::: الرسالة :::
15 أَيُّهَا الإِخْوَة، كَبَشَرٍ أَقُول: إِنَّ الوَصِيَّة، وإِنْ كَانَتْ مِنْ إِنْسَان، إِذَا أُقِرَّتْ، لا أَحَدَ يُبْطِلُهَا أَو يَزِيدُ عَلَيْهَا.
16 فالوُعُودُ قِيْلَتْ لإِبْراهِيمَ وَلِنَسْلِهِ. ومَا قِيْلَتْ: "ولأَنْسَالِهِ"، كأَنَّهُ لِكَثِيرِين، بَلْ "وَلِنَسْلِكَ"، كَأَنَّهُ لِوَاحِد، وهُوَ الـمَسِيح!
17 فأَقُولُ هـذَا: إِنَّ وَصِيَّةً سَبَقَ اللهُ فأَقَرَّهَا، لا تُلْغِيهَا شَرِيعَةٌ جَاءَتْ بَعْدَ أَرْبَعِ مِئَةٍ وثَلاثِينَ سَنَة، فَتُبْطِلُ الوَعْد.
18 وإِذَا كَانَ الـمِيرَاثُ مِنَ الشَّرِيعَة، فَهُوَ لَمْ يَعُدْ مِنَ الوَعْد؛ والـحَالُ أَنَّ اللهَ بِوَعْدٍ أَنْعَمَ بِالـمِيرَاثِ على إِبرَاهِيم.
19 إِذًا فَلِمَاذَا الشَّرِيعَة؟ إِنَّهَا أُضِيفَتْ بَسَبَبِ الْمَعَاصِي، حَتَّى مَجيءِ النَّسْلِ الَّذي جُعِلَ الوَعْدُ لَهُ. وقَدْ أَعْلَنَهَا مَلائِكَةٌ على يَدِ وَسِيطٍ، هُوَ مُوسى.
20 غيرَ أَنَّ الوَاحِدَ لا وَسيطَ لَهُ، واللهُ واحِد!
21 إِذًا فَهَلْ تَكُونُ الشَّرِيعَةُ ضِدَّ وُعُودِ الله؟ حاشَا! فَلَو أُعْطِيَتْ شَرِيعَةٌ قَادِرَةٌ أَنْ تُحْيي، لَكَانَ التَّبْرِيرُ حَقًّا بِالشَّرِيعَة.
22 ولـكِنَّ الكِتَابَ حَبَسَ الكُلَّ تَحْتَ الـخَطِيئَة، لِكَيْمَا بالإِيْمَانِ بيَسُوعَ الـمَسِيحِ يُعْطَى الوَعْدُ للَّذِينَ يُؤْمِنُون.
(غلاطية 3/15-22)
::: تأمّل من وحي الرسالة :::
بشّر بولس الرّسول أهل غلاطيا، وهم جميعهم من أصل وثنيّ. كانوا يسكنون في بلاد عديدة من منطقة غلاطيا الواسعة الأرجاء في آسيا الصّغرى، أي في تركيّا الحاليّة.
أبدى بعض المسيحيين، الذين كانوا من أصل يهوديّ، تحفّظهم حيال معموديّة الوثنيّين، وأرادوا فرض الشّريعة اليهوديّة عليهم. فأرسلوا جماعة من أورشليم إلى بلاد غلاطيا، لإلزام الغلاطيّين تطبيق الشّريعة الموسويّة، وخاصة، فرض الختانة، والإمتناع عن أكل لحم الخنزير.
علم بولس الرّسول بالأمر، فوجّه رسالته إلى كنيسة غلاطيا، يؤنّبها لسرعة ارتدادها عن البشارة التي تلقّتها بنعمة المسيح، والمرتكزة على تحقّق وعد الله، إلى بشارة أخرى، قائمة على شريعة منتهية الصّلاحيّة، تلقي البلبلة في وسط المؤمنين.
من أجل إظهار تفوّق وعد الله على الشّريعة، يستعين بولس الرّسول بمثل قانونيّ، يميّز فيه ما بين الوصيّة، أي إرادة الموصي، وبين منفّذ الوصيّة: فكما أنّ منفّذ الوصيّة لا يستطيع إبطالها، كذلك، لا يمكن للشّريعة، التي اقتصر دورها على إعداد شعب العهد، أن تبطل وعد الله. بمعنى آخر، إذا كان القانون الوضعي (أي الذي وضعه الإنسان) لا يسمح بتبديل الوصيّة التي تعتبر ثابتة بحكم القانون، فكم بالحريّ، وعد الله الثابت، الذّي لا يتغيّر؟ كيف للشّريعة الموحاة أن تغيّر إرادة الله؟ فهل الله متناقض مع نفسه؟ حاشا!
لقد أُعطِيَ وعد الله لابراهيم. أمّا الشّريعة، فقد تلقّاها موسى بعد /430/ سنة من الوعد، بسبب المعاصي، من أجل إعادة تصويب مسار النّسل، نحو الميراث المعدّ له، منذ أساسات العالم.
لعبت الشّريعة دور المربّي، وكانت حارسًا للشّعب القاصر. لكن دورها انتهى مع مجيء المسيح، الذي به قام نظام جديد، يرتكز على الإيمان والنّعمة، كما مع إبراهيم، لا على الخطيئة.
نحن اليوم، شعب الوعد والميراث، وقد عرفنا المسيح، لم نعد شعب شريعة، نتوقّف عندها لترسم أمامنا الموت كعقوبة للخطيئة، بل عرفنا أنّنا أبناء القيامة والحياة.
نفحص ضميرنا، ونتوب عن كل ما ارتكبناه من سوء حيال أنفسنا، كما وحيال الآخرين والله؛ لا خوفًا من عقوبة منصوص عنها في إحدى المواد القانونيّة والتّشريعيّة، إنّما بإيمان كلّي وثقة مطلقة: بأنّ الآب-المحبّة، الذي تجسّد ابنه لأجلنا، وأعطانا روحه القدّوس، هو صادق، ووعده لنا أكيد.