|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البابا شودة الثالث الهروب من المديح والكرامة إخفاء الفضائل طالما فضائلك ظاهرة أمام الناس، فأنت عرضة للمديح.. فإن أردت أن تهرب من مديحهم، عليك بقدر إمكانك أن تخفى فضائلك وأعمالك الحسنة. ليس معنى هذا أنك لا تعمل شيئًا حسنًا أمام الناس. وإنما لا تعمل أمامهم بهدف أن تنال مديحهم. فإن كان العمل ضروريًا ولا يمكنك إخفاءه عن الناس، فعلى الأقل لا يكون هدفك وقصدك هو محبة المديح، بل عمل الخير ذاته. وقد تعرض القديس أوغسطينوس لهذه المسألة في تفسيره للعظة على الجبل: يقول الرب "احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات" (مت 6: 1). ويقول أيضًا "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت5: 16). فهل يوجد تناقض بين القولين؟ وكيف نوفق بينهما؟ يقول القديس أوغسطينوس في هذا الموضوع "ليس هناك تناقض. لأن العيب ليس في أن ينظر الناس أعمالكم الحسنة. إنما العيب هو أن تعملوا الأعمال الحسنة لكي ينظروكم. فينبغي عليك أن تعمل الخير سواء نظرك الناس أو لم ينظروك. لا يكن هدفك أن يراك الناس وأنت تعمل الخير، ولا أن يمدحوك. بل اعمل الصالح، لا لكي تتمجد أنت به، بل لكي يتمجد الله "لكي يمجدوا أباكم الذي في السموات". يقول البعض إنهم يعملون الصلاح لكي يكونوا قدوة أمام الناس. ولكن علينا أن نفهم أن للقدوة مواضع، وأناس مفروض فيهم بحكم موضعهم أن يكونوا قدوة. مثل رجال الإكليروس والقادة والمسئولين والرسل والأنبياء والرعاة. فهؤلاء إن لم يكونوا قدوة، سيعثرون الآخرين. أما الإنسان المتواضع، فإنه لا يرى في نفسه شيئًا يقتدي به الناس. ويحاول أن يهرب من مواقف القدوة بحجة أنه خاطئ وضعيف. وعلى عكس هذا يُظهر نقائصه وضعفاته. ومع ذلك قد يصبح قدوة باتضاعه.. وكلما حاربه الفكر أن يكون قدوة، يقول لنفسه: لا أستطيع أن أكون مرائيًا، أظهر بغير حقيقتي. ويصرخ أمام الله قائلًا: أنت تعرف يا رب ما بداخل القبور المبيضة من عظام نتنة. إن كنت أنت برحمتك قد سترتني، وأخفيت عيوبي عن الآخرين، هل استغل أنا هذا الستر، لأمثل دور القدوة؟! بينما أنا إنسان خاطئ بعيد عن حياة البر!! أما الذي يريد أن يصير قدوة، فلكي يظهر أمام الناس حسنًا يجوز أن يقع في الكبرياء والرياء. فيجب أن نرضى الله لا الناس. فلا يكن هدفنا أن نكون قدوة، حتى لو صرنا قدوة بتدبير من الله. هكذا كان الآباء القديسون يتركون تدبير أمر معين في الفضيلة إذ اشتهر عنهم ويعملون غيره، إذ كانوا يهربون جدًا من المديح، ولكن ليس معنى هذا أن تترك كل تدبير حسن تسير فيه لئلا يأتيك المديح بسببه، بل اثبت في كل تدريب صالح من أجل نموك الروحي وليس لكي ينظرك الناس. البعد عن الرئاسات * الإنسان المتواضع لا يسعى وراء المناصب والرئاسات. بل في حكمة يهرب منها. وقد نبغ في ذلك كثير من آباء الرهبنة ومنهم القديس بينوفيوس الذي عرفنا قصته من يوحنا كاسيان مؤسس الرهبنة في فرنسا. كان القديس بينوفيوس رئيسًا على دير يضم أكثر من مائتيّ راهبًا في منطقة البرلس. وكان متضعًا جدًا ومُهابًا، وله مكانة عند الكثيرين. إذ كانوا يحبونه بسبب قداسته وحياته الفاضلة، ولمواهبه العظيمة التي منحه الله إياها وأيضًا بسبب كهنوته، ولأنه شيخ وقور. جلس هذا القديس ذات يوم إلى نفسه وقال: ماذا تكون نتيجة هذا الوضع الذي أنا فيه؟ كل يوم مديح وكرامة واحترام وتوقير!! إنني أخاف أن يقول لي الرب في اليوم الأخير "إنك استوفيت خيراتك على الأرض" (لو16: 25). فأين منى الطريق الضيق والكرب الذي أوصى به الرب، وقال إنه المؤدى إلى الحياة (مت7: 14). وأين مني قول الكتاب: "إنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أع14: 22)؟ وهوذا أنا رجل متمتع باحترام وتوقير وكرامة ورئاسة! لذلك هرب القديس بينوفيوس ذات يوم من الدير دون أن يشعر به أحد. وتنكر في زى علماني، وسار جنوبًا حتى وصل إلى أحد أديرة القدس باخوميوس في إسنا وطرق الباب طالبًا أن يقبلوه في الدير. فنظروا إليه متعجبين من أمر هذا الشيخ الذي أتى ليترهب! وقالوا له "هل أتيت بعد أن شبعت من العالم، وشبع العالم منك؟! أتريد أن تأخذ مظهر القداسة في أواخر أيامك؟ إنك لا تصلح، فارحل عنا". فألح القديس بينوفيوس عليهم فرفضوا. وقالوا له "أنت رجل شيخ، ولا تحتمل الرهبنة وجهاداتها" ، فظل يلح عليهم وهم يرفضونه. ووقف عند الباب مدة على الرغم من رفضهم، دون أكل أو شرب. فلما رأوا احتماله وصبره، أدخلوه الدير على شرط ألا يُرسم راهبًا، ويكون في زى العلمانيين يخدم في الدير. وأسندوا إليه مساعدة الراهب الشاب المسئول عن حديقة الدير ليكون كصبي عنده. فلم يمانع. وكان الشاب يوجه إليه أوامر يعمل بها، فكان مطيعًا له وخاضعًا. وتحول القديس الذي كان يحترمه الناس ويطيعونه إلى تلميذ. وكانت هذه أمنيته أن تتغير حياته، ويكون خاضعًا لغيره بدلًا من خضوع الغير له. وكان معلمه الشاب شديدًا عليه جدًا. يريد أن يربى الشيخ تربية صحيحة، لأن الرهبنة ليست كسلًا! وصار القديس يطيعه طاعة كاملة، وينفذ أوامره بكل دقة، لا يجادل ولا يناقش. وسار على هذا المبدأ مدة وسرَ به الشاب. وأيضًا كان يقوم في ساعة متأخرة من الليل -والرهبان نيام- ويعمل الأعمال التي يشمئز منها الآخرون لقذارتها. فإذا ما استيقظوا في الصباح، يجدون كل شيء قد تم دون أن يعرفوا من الفاعل، فيبتهجون ويباركون الرب من أجل ذلك. أما هو فكان مسرور بهذا العمل. وظل على هذا الطقس ثلاث سنوات وهو يقول "أشكرك يا رب من أجل عطاياك ونعمك العظيمة، إذ خلصتني من الاحترام والتوقير، ونقلتني إلى حياة الطاعة والخضوع". حدث بعد ذلك أن أتى لزيارة هذا الدير راهب من أديرة البرلس. ورأى القديس بينوفيوس يحمل السباخ ويضعه حول الشجر. فشك في الأمر ولم يصدق أنه هو! وأخيرًا سمعه يرتل المزامير بصوته المعهود، فعرفه وسجد له، وكشف أمره للرهبان. فأخذوه بمجد عظيم وأعادوه إلى ديره. وبعد ذلك هرب أيضًا إلى بيت لحم، وعمل خادمًا في قلاية يوحنا كاسيان. وتصادف أن ذهب راهب آخر إلى زيارة الأراضي المقدسة، فرآه وعرفه. وأعادوه مرة ثانية باحترام إلى ديره. وزاره يوحنا كاسيان عند مجيئه إلى مصر، وكتب عنه في مؤلفاته أنه مثل حي للهروب من الرئاسات.. فالذي يريد أن يخلص من مديح الناس والكرامة، عليه أن يهرب من محبة الرئاسات والمناصب.. لأنه إن نجح في تلك المناصب، تشعره بأنه قد صار موضعًا للكرامة. وإن فشل فيها، وقع في دينونة عظيمة. * إن أحلام الرئاسة تعب داخلي: لأنه أحيانًا يخلو الإنسان إلى نفسه. وفي أحلام اليقظة يتصور أنه في مركز هام، وأنه يعمل ويعمل.. وتدور في ذهنه مشروعات كبيرة وأمور خطيرة. ويظن انه لو أعطى السلطان، لسوف يعمل ما لم يستطع غيره أن يعمله! وهذه تخيلات المجد الباطل، وكبريائه موجودة في الداخل تشعر الإنسان بأنه يستطيع الشيء الكثير. وقد يسمح الله أن تسند إلى هذا الشخص مسئولية، فيفشل فيها ليعرف مدى ضعفه. ذهب أحد الشيوخ ليزور راهبًا شابًا في قلايته الخاصة. وعندما همَ بقرع الباب، سمع صوتًا في الداخل، فانتظر قليلًا حتى لا يعطل الراهب الشاب. فسمعه يعظ من الداخل. فانتظره حتى انتهى من العظة وصرف الموعوظين قائلًا "أمضوا بسلام". ثم قرع الباب، وفتح الراهب الشاب، وفوجئ بالشيخ أمامه. فخجل وفكر ما عسى أن يقول عنه الشيخ إذا كان قد سمعه يعظ بمفرده دون موعوظين! فقال "إني آسف يا أبانا، لئلا تكون قد جئت من زمن وتعطلت على الباب" فابتسم الشيخ وقال له "جئت يا بني وأنت تصرف الموعوظين"، وعرف الشيخ أن هذا الراهب مُحارب بالمجد الباطل، إذ يتصور أنه قد صار معلمًا وواعظًا.. فاحذر أن تتخيل أنك قد صرت رئيسًا أو قائدًا أو مشيرًا. قل لنفسك إنك لم تصل إلى هذا المستوى بعد. ويكفى أن تكون أمينًا للوضع الذي أنت فيه. * إن الرئاسات ضارة لغير الناضجين: قال القديس أوروسيوس احد خلفاء القديس باخوميوس الكبير: "إن الرئاسة مضرة للأشخاص الذين لم ينضجوا بعد" وضرب مثلًا لذلك فقال: "إذا أحضرت لبنة لم تحترق بعد بالنار وألقيتها في الماء، فإنها تذوب. أما إذا احترقت بالنار، فإن ألقيت في الماء، فإنها تبقى وتشتد". كذلك الشخص الذي يصل إلى الرئاسة قبل أن ينضج، وقبلما يُمحص بالنار، أي باختبارات الحياة، وقبلما تزول منه محبة المجد الباطل، فإنه مُعرض للهلاك. كذلك مساكين هم الذين يخضعون لرئيس محب للمجد الباطل. فإنه يضيع نفسه، ويضيع الناس معه، بسبب المجد الذي يطلبه منهم. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
محب المديح والكرامة هو إنسان ملون، لا يثبت على وضع |
علاج محبة المديح والكرامة |
كيف تهرب من محبة المديح والكرامة |
محبة المديح والكرامة.pdf |
محبة المديح والكرامة 18/12/2011 |