|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سأروي لكم مثل حكمةٍ: كان ثمة شيخاً جالساً أمام بابِ إحدى المدن، فاقترب منه ذات مرة أحد الرحالة وسأله: " أيَّة نوعٍ من الناس هم أهل هذه المدينة؟" فأجابه الشيخ بسؤال: " وأيَّة نوعٍ من الناس يقطنون هناك من حيثما أنت آتٍ؟" فأجابه الرحال: " آهٍ، يا لهم من أناسٍ رهيبين! إنهم أشرارٌ محبون للمشاجرة، لا يمكنك أن تتعايش معهم!" فقال له الشيخ حينئذٍ: " إنَّك لتجد في هذه المدينة نفس هؤلاء." هزَّ ذلك الرحال برأسه ومضى في طريقه. ولم تمر فترة طويلة حتى وقف غريبٌ آخر أمام باب المدينة ، فطرح على الشيخ السؤال ذاته. أجابه الشيخ مجدداً بالسؤال التالي: " وأيَّة نوعٍ من الناس يقطنون هناك من حيثما أنت آتٍ؟" فأجابه الغريب: "يا لهم من أشخاصٍ رائعين! إنَّهم طيِّبون ومحبُّون للصداقة والضيافة." فقال له الشيخ: "إنَّك ستلتقي هنا أيضاً بأشخاصٍ مثل أولئك." فدخل الغريب إلى المدينة بقلبٍ ينبض فرحاً. حينئذٍ سُئل الشيخ: " مَن، من الاثنين قلت له الحقيقة وأياهما كذبتَ عليه؟" فأجابهم الشيخ: " إنِّي قد أخبرتُ كلاًّ منهما بالحقيقة، فإنه يوجد داخل كلِّ إنسانٍ عالمٌ خاصٌّ به يحمله معه ذلك الإنسان أينما ذهب." تُخلق أقوالنا عالماً كاملاً من حولنا، فإنَّه لو كانت أقوالنا كلُّها حسنةً غدا العالم برمته من حولنا أحسن بكثيرٍ. وبالطبع، لا تؤثر الأقوال الّتي نتلفظ بها على علاقتنا مع الأقربين فحسب، بل وعلى صلاتنا وحياتنا الروحيَّة الباطنيَّة. إنَّه من الملاحظِ أنَّه لو قُلنا لقريبنا أقوالاً غير محبَّذة، فإنَّنا سنرى الجميع من حولنا على أنَّهم خطأةٌ. إنَّنا عندما نبتدئُ بتتبُّع أنفسنا ولا نسمح لنفسنا بأن نجرح أيَّة أحد حتى ولو بكلمةٍ واحدةٍ فإنَّنا نجد فجأةً بأنَّ جميع مَن حولنا هم ملائكةٌ صالحون ودعاءٌ ومحبون. لماذا يحدث هكذا؟ لأنه بالطبع، يستجيب أقرباؤنا على طيبة خاطرنا فتبيت قلوبهم مكشوفة بالنسبة لنا. كما يكتب القديس البار مكاريوس الكبير: "كلمة الكبرياء الشريرة تجعل حتى من الناس الصالحين أشراراً، أما الكلمة الطيبة والمتواضعة فتوجه حتى الأشرار منهم نحو الخير." عندما نجتهد على ألا نهين أحداً، فإنَّنا نحن أنفسنا نلين ونكتسب نظرةً طيبة غير قادرة على أن تدين أحداً. |
|