوب الممجد، القدوس. ولا يمارس شيئًا بروح الجدال والمجد الباطل (في 2: 3)، وإنما من أجل مجد الله ومسرته. "فإن الله يبدد عظام الذين يسرون بالشر" (مز 53: 5). القديس باسيليوس الكبير * يحذرنا الرسول قائلًا: "لا نكن مُعجبين" (غل 5: 26). ويوبخ الرب الفريسيين قائلًا: "كيف تقدرون أن تؤمنوا، وأنتم تقبلون مجدًا بعضكم من بعضٍ، والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه؟!" (يو4: 44)وعن هؤلاء أيضًا يتكلم داود المبارك مهددًا: "بدد الرب عظام من يمالقون الناس" (مز 53: 5). * ينبغي على جندي المسيح الذي يرغب في أن يجاهد قانونيًا في هذه المعركة الروحية الحقيقية أن يجاهد بكافة الطرق لقهر هذا الكائن غير السوي المتقلب المتعدد الأشكال، هذا الذي حين يهاجمنا من كل جانب مثل شتى الشرور المتنوعة، نستطيع أن ننجو منه بعلاج كهذا: التفكير في قول داود: "بدد الرب عظام من يمالئون الناس" (مز 53: 5). في البداية يجب علينا ألاَّ نسمح لأنفسنا أن نعمل أيّ شيء بدافع من الغرور أو لإحراز أيّ مجد باطل. كذلك حين نكون قد بدأنا في شيء على نحو حسن، علينا أن نجاهد لتدعيمه بذات القدر من العناية، خشية أن يتسلل إلينا مرضالمجد الباطل، ويلاشي كل ثمار أتعابنا . القديس يوحنا كاسيان * إذا أردتَ ألاَّ يتعرّض لك أحدٌ، فتوسل إلى الله في الخفاء وصُم، فلن يؤذيك شيء. إذا قالت لك الشياطين أن تُرضي الناس فلا تقبل، واُذكر ما قاله الرب: "اِحترزوا من أن تصنعوا (أعمالكم الصالحة) قدام الناس، (بل) في الخفاء، فأبوكم الذي يرى في الخفاء هو يجازيكم علانيةً" (مت 6: 1-4). وإذا حرّضك الشيطان على أن تعمل على إرضاء الناس، اُنظر قول النبي: "سيُبدِّد الله عظام الذين يُرضون الناس، إنه سيُخزيهم، لأن الله يزدري بهم" (مز 53: 5 راجع الترجمة السبعينية)، وهو لا يستمع إلى صلاتهم، بل بالحري يسخط عليهم . أنبا ثيئوفيلس البطريرك * "فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يَرَوا أعمالكم الحسنة، ويمجدوا أباكم الذي في السماوات". لو قال: "فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة" فقط، لبدا كأنه جعل مديح الناس هدفًا، هذا الذي يطلبه الهراطقة وملتمسو الكرامات والمتهافتين على المجد الزائل. وقد قيل عن هذه الجماعات: "فلو كنت بعد أُرضي الناس لم أكن عبدًا للمسيح" (غل 1: 10)، ويقول النبي عن الذين أرضوا البشر "أخزيتهم، لأن الله قد رفضهم"، و"لأن الله قد بدد عظام الذين يرضون البشر"(مز 53: 5)، ويقول الرسول: "لأنكم مُعجبِين" (غل 5: 26)، كما يقول: "ولكن ليمتحن كلُّ واحدٍ عمله، وحينئذٍ يكون لهُ الفخر من جهة نفسهِ فقط، لا من جهة غيرهِ" (غل 6: 4). القديس أغسطينوس |
|