السؤال الذي يطرح نفسه الآن عن موسى :
ألم يكن قاتلًا!، بل نعرف أن عدد الذين قتلهم قبل توبته يصل إلى مئة شخص، أليس هو مجرمًا وسارقًا، فكيف يمر الأمر بهدوء دون عقوبة؟ ولماذا لم ينصحه الآباء برد ما سلبه مثلما فعل زكا العشار وغيره، ولقد اشتهر عنه سلبه للقوافل المارة على الطريق وجبروته في الانتقام، لدرجة أن اللصوص انتخبوه بالإجماع رئيسًا عليهم. والإجابة أنه لم يكن هناك شخص بعينه أساء إليه موسى وظلمه أو سلبه، ولكن الإجرام كان منهجًا له في حياته السابقة، كما أن توبته بلا شك تعد مكسبًا كبيرًا في حد ذاتها، إذ توقفت بموجبها سلسلة الجرائم والأذى، كما كان له في نفسه حكم الموت إذ كان متأكدًا أنه سيُقتل إتمامًا للقول الكتابي "أن الذين يأخذون بالسيف بالسيف يُؤخذون"، بل ويؤكد يوحنا كاسيان أنه كان دائمًا ينتظر الموت قتلًا بسبب ارتكابه هذه الجريمة سابقًا(6).
وبقدر ما شعر بطول أناة الله عليه ولطفه، بقدر ما صار هو ذاته طويل الأناة مترفقًا بالخطاة، كما يقول القديس بولس في رسالته إلى العبرانيين "لأنه فيما هو تألم مجربًا يقدر أن يعين المجربين أيضًا" (18:2).