ما أروع منظر الملاك جبرائيل وهو داخل إلى البيت البسيط الذي كانت تقطنه العذراء مريم في مدينة الناصرة، ليبشرها بالحبل الإلهي. أجل كانت السماء قد تلبّدت بغيوم الغضب الداكنة، وكانت الأرض مضطربة على أثر اللعنة التي أصابتها منذ سقوط الإنسان بالخطية، وتورطه بالتمرد على اللّه تعالى.
وكان الإنسان يشقى في أرضه بعد أن طرد من فردوسه، ويتعزى بالوعود الإلهية بالعودة إلى وطنه السماوي. ومرت الدهور اثر الدهور، والإنسان بعيد عن خالقه. لأن البر والاثم لا يجتمعان، والقداسة والخطية لا تنسجمان، وبهذا الصدد يقول النبي أشعيا لبني البشر: «آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع» (اش 59: 2). ويقول الرسول بولس: «إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله»(رو 3: 23) ومع كل ذلك لم يخل جيل من أجيال البشر من أناس عبدوا اللّه وسعوا لعمل الصلاح لإرضاء اللّه فاختارهم اللّه لتبليغ إرادته الإلهية ونواميسه السامية لبني البشر.