|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عِيد البِشارة:++ " المجدُ لله في العلى وعَلى الأرضِ السَّلام وفي النّاسِ المسَرّة ". " عَظيم هُو سِرّ التّقوى، الله ظهَر في الجسَد "{ تيموتاوس الأولى 16 : 3}. يسُوع المسِيح الإله يتجَسّد مِن العَذراء مَريم. وبهذا فإنَّ الهوّة التي كانَت تفصِل بين السّماء والأرض رُدمت بتَجسّد الإله، ووُجِدت في شَخْص المخلّص مبدأ وحْدتها كما يقول الذهبي الفَم { في تفسِير أفسُس }. وبِتجسّده تَوحّدت الطبيعتان الإلهيّة والأنسانيّة بِلا اختِلاط ولا أنقِسام، فالمولود كلّه إله وَكلّه أنسان وهُو ربّ الكلّ. ولقَد عبّر الرسُول بولس عَن هذِه الحقيقَة بِقوله:" أنَّه فيه خُلِق الكلّ، ما في السّموات وَما في الأرْض، ما يُرى وَما لا يُرى، سِواء كان عروشًا أو سِيادات أو رياسات أو سلْطات، الكلّ به وَله قَد خلق" {كولوسي 1 :16}. ويقُول أيضًا: " فليكُن فيكُم هذا الفِكر، الذي في المسِيح يسوع أيضًا، الذي إذ كان صُورة الله لم يحْسب خلسَة أن يكون مُعادلا لله، لكنّه أخْلى نفسَه آخذا صُورة عَبد صائرا في شبه الناس، وإذ وُجد في الهيئَة كانْسان وضَع نفْسه وأطاع حتَّى الموت مَوت الصّليب " { فيلبي 8_5 : 2 }، فالله الحقّ اتّخذ بتَجسّده صُورة البشَر، فَصار أيضًا أنسانا حقّا وفي اتّخاذه الهيئة كانسان أبرَز تواضعه بتأنّسه، فأخْلى ذاته متخلّيا عَن ظواهر العظَمة وعاش فقِيرا مضطهدًا ومطاردًا حتَّى الموت عَلى الصَّليب. البشارة: ”لأنّه ليْس شَيء غَير ممْكن لدى الله": { أرجو من القارئ الكريم أنْ يراجِع المواضيع التّالية: نسَب المسَيح، إخْوة الربّ، سرّ التَّجسّد وابن البشَر. في كتابِنا: دِراسات مَسيحيّة الجزء الأوّل، حتى تكون الفائدة أعم وأشْمَل }. يقول الإنجيل:{ لوقا 38_26 :1 } 26:" وفي الشّهر السادس أُرسِل جبرائيل الملاك من الله إلى مَدينة من الجليل اسمها ناصِرة". 27: " إلى عذراء مخْطوبة لرَجل من بيْت داود، اسمه يوسف واسْم العذراء مَريم ". 28 : فدَخَل إليها الملاك فَقال:" سَلامٌ لك أيّتها المنْعم عَليها، الرَّبّ مَعكِ، مُباركة أنتِ في النّساء". 29:" فلمّا رأته اضطربت من كلامِه وفكّرت ما عَسى أن تكون هذِه التَّحيّة". 30 : فقال لها الملاك:" لا تَخافي يامريم، لأنّك قد وجدت نعمة عند الله". 31 :" وها أنتِ ستحْبلين وتلِدين ابنا، وتسَمّينه يسوع،" 32 :" وهذا يَكون عظيما، وابن العَلي يدْعى، ويعْطيه الربّ الإله كرْسي داود أبيه،" 33:" ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكُون لملكِه نهاية" 34:" فقالت مَريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لا أعرِف رجلا ؟" 35 :" فأجاب الملاك وقالَ لها:" الرّوح القدُس يَحلّ عَليك وقُدرة العليّ تظلّلك. فلذلك أيضًا القدّوس المولُود منْك يدْعى ابن الله" 36:" وهذه إليصابات نسِيبتك هِي أيضًا حبْلى بابن في شَيخوختها. وَهذا هُو الشّهر السّادس لتلك المدْعوّة عاقرًا" 37:" لأنَّه ليس شَيء غير ممْكن لدى الله" 38: فقالت مريم " هوذا أنا أمَة الربّ، ليكن لي كقَولك ". فمَضى مِن عنْدها الملاك ". خُطوبَة مَريم: في الشّهر السّادِس مِن حمل إليصابات امْرأة زكريّا بابنها يوحنّا المعمدأن، أرسل الله الملاك جبرائيل { أحَد رؤساء الملائِكة، ومعناه قوة الله_ גברי_ אל_ ومعْنى كَلمة ملاك _ מלאך_ رَسول}. إلى مدينة النّاصرة الجليليّة قاصدًا بيتًا خاصًّا، تسكنه عذراء طهور مخْطوبة، اسمها مريم، ليبلّغها رسالة خاصّة من الله ليعلن ميلاد المسيح. ويعلّل أوريجأنوس { أحد آباء الكنيسة 185 _254 } أمْر خطوبة مريم لرجل، بأمْر وجود الخاطِب، أو رَجل مَريم، لنَزع كلّ شكّ من جهَتها عندَما تظهَر عَلامات الحمل عَليها. أما القدّيس امبروسيوس { 260_339 } فيقول أنّ سبب الخطوبة ربّما لكي لا يُظن أنها زانية. مِن بَيت داود: أن عبارة " من بيت داود"، الواردة في عدد {33} تشْمل مريم ويوسف معًا. لأنَّ مريم العذراء هِي أيضًا من بيت داود كيوسف، وهذا ما تؤكّده جداول النّسب في إنجيل متّى { الإصْحاح الأوَّل } وإنجيل لوقا { الإصحاح الثّالث} { راجع أيضًا رومية 11 :3 وثيموثاوس الثانية 11 :2 وعبرانيّين 14 :7 } ويؤيّد هذا العددان 32 و 69 " وأقام لنا قرن خَلاص مِن بيْت داود " فلو لم تكن مَريم مِن بيت داود أيضًا، كيوسف خَطيبها، لحصَلت مفارقة أسَاسيّة بالنسْبة لمريم، إذ سَيكون عنْدها، معْنى عبارة " داود" {عدد33 } أن المسيح سيكون ابنا ليوسف سَليل داود، ولكن المسيح هو " ابن العلي"، أي " ابن الله " {عدد 32 } ومريم لم تعْرف رجلا {عدد 34 } فخَطيبها لم يَعرفها. وتصْريح مريم بأنَّها " لا تعرف رجُلا بيّن لنا أنَّها تعْرف أن ما يُبشّرها به الملاك أمْر يَستحيل بشريًّا، وهكذا يظهر إيمان مَريم سيّما وأنّها كانَت مُكرّسة لله، ونذَرت بتوليّتها له، ويقُول القدّيس إمبروسيوس: لم ترفُض مَريم الإيمان بكَلام الملاك أو أنَّها اعتَذرت عَن قبوله، بل أنها أبدَت استعدادها لقبوله وعبارة " كيف يكون هذا "{ عدد 34 } لا تَنم عَن الشّك بالأمر قط، فهِي لم تشكّك في الإعْلان الإلهي، بل كان ذلِك تساؤلا عَن كيفيّة إتمام الأمر، وذلك في إطار حرصها على الوفاء بنذْرها والثبات فيه. وقد صان الله نذرها هذا بالولادة البتولية وقد تحقّق الحمل في أحشائها بالرّوح القدُس وهي مخطوبة ليوسف النجّار. ولو لمْ تكن مَريم مخطوبة، وبان حملها لكان مصيرها الرّجم حتى الموت حسَب الشريعة اليهودية { تثنية 23 و22 : 21 }، وقد برّ بها يوسف بعد أن أكّد لَه الملاك سرّ حَبلها بالمسِيح المخلِّص. أينَ تمّت البِشارة: بشارة العذراء مريم تمّت في مَدينة الناصرة في البيت كَما جاء في إنجيل لوقا {28 :1 } فالقدّيس لوقا لم يبيّن أي "بيت" هل بيْت العذراء والدِة الإله أم بيت خطيبها يوسُف النَّجار. وفي الناصِرة اليوم كنيستان إحداهما تابعة لطائفة الروم الأورثوذكس والثانية لطائفة الفرنسيسكان، تعرفان بكنيستَي " البشارة "، فَفي أيّهما تمّت بِشارة العَذراء؟ وجواب هذا التّساؤل نَجده في بعْض الأناجيل غير القانونيَّة { الأبوكريفا_ المنحولة}. التي يَقول عنها مؤرّخ الكنيسَة الأوّل يوسابيوس القيْصري { 264 _ 340 } في كتابِه الموسوم " تارِيخ الكنيسَة "، بأن آباء الكنيسة لم يجدوا بأن هذه " الأناجِيل" تَستحقّ الإشارة إليها في كتاباتهم لأنّها من مصنّفات الهراطقة التي يجِب نبذها، وبالرّغم من هذا وبِناء على ما ورد في بعْضها نسْتطيع أن نتعرّف على مكان البِشارة وإيضاح الخلاف القائِم في تقاليد الطّوائف المسيحيّة، إذ يظهر أنّ العذراء مَريم بُشّرت مرّتين الأولى في "عين العذراء" والثّانية في بيت خطيبها " يوسف النجّار". جاء في أنجيل يعقوب المنحول 21 : في أحَد الأيَّام حين نزلت العذراء مَريم إلى العين لانتشال الماء كعادَتها ظهَر لها الملاك جبرائيل وبارَكها، فأصابها خَوف شَديد فسارعت بالرّجوع إلى بيتها فظَهر لها الملاك ثانيَة وكرّر بشارتها. وجاء في إنجيل متّى المنحول: أنَّ الملاك ظهَر لمريم العذراء أوَّل مرّة حِين كانت لوحدِها بالقرب مِن البئْر، وجاء أيضًا في هذا السِّفر أن الطّفل يسوع كان يرافق أمّه إلى العين في مُساعدتها لنَشل الماء. أما إنجيل توما المنحول فيقول: أنّ البشارة تمّت عنْد العين، ولكِن العذْراء مريم لم ترَ الملاك جُبرائيل بل سَمعت صَوته. وبعد ذلك ظهر لها في بَيت خطيبها يوسُف النجّار وهناك بارَكها وبشّرها. وفوق " عين العذراء" تقوم اليوم " كنيسَة البشارة " للروم الأرثوذكس التي بُنيت في عهْد ظاهر العمر{ 1750 م} على خرائب كنيسة قديمة من العهد البيزنطي ويظهر عَلى الإيقونسطاس التاريخ 1767 . وفي سنة 1620 م بمساعدة الأمير فخر الدّين المعني الكَبير بنى الفرنسيسكان كنيسة البشارة على آثار ما يُعتقد أنه بيت يوسف النّجَّار، وفي سنة 1969 م تمّ تدشين كنيسة البشارة الحديثة القائمَة حاليًّا. تحيّة الملاك لمرْيم: حيّا الملاك مريم بأن ألقى عليها السلام ذاكرا لها مقامها في نظر الله " أيتها المنعم عليها " { أو أيتها الممتلئة نعمة " كما وردت هذه العبارة في التّرجمة السبعينيّة للعهد القديم، وترجَمها هكذا أيضًا ايرونيموس في الفولغاتا} وَهي عِبارة تقال للمؤمنين المقبولين لدى الله { افسس 6 : 1 }. تضمَّن سلام الملاك النعمة " أيتها الممتلئة نعمة " والبركة " مباركة أنت في النساء" والشَّركة مَع الله " الرب معك " ولكن مريم خافت واضطربت لمّا رأت الملاك وسمِعت كَلامه وفكّرت ما عَسى أن تكون هذه التحيّة. هدّأ الملاك روعها مخاطبا إيّاها باسمها " يا مريم " وأكّد لها رضى الله عنها، وأنعامه عليها " لأنّك قد وجدت نعمة عند الله " وشجّعها " لا تخافي يا مَريم"، وبشّرها بالوعد الإلهي" وها أنْت ستحبلين وتَلدين ابنا وتُسمّينه يسوع{ ישוע _ المخلِّص } وسَيكون عظيما في نسْبته إلى الله _" ابن العلي" وأنّه سيملك وليس لملكه نهاية فالمسيح هو" بهاء ومجد الله ورسم جوهر الله " وهذا ما عبّر عنه المسيح بقوله أنا والآب واحد " " ومن رآني فقد رأى الآب " فالمسيح هو الذي " منه وبه وله كلّ الأشياء". صدّقت مريم ولم تشكّ في كلام الملاك ولكنّها طَلبت إيضاحًا: " كَيف يَكون هذا وأنا لَست أعرف رجلا " ؟ وكان جوابًا ساميًا بليغًا عميقًا في إيضاحه هذا السرّ العظيم، فأجاب الملاك وقال لها:" الروح القدُس يحلّ عليك وقوّة العلي تظلّلك" " والقدّوس المولود منْك يدعى ابن الله " { القدّوس كلمة عبرية تعني الطاهر المكرّس إلى الله، وفي العربية كلمَة " قدّوس " تعبير يخصّ الله وحْده أمّا المؤمِن فهو قدّيس }. فالمسِيح في خدْمته عَلى الأرض تمّم إرادة الله في الفداء، فأطاع وقبل الموت موت الصليب. لم تطلب مريم من الملاك علامة بل اكتفت بقوله، ولكن الملاك قدّم لها دليلين: أحدهما مادي " وهذه هي إليصابات نَسيبتك هي أيضًا حبلى بابن في شيخوخَتها، وهذا هو الشّهر السَّادس لتلك المدعوّة عاقرًا ". والثَّاني معْنوي يَستند إلى الله الذي لا يَستحيل عَليه شيء " لأنَّه ليس شيء غَير ممكن لدى الله". أيقنت مَريم أن في الأمر افتقادا خاصّا لها مِن الله، سَتكون أمّا لمخلِّص العالم فأجابَت مريم الملاك جَوابا فيه اتّضاع وتَسليم لإرادة الله إذ قالت :" هوذا أنا أمَة الربّ، ليكُن لي كقولك " وبعد أنْ أتمّ الملاك رسالته " مضى من عندها ". زيارة مريم لإليصابات لتهنئتها: يقول الإنجيل:{ لوقا 52_ 39 : 1 }. 39 :" فقامت مريم في تلك الأيّام وذَهبت بسرعة إلى الجِبال، إلى مدينة يهوذا". 40 :" ودخلت بيت زكريا وسلّمت على إليصَابات". 41:" فلمّا سمعت إليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت إليصابات من الرّوح القدُس". 42 :" وصرخت بصوت عظيم وقالت: مباركة أنت في النساء، ومباركة هي ثمّرة بطنك". 43 :" من أين لي هذا أن تأتي امّ ربي إليّ " ؟. 44 :" فهوذا حيث صار صوت سلامك في أذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني" 45 :" فطوبى للتي آمنت أنْ يتمّ ما قِيل لها مِن قِبَل الربّ". نَشِيدُ مَرْيم: 46 :" فقالَت مَريم: تعظّم نفسي الرَّب"{ אמרה מרים : רוממה נפשי את יהוה }. 47 :" وتبتهج روحي بالله مخلّصي"{ ותגל רוחי באלוהי ישעי }. 48:"لأنه نظر إلى تواضع أمَته، فها منْذ الأن تطوّبني جّميع الأجيال"{ אשר ראה בעוני אמתו כי הנה מעתה כל הדורות יאשרוני}. 49 :" لأنَّ القَدير صَنع بي عَظائم وقدّوس اسمه" { כי גדולות עשה לי שדי וקדוש שמו }. 50 :" ورحْمته إلى جيل وجِيل للذين يتّقونه" {וחסדו לדור דורים על יראיו}. 51 :" صَنع عزّا بساعده وشتّت المتكبّرين بذِهن قلوبهم" {גבורות עשה בזרועו פזר גאים במזימות לבבם }. 52 :" حطّ المقتدرين عن الكراسي ورفع المتواضعين" { הרס נציבים מכסאותם וירם שפלים }. 53 :" أشبع الجياع من الخيرات والأغْنياء أرْسلهم فارغين " { רעבים מילא טוב ועשירים שילח ריקם }. 54 :"عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمته" { תמך בישראל עבדו לזכור את רחמיו }. 55:"كما قال لأبينا إبراهيم ونسله إلى الأبد" { כאשר דבר אל אבותינו לאברהם ולזרעו עד עולם }. 56 :"ومكثت مرْيم عنْدها نحْو ثلاثة أشهر ثمّ رجعت إلى بيتها". في تلك الأيّام قامت مرْيم وذهبت مسْرعة إلى مدينة جبليّة في اليهودية { هي على الأرجح، مدينة " عين كارم " الحاليّة التي تقع على بعد 6 كم جنوب غرب أورشليم }. تحقيقا لكلام الملاك لها عن إليصابات فدخلت بيْت زكَريّا للقاء إليصابات لتقاسمها السرور الذي يملأ قلبيهما. بدأت مريم بالتحيّة وسلّمت على نسيبتها إليصابات، فلمّا سمعت إليصابات التحيّة ارتكض الجنين في بطنها شاهدًا للاهوت المسيح مبتهجا به، فيوحنّا المعمدان كان، كما قال عنه الملاك، ممتلئا بالرّوح القدُس وهو في بطن أمّه. " وامتلأت إليصابات بالروح القدس" مرّة أخرى وذلك بقوّة إيمانها بلاهوت المسيح، وآمنت به بأنه "ربّ" إذ قالت لمريم:" أمّ ربّي" ومن فرْط سُرور إليصابات صَرخت بِصوت عظيم وقالت:" مُباركة أنْت في النّساء ومُباركة هِي ثمّرة بَطنك". " وثمّرة بطنك" هذه بِشارة تعني أن المسِيح يكون مباركًا ويكون برَكة. وهذا يوافق ما جاء في التّلمود " طُوبى للسّاعة التي يُولد فيها المسِيح، وطُوبى للبَطن الذي يحْمله، وطُوبى للجيل الذي يَرجوه، كما للعَين التي تنظره " فارتكاض الجنين وابتهاجه هو عربون الخدمة التي قام بها المعمَدان مهيّئا الطّريق قدّام المسِيح. ثمّ عبّرت إليصَابات عن نفسِها وعَن عدم استحقاقها لزيارة مريم لها، لكونها أمّ ربها ومخلّصها _ يسوع المسِيح. وخَتمت إليصابات كَلامها مغبّطة مريم على إيمانها بما قال لها الملاك من قبْل الربّ ولتكبّدها مشاق السّفر ومجيئها إليها. نشيد { تسبيحة } مريم: اتّسم نشيد مريم بالهدوء والرزانة وابتدأ من حيث أنتهت إليصابات { لوقا 25 : 1}. تُشير مريم في تسبحتها إلى تأثراتها الخاصة {46 و47 :1 }، وإلى فضل الله عليها { 50_48 : 1 }. وإلى البرَكات التّاريخيّة التي عمّت الأجْيال بمجيء المسيح { 53_51 : 1 } وإلى إتمام الله وعده لشَعبه { 55 _54 :1 }. هذا النّشيد { التسبيح } هو ذُخر الكنيسة وكنْزها عَلى مرّ الأجيال، إذ يتردّد هذا النّشيد في كلّ قدّاس إلهيّ، وبعْد كلّ بيت مِن أبياته نرنّم مُنشدين: " يا من هي أكرم من الشيروبيم، وأرفع مجدا بغير قياس من السارافيم. يا من هي بغير فساد ولدت كلمة الله. حقا أنّك والدة الإله إيّاك نعظّم". وممّا هو جَدير بالملاحظة أن الأفعال التي استعمَلتها مَريم بهذا النَّشيد جاءت في صِيغة الماضي، فالمسِيح لم يكُن قَد وُلد بعْد، وذلك لأنها نطقَت بروح النبوّة التي تعتبر المستقبل في حيّز الماضِي، فالرّوح القدُس حلّ عَليها واستقْراره عليها اسْتقرارٌ مُسْتديم. وهذا التّسبيح شعر عبري، وفيه أصول الشّعر العبري، كمراعاة النظير " فالتّعظيم والابتهاج " مظهران متكاملأن للعبادة. و " النفس والرّوح " كلمتان مترادفتان وهما مركز الحياة والوجدان والعَواطف والتعبّد. ومن الجدير بالملاحظة أيضًا المقام الذي تضع مريم نفسها فيه بالنسبة لله، بقولها " الله مخلِّصي" و " اتضاع أمته"، فهِي تدعو الله " مخلِّصها " باعتباره منشئ الخلاص الذي نفّذه المسيح { ثيموثاوس الأولى 1:1 وتيطس 4 :3 }. ومريم تعتبر أن علّة أنعام الله عليها هِي أن الله نظر إلى اتضاع أمته، أي أن العلّة في الله نفسه. ولقوّة إيمانها وهِي تذكر اتضاعها تسْمو عليه وتذكر الغبطة التي تلازم اسمها على مرّ الأجيال. " هوذا منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال". وقد تمّت هذه النبوءة مبدئيًّا في لوقا { 27 : 11 } :" وفيما هو يتكلّم بهذا رفعت امرأة في الجمع صوتها وقالت له: طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين رضعتهما ". كمَا تمّت في معْظم كنائِس الشَّرق وبالغَرب وفي قَلب ووجْدان كلّ مؤمن. وفي الدور الثاني من تسْبحتها { 50و 49 :1 } تمجّد مريم الله على قدرته وقداسته ورحمته: " لأنّ القدير صنع بي عظائم" " واسمه قدّوس"، والإسم هو كل ما يتّصف به الله، لأنَّ الكلِمَة " الإسم _ השם " عنْد اليهود تعْني الله { لاويين11 :24 ومَزمور 141 :91 وأخبار الأيّام الثاني 20 :6 } كما تغنّت مَريم بمراحم الله علَيها وحدَها { عدد 48 } ثمّ برحمَة الله على الذين يتّقونه إلى جيل فجيل، أي إلى نهايَة الدّهور. وفي الدّور الثّالِث { 53_51 : 1 } من التَّسبيح تنتَقل مريم مِن كلماتها الأخِيرة في الدّور الثاني. وفي هذا الدّور تكثُر مراعاة النّظير أي تكرار ذات المعنى على تعمّق في التعبير كما في عدد {51 }. :" صنع عزًّا بساعده وشتّت المتكبّرين بذهن قلوبهم" { أي العظَماء في أعين أنفسهم } فجمَعت بين مَعنيين متقابلين على الترتيب { في عددي 52 و53 } " حطّ المقتَدرين عن الكراسي ورفع المتواضعين" و" أشبع الجياع من الخيرات والأغنياء أرسلهم فارغين". وفي هذا تضَع مريَم مقياسا جَديدا للعظمة الحقّة، وهو مقياس يَعكس النّظام السّائد في العالم ويناقضه. ومن الملاحظ أيضًا أن الألفاظ والمعاني تسير في تدرّج الأدنى فالأعلى" ثمّ "الأعلى فالأدنى "، ثمّ الأدنى فالأعلى ويبدأ الدور الثاني "بالمستكبرين" ويختم "بالمتضعين" ثمّ يبدأ الدور الثالث " بالمتضعين" ويختم " بالأغنياء" فكلّ عدد يبتدىء بما يختم به العدد السابق. وفي الدور الرابع { 56_ 54 :1 } من التسبيح تمجّد مريم الله الذي ذكر رحمته إلى الأبد. وهذه الرحمة هي أساس الفداء والوعد الذي ابتدأ من إبراهيم حتى أتمّه بنسله الذي هو " المسيح"، وهو يجريه على الدّوام على المتواضعين على مرّ الاجيال. تحتفل الكنائس المسيحيّة بذِكرى "البِشارة" في 25 آذار-مارس. طروباريَّة العِيد: " اليوم رأس خلاصنا وظهور السّر الذي منذ الدّهور، لأن ابن الله يصير ابن البتول. وجبرائيل بالنعمة بشّر. لذلك نهتف نحن معه نحو والدة الإله. إفرحي أيتها الممتلئة نعمة الربّ معك ". ++ هذه المادة من كتاب :" الاعياد السيدية" وهو الكتاب بمثابة الجزء الثاني من سلسلة العقيدة. هذه السلسلة من اصدار جمعية ابناء المخلص وكتبها الراقد على رجاء القيامة الاستاذ ميخائيل بولس. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
كلمة الله عضدي وعوني |
فقيرُ الرّوح هو صاحِبُ رَجاءً عَظيم وثقةٍ كبيرةٍ بالله |
سِرّ حزن يسوع |
أُرسل الله فيلبس ليُقدِّم الخَصي الحبشي ما يحتاجه لنور العهد الجديد |
عِيد التَّجْدِيد |