|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حكاية 7 ساعات غرزت فيها باخرة السياحة فى قلب النيل محاولات لنش المسطحات لإنقاذ الباخرة اهتزت الباخرة السياحية بعنف ثم سكنت تماماً، كان الوقت فجراً، والشمس لم تهبط للأرض بعد، والظلمة تسيطر على المكان، فلا يظهر أى شىء فى الأفق، وعلى الرغم من ذلك أدرك كل من فى الباخرة النيلية «Club vision» أن المركب قد تعرض لحادث ما، وإن لم يستطيعوا تحديده بالضبط، الوحيد الذى كان يعرف حقيقة ما حدث هو ريّس المركب، تسأله فيرد بقلق: «المركب شحط»، وعندما تستفسر أكثر عن معنى المصطلح، يقول بقلق أشد: «إحنا غرزنا فى الطين، ومحتاجين حد يجرنا عشان نطلع من الغرز». شمر الريّس عن ساعديه، وترك غرفة القيادة إلى شرفة الباخرة الخارجية، دار ولف ليستطلع الموقف ويحدد تفاصيله بدقة: المركب متوقف فى منتصف المسافة تماماً بين ضفتى النهر، على بعد أمتار قليلة للغاية من مدينة المنيا، لا أثر لمركب قادم، ولا مؤشر على ظهور أى وسيلة من أى نوع تجر المركب من مكانه. ينظر حوله فيجد عن يمينه لنشاً بحرياً صغيراً تابعاً لشرطة المسطحات المائية بداخله جنديان مكلفان بحراسة المركب، وعن يساره لنش آخر أكبر قليلاً تابع للإنقاذ النهرى بداخله غواصون ومتخصصون فى الإنقاذ بدورهم يصاحبون الباخرة منذ خرجت من مدينة أسوان تحسباً لوقوع أى مشكلة. غير أنه لا لنش المسطحات المائية، ولا لنش الإنقاذ النهرى بقادرين على سحب الباخرة الكبيرة التى غرزت تماماً فى الجزيرة الطميية بقلب النيل.
لا مهرب إذن من الاعتماد على الذات فى الخروج من المأزق، يبدأ ريّس الباخرة بمحاولة تشغيل الموتور الخلفى، فربما تستجيب الباخرة التى غرقت مقدمتها تماماً فى الطمى، تتكاثف سحابة سوداء فى مؤخرة المركب بفعل دوران الموتور «على الفاضى»، ثم لا نتيجة، محاولة أخرى لتشغيل الموتور الأمامى، دون أى استجابة من الباخرة. تمر الدقائق التى تتواصل لتصبح ساعتين كاملتين من الخامسة حتى السابعة صباحاً دون أن يظهر أى شىء فى الأفق، فجأة يتسلل صوت ضعيف فى البداية، يقوى شيئاً فشيئاً، وعندما يقترب تماماً يظهر للأنظار مصدره «دفّاع» أو «رفّاص» بلهجة المراكبية تابع لمصنع السكر بالحوامدية، وهو قادم من القاهرة فى طريقه للجنوب، محمل بكومة كبيرة من الرمال. مثل نجدة من السماء، تعلقت أنظار ركاب الباخرة بالقادم الجديد، هو وحده القادر على أن ينتشلهم من الطمى الذى غرزوا فيه، أو هكذا اعتقدوا، لذلك فقد نشط لنش المسطحات المائية الذى كان يصاحب الباخرة طوال الرحلة ليحمل رقم تليفون ريّس الدفّاع إلى ريّس المركب ليتمكنا من التفاوض معاً، خاصة بعد أن توقف الدفّاع بعيداً خوفاً من أن يغرز فى المنطقة الضحلة فيجد نفسه محتاجاً للنجدة بدلاً من أن ينجد الباخرة. يتصل ريّس الباخرة بريّس الدفّاع هاتفياً، ويكون صوته عالياً جداً للدرجة التى تجعل من السهولة سماع تفاصيل المكالمة بوضوح، يبدأ: «صلى ع النبى، هنبعت لك حبل حديد، واير يعنى، تربطه عندك وتسحبنا»، يتوقف قليلاً ريثما يأتيه الرد، ثم يعاود: «طلعنا بس الأول وخد اللى أنت عايزه»، فترة صمت يسمع فيها الطرف الثانى: «لا يا ريّس خمستلاف جنيه كتير، إحنا مش هاندفع غير ألف ونص»، صمت لسماع الرد ثم: «آخر حاجة عندنا ألفين جنيه تاخدهم أهلاً وسهلاً، ما تاخدهمش اتفضل بسلامة الله وإحنا لينا رب»، صمت قصير ثم صوت ريّس الباخرة يرتفع: «روح يا عم اتوكل على الله، إحنا اتفضحنا واللى كان كان، وانت ربنا يسترها وياك». وكأنما عز على ضابط الشرطة الموجود فى لنش المسطحات المائية أن تفشل المفاوضات بين الطرفين، فيتحرك فى رحلات مكوكية بين الباخرة والدفّاع فى محاولة لتقريب وجهات النظر، وفى النهاية يتمكن من إقناع ريّس الوابور بالموافقة على مبلغ الألفى جنيه مقابل أن يجر الباخرة السياحية بمن عليها من الركاب لأمتار قليلة خارج الجزيرة الطينية. تبدأ إجراءات الإنقاذ: الوابور يقف على بعد مسافة تقترب من العشرة أمتار، وعلى ظهره عماله وريّسه وبحار من بحارة الباخرة السياحية للمساعدة، يلقى بحارة الباخرة حبلاً لعمال الوابور حتى يربطوه عندهم ويبدأوا فى سحب الباخرة، بعد معاناة ومشقة، ينجح العمال فى التقاط الحبل الحديدى أو «الواير» من النهر ويربطونه فى وابورهم ويتحركون، يعلو صوت ريّس الباخرة: «واحدة واحدة يا ريّس»، لا يبدو على الريّس أنه سمع شيئاً لأنه تحرك فجأة ساحباً الباخرة، فانقطع السلك الحديدى وسقط فى وسط المياه. مرة أخرى مشقة ومعاناة حتى يتم التقاط الحبل الذى لم يعد يصلح، يغيب أحد البحارة داخل فتحة فى قلب الباخرة، ويصعد حاملاً على كتفه واير آخر يتحرك به فى اتجاه مؤخرة الباخرة، يقترب الوابور قليلاً فى حذر وخوف من الانغراز فى الطين إلى جوار الباخرة، يستخدم أحد العمال على ظهر الوابور عصا طويلة يسمونها «مدراة» ليقيس بها عمق المياه قبل أن يقترب من الباخرة، وعند مسافة معينة يقف العمال فى انتظار التقاط الحبل الحديدى الثانى، ويلتقطونه بالفعل، وبعد الربط يقوم أفراد البحرية الموجودون على لنش الإنقاذ النهرى بمحاولة لتذويب الطمى أسفل الباخرة عن طريق توجيه رشاش مندفع من المياه إلى أسفل الباخرة، مع دوران موتورها الخلفى، يستمر اندفاع المياه، ودوران الموتور دون أى نتيجة ملموسة، فتتعلق الأنظار بالمخلص الوحيد «دفّاع شركة السكر». لا يمض وقت طويل حتى يظهر ضابط المسطحات البحرية على لنشه، يهتف بصوت عالٍ مخاطباً ريّس الباخرة «جبت لك معايا دفّاع تانى عشان يشد مع الأولانى، ينضم الوابور الآخر فعلاً إلى الوابور الأول، وينتظران إشارة البدء ليحركا الباخرة من شركها، وكما انقطع الواير الأول، انقطع الواير الثانى، وانقطع معه أمل ركاب الباخرة فى التخلص من أسر الجزيرة الطميية الموجودة داخل النهر. لا تكف الساعة عن الدوران، سريعاً ينتصف النهار مع حلول الثانية عشرة ظهراً والوضع كما هو، فجأة تظهر «كراكة» مكتوب عليها اسمها «بدرة» كانت تنظف المجرى المائى على بعد أمتار قليلة، يطلب منها ضباط الشرطة الذين بدأوا فى التوافد على المركب من مدينة المنيا أن تقترب وتساعد فى شد الباخرة، يتقدم سائقها بالفعل ويربط حبلين فى مؤخرة المركب، وبجذبة واحدة تتحرك من مكانها بعد أن ظلت غارقة فى الطمى لأكثر من سبع ساعات. الوطن |
|