|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تطور الموقف داخل الكنيسة الغربية انتابت الكنيسة الغربية الكثير من التطورات خلال العصور الوسطي، وكان أهم مظهرين لهذه التطورات: أ- ظهور البابوية ب- انفصال كنيسة روما عن كنيسة القسطنطينية أولًا: هناك عوامل أدت إلى ظهور البابوية كقوة واضحة وقوية ناوأت الإمبراطورية ذاتها منها: 1- انه فيما بين 400، 868 لم تقم في غرب أوروبا حكومة مدنية قوية يحسب لها حساب، وهذه الفترة هي التي عانت فيها أوروبا الغربية الكثير من غزو البرابرة أولًا ثم هجمات العرب، وبعد موت الإمبراطور شارلمان وتقسيم الإمبراطورية لم يعد في أوروبا كلها حاكم له ثقله. وفي هذه الفترة، نجد أنه في روما التي كانت مركز السلطة وعاصمة الإمبراطورية كان الأسقف يمارس اختصاصات الحاكم السياسي بالإضافة إلى رئاسته الدينية، كما أنه منذ وفاة شارلمان عملت الكنيسة على تحرير نفسها من سلطة الأباطرة وظهرت البابوية كقوة تنحي لها الجباة، إذ كان البابا ينكر على الأباطرة أي تتويج لهم لم يمارسه البابا، إذا للبابا الحق في تتويج الأباطرة وإلا اعتبر التتويج باطلًا، كما حدث أيام تتويج الإمبراطور لويس التقي عندما لم يعترف البابا بتتويج أبيه له أعاد هو تتويجه في عام 816، وما فعلة البابا اغريغوريوس الرابع 833 Pope Gregory IV من إعلانه في شكل أمر للأباطرة مستقبلًا أنه يجب ألا تنسوا أن الحكومة الروحية التي يهيمن عليها البابا أعلى قدرًا من السلطة الإمبراطورية التي لا تعدوا أن تكون زمنية ومؤقتة. والتقط الباباوات هذا الخيط ونسجوا علية حقوقًا كثيرة وتأكيدات عديدة على أن حقهم أكثر من الإمبراطور حتى في إدارة البلاد، وفي هذا قال البابا نيقولا الأول أن الإمبراطورية الرومانية لا تكون إلا حيث يريد البابا. ولم يشأ أن يعترف بأن الإمبراطور البيزنطي إمبراطور رومانيًا وكان هذا بداية انشقاق بين الكرسيين القسطنطيني والروماني. ووصل الأمر بهذا البابا إلى إعلانه الواضح "أن الحاكم الذي لا يطيع أوامر الكنيسة الرومانية وتعليماتها يعتبر عاصيا، ويستحق اللعنة والحرمان". ثم جاء تتويج الإمبراطور شارل الثاني إمبراطور وقت البابا يوحنا الثامن Pope John VIII سنة 875 ليؤكد أن الإمبراطور صنعة البابا وربيبة، وأعلن أن البابا عندما توجه إنما عبر عن إرادة الله في التفضل علية بهذا التشريف " ومنحة " التاج الإمبراطوري. على أنه إذا كانت الكنيسة قد أخذت تسعي خلال سنوات الفوضى التي عمت أوروبا في القرن التاسع للتحرر من سلطة الدولة بدأ أمرا غير عملي في ظل النظام الإقطاعي. هذا في الوقت الذي لم تجد البابوية أمامها سابقة تستند إليها في تأكيد سيادتها على الملوك من جهة وعلي بقية رجال الكنيسة من جهة أخرى، وهنا لجأ رجال الكنيسة إلي التزييف والتزوير لاختلاق سوابق تستند إليها البابوية في تحقيق أهدافها. وهناك وثيقتين زورهما رجال الكنيسة لتحقيق أغراضهم ومبادئهم الأولي: وتسمي هبة قسطنطين Donation of Constantine ، والغرض منها إثبات سلطه البابوية السياسية وسيادتها على الغرب الأوروبي، وهذه الوثيقة المزورة عبارة عن مرسوم قيل أن الإمبراطور قسطنطين أصدره عندما انشأ القسطنطينية، وتنازل بمقتضاه للبابوية عن روما، بل عن كل أراضى الإمبراطورية الغربية. ويبدو أن هذه الوثيقة زورت في القرن الثامن من بعد أن منح الإمبراطور بيبين الأول (القصير) البابا سلطة سياسية في أراضى إيطاليا عام 755، فأراد رجال الكنيسة عندئذ أن يحيطوا هذا بجو من الشرعية التقليدية التي تثبت أن حق البابوية في مباشرة السلطة الزمنية قديم يرجع إلى أيام قسطنطين الكبير نفسه، ورغم ما شاب هذه الوثيقة من إشاعات وتزوير فقد استمرت البابوية تعتمد عليها، وتتخذها أساسا لسلطانها السياسي على الشعب حتى اكتشفت تزويرها عام 1439 في عصر النهضة الإيطالية. أما الوثيقة الثانية فظهرت حوالي 850-857 واسمها "الأحكام البابوية المزورة forged decretals“ وتنسب إلى شخص وهمي هو ايسيدور، وان كان لا يمكن القول برأي قاطع في حقيقية نشأتها، وكل ما هناك أنه يبدو زورت في روما نفسها وكان الهدف الأساسي من وضعها خدمة مصالح الأساقفة المحليين من جهة والبابوية من جهة أخري، لأنها ترمي إلى إضعاف سيطرة رؤساء الأساقفة على الأساقفة وفي نفس الوقت تعمل على إعلاء شأن البابوية وتضخيم نفوذها. ومن هذه الأسس بدأ الأساقفة يتجاهلون رؤسائهم ويلجأون إلى البابوية لأنصافهم. - أين كان الشعب في هذه المعارك؟ أن الخوف الذي زوره الباباوات كما رأينا وجعلوا منه سيفًا مسلطًا على رقاب الأباطرة والأساقفة، والحرب بين الأساقفة ورؤسائهم، كل هذا كان في حاجة إلى تغيب الشعب عن التدخل فيها. فكانت الجماهير رغم هذا تنظر إلي الإكليروس الغربي نظرة ليس ملؤها الاحترام فقط بل والتقديس أيضا، وخاصة وقد أعلن الباباوات عصمتهم من الخطأ وأنهم خلفاء الرسل والتلاميذ. والشعب ينظر إليهم كرجال البر والتقوى، في وقت كان معظم الحكام تتحكم فيهم أهوائهم وتستعبدهم شهواتهم، فمثلًا نجد أن البابا نيقولاوس الأول (858- 867) يستغل خطيئة الإمبراطور في منطقة اللورين شرقي فرنسا يهجر زوجته ويقترن بأخرى بأذن من رئيس الأساقفة مملكته، فيجد البابا في هذا تصرفات مشينة لا يليق حتى بأخلاقيات العامة، فيبطل هذا الأذن وهذا الزواج ويرغمه على طرد زوجته الثانية، ليعيد إليه زوجته الأولى، ويدخل في صراع مع الأسقف الذي أذن له بهذا. وهكذا تري أن البابا مثل سلطانًا أعظم من سلطة الملوك والأباطرة، وأعلن أن هذا السلطان هو القانون الأخلاقي. - كما استغل الباباوات فرصة الخراب الشامل الذي ساد أوروبا في بداية العصور الوسطي، وأصبح الناس في حاجة إلى من يضمد لهم جراحهم فلجأوا إلى الجانب الديني أكثر من السلطة السياسية التي أثبتت فشلها آنذاك. - كما أن الإرساليات الدينية التي أرسلها الباباوات للتبشير بالمسيحية في أوروبا، لعبت دورًا كبيرًا في توسيع نفوذ الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، لأن كل إقليم كسبته البعثات التبشيرية كانت كسبًا لبابا روما وتوسيعًا لدائرة نفوذه، كما رأينا في بونيفاس وغيره. - كان لانتشار الإسلام أثره في توثيق الصلة بين البابوية والكنائس، لأنه في بلاد الشرق التي خضعت للخلفاء المسلمين نال الكنائس فيها كثيرًا من الظلم في حين أن كنائس الغرب كانت بعيده عن هذا فنالها ما نال من الباباوات. - من العوامل التي ساعدت أيضًا على ازدهار البابوية، امتلاك الباباوات للكثير من الإقطاعيات التي اقطعها إياها الأباطرة، فكان للباباوات جيوش في تلك المقاطعات، كما أنهم فرضوا على سكانها الضرائب، تمامًا كما كانت تفعل الحكومات المدينة، وقد ظل الباباوات يحكمون تلك المقاطعات حتى عام 1870. |
|