|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يعقوب ولنا معه وقفة ليس بقليلة، لقد قابل الله يعقوب وهو في قمة خطيته وهروبه بعد سرقة البكورية، من المؤكد أنه لو تخيل ظهور الله له في تلك الحالة لتوقع العقاب، لكن العجيب أن الله تكلم بطريقة عكس كل التوقعات البشرية لشخص في هذه الحالة: وَرَاى حُلْما وَاذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الارْضِ وَرَاسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ وَهُوَذَا مَلائِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَاوَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا فَقَالَ: «انَا الرَّبُّ الَهُ ابْرَاهِيمَ ابِيكَ وَالَهُ اسْحَاقَ. الارْضُ الَّتِي انْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا اعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ.وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ الارْضِ وَتَمْتَدُّ غَرْبا وَشَرْقا وَشِمَالا وَجَنُوبا. وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الارْضِ.وَهَا انَا مَعَكَ وَاحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ وَارُدُّكَ الَى هَذِهِ الارْضِ لانِّي لا اتْرُكُكَ حَتَّى افْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ».(تك 28 : 12 – 15) ما قاله الله ليعقوب هو قمة إستعلان العهد الجديد، فكل كلمة قيلت له من فم الله محورها شخص الله نفسه، ووعده له أن يكسو ببره ويحفظه ويباركه، وما كان علي يعقوب إلا التصديق أن الله يقبله بخطيته ويكسوه ببره. فماذا كان رد فعل يعقوب؟ للأسف لم تستوعب طبيعته البشرية هذا القبول المجاني الغير مشروط، لقد تصرف يعقوب بغرابة جداً، ولم يقبل نعمة العهد الجديد المعروضة عليه، فأخذ نفس كلمات الرب التي تعد بعطية الحياة، وحورها ليجعلها مشروطة وصنع عهداً قديماً مبني علي ترقب الإنسان لبركة الرب بناء علي سلوكة ووعد الإنسان بتبعية الرب وإعطاء تقدمة بشروط . فَاسْتَيْقَظَ يَعْقُوبُ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «حَقّا انَّ الرَّبَّ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَانَا لَمْ اعْلَمْ!»وَخَافَ وَقَالَ: «مَا ارْهَبَ هَذَا الْمَكَانَ! مَا هَذَا الَّا بَيْتُ اللهِ وَهَذَا بَابُ السَّمَاءِ!»وَبَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ وَاخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي وَضَعَهُ تَحْتَ رَاسِهِ وَاقَامَهُ عَمُودا وَصَبَّ زَيْتا عَلَى رَاسِهِوَدَعَا اسْمَ ذَلِكَ الْمَكَانِ «بَيْتَ ايلَ». وَلَكِنِ اسْمُ الْمَدِينَةِ اوَّلا كَانَ لُوزَ.وَنَذَرَ يَعْقُوبُ نَذْرا قَائِلا: «انْ كَانَ اللهُ مَعِي وَحَفِظَنِي فِي هَذَا الطَّرِيقِ الَّذِي انَا سَائِرٌ فِيهِ وَاعْطَانِي خُبْزا لِاكُلَ وَثِيَابا لالْبِسَوَرَجَعْتُ بِسَلامٍ الَى بَيْتِ ابِي يَكُونُ الرَّبُّ لِي الَهاوَهَذَا الْحَجَرُ الَّذِي اقَمْتُهُ عَمُودا يَكُونُ بَيْتَ اللهِ وَكُلُّ مَا تُعْطِينِي فَانِّي اعَشِّرُهُ لَكَ». (تك 18 : 16 – 22) وهكذا، عاش تحت يعقوب ثقل العهد المشروط الذي وضعه هو، فكانت النتيجه الإمتلائ من الخطية والإحساس الدائم بانه لا يستحق البركة لفشله، مما أدي إلي حياة متوترة قلقة يعتمد فيها علي ذراعة بسبب كسره للوعد المشروط دوماً وإحساسة الداخلي أن الله سيكسر هو الأخر العهد!! إلي أن تقابل مع الرب وصارعة (تك 32 : 24)، وكسر حق فخذه، فطلب البركة المجانية ، فأخذ ما كان له في الرؤيا القديمة التي لم يفهمها واَعطي إسماً جديداً وبدأ عهداً جديداً. نجد في قصة إبراهيم ويعقوب وشعب الله أيام موسي سر عجيب جداً ومدهش، فالحقيقة المذهلة للنفس أن الله عنده عهد واحد فقط!! وهو عهد النعمة القائم علي بر الله الذي يكسو به الإنسان الخاطئ بالحب والمراحم ويبره ويعطيه مجاناً الحياة والحرية والنور، لكن الإنسان حتي الأمين، لايفهم ذلك بتلك البساطة والقوة، فيحول عينيه إلي نفسه بسبب طبيعته المتمحوره حول ذاته لينظر دخلها وينتظر أن تثمر براً وصلاحا، ويسقط من بر الله، ويخلق فهماً خاصاً للعهد كما فعل إبراهيم وسعي ليستحضر إسماعيل، وكما فعل يعقوب تماماً ووضع عهد مشروط لنعمة مجانية، وكما فعل شعب الله أيام موسي بعد أن تحرر بدم العهد إنساق لناموس يفعله بذاته بدلاً من الإلتصاق بالكلمة الحية في الوصية، الرابط المشترك في كل هذه القصص هو تحوير الإنسان لبر لله، ومع الوقت يصبح عنده عهداً قديماً مثقلاً للنفس تحت الإلتزام الخارج من الذات والمربوط بالبركة، أو كسر الوصية المربوط باللعنة، بينما الله أراد ومنذ البدء أن يعطيه الحياة في الوصية ليحيا تحت جناح الله ويكسوه الله ببره، وفي مراحم الرب وسابق علمه، يستخدم الرب ذلك التحوير البشري ليكون مؤدباُ لنفوسنا لكي يستعلن شخص المسيح كملئ إعلان البر الإلهي وتدبير عمل الله لقبول الخلاص المجاني القائم علي شخص الفادي فقط، فالله عنده عهد نعمة يسكو به الإنسان…لكن الإنسان تدريجياً يرتد للناموس…فيعيد الله إعلان النعمة. |
|