|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إن فضيلتي الطاعة والتواضع هما متلازمتان غير مفترقتين . فالإنسان الكامل في طاعته يكون كذلك في اتضاعه . وتلك كانت حالة مار يوسف . رأينا البارحة طاعته المثلى لجميع أوامر الله . واليوم نتأمل في تواضعه العميق وأبتعاده التام عن كل ما يضاده .فلقد كان هذا القديس رفيعاً ومتضعاً ، جليلاً و متخشعاً . جمع بين أشرف الألقاب وألطف الحاسيات . فهو الكوكب اللامع بقداسته وهو البنفسجة المختفية بتواضعه . إن الله عّزَ أسمه غيور على مجده . فإذا أرادَ أن يشارك خليقة في عمل من أعماله العجيبة ، إنتخبَ تلك التي تعترف بضعفها وعدمها ولا تنسب شيئاً لذاتها ، وزينّها بفضيلتي التواضع والكفر بالذات .و لما كان سر التجسد من أعظم المعجزات التي لم تكن تخطر على قلب بشر ، فلم يرد أن يشرك في هذا السر الفريد إلا المرأة والرجل الأكثر تواضعاً بين البشر . و إذ سبق وأصطفاهما . خلقهما حسب مشيئته الإلهية وشيد صرح فضائلهما الشاهق على أعمق أساس من الاتضاع . لنتأمل ملياً في القديس يوسف ولنمعن النظر في حياته الفُضلى نُدهش من سمو منصبهِ ومن تواضعه . هو سليل عائلة ملوكية وقد عاش عيشة خفية عن أعين البشر ، و كدَّ بيمينه و بعرق جبينه ليربح قوتَ يومه . هو خطيب ملكة السماء ما خطرَ على بالهِ أنْ يفتخر بهذا اللقب بل كان يحتسب نفسه غير أهل لحراسة الزنبق النقي ذي العرف الذكي .أن الإنجيل المقدس مازالَ يذكر أسمه قبل أسم مريم وكان هو المعروف عند الناس برئيس العائلة و بأبي يسوع ، ومع ذلك فلَمْ يُذكر له كلام قط وعند الحاجة كانت مريم ترجمانه ولسان حاله . كان مالكاً في بيته وتحت تصرفه ، موضوع أفراح السماء وأشواق الأرض ولم يزل مع ذلك غير معروف .الإله المُتأنس أضحى خاصته ، ولم يبح بسره لأحد ، صار شاهداً لأعظم سر تم على الأرض ، ولم يعرف للكبرياء معنى ! سمِعَ الملائكة تُنشد أناشيد الفرح يوم ميلاد يسوع ، رأى الرعاة يُسرعون و يَقصّونْ العجائب التي سمعوها ، إستقبلَ المجوس وعاينَ سجودهم و إكرامهم لأبنه ، ولم ينبس ببنت شفة . أن الإنجيل يقول عن مريم و يوسف إنهما كانا يتعجبان مما كانا يسمعانه عن يسوع كأنهما يجهلان كل شيء . فعلى مثال مريم كان يوسف يدع غيره يتكلم وهو يعتصم السكوت ، ألمْ تكن له الحصة الكبرى في أسرار طفولة يسوع ، ومع ذلك لم يكن شعاره غير السكوت والاحتفاء والاتضاع ولم يذكر له النجيل كلمة واحدة ولا سُمع من فمه لفظة واحدة . . فحياته كلها كانت أعجوبة متواصلة والإنجيل لم يروِ عنه أعجوبة قط ولم يذكر زمن موته ولا محلهُ ولا نوعه ! يا للاتضاع ! |
|