|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يُوسُفُ اشتراه فوطيفار رئيس الشرط من يد الإسماعليين؛ فكان يخدم في بيت فوطيفار. لبس رداء العبد والخادم بعد أن كان يلبس القميص الملون. ولأول مرة في قصته نقرأ هذه العبارة المعزية والتي تكررت عنه أربع مرات: «وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يُوسُفَ فَكَانَ رَجُلاً نَاجِحًا». لقد شعر أن الرب ليس بعيدًا عنه، وأنه في أمانته لن يتركه ولن ينساه. تعايش مع الحرمان والذل والظلم، وتقبَّل أموره من يد الرب الذي كان يشرف بنفسه على كل التفاصيل. كان يخدم بنفسٍ راضية، ولم يرفض الواقع ولا تذمَّر على أعمال العناية المُحبِطة، فكان دائمًا حسن الصورة وحسن المنظر، بشوش الوجه، مبتسمًا، ويحتفظ بسلامه الداخلي. هبَّت عليه ريح الشمال وتبعتها ريح الجنوب لتقطر الأطياب. ووسط الظلام الحالك وتنوّر الدخان، كان هناك مصباح النار الذي ينير المشهد ممثَّلاً في مَعيّة الرب ولطفه ومراحمه كل صباح. لقد عامله سيده برفق شديد ووكَّله على كل ما كان له، وكانت يد الرب واضحة لتبارك بيت المصري بسبب يوسف. تتوالى الأحداث وتتكرر كلمة «وحدث» خمس مرات في قصته لتؤكِّد أن الرب هو صانع الأحداث والمُتحكِّم فيها. ويتعرَّض يوسف للتجربة في بيت فوطيفار من المرأة الشريرة التي كلمته يومًا فيومًا فلم يسمع لها، ورغم الإلحاح الذي أسقط كثيرين فقد كان يمتلك إرادة حديدية ليرفض وبإصرار أي حوار مع الخطية. كان يعرف متى يقول نعم ومتى يقول لا. إنه “المطيع الذي قال لا”. وكانت حجته هي: «كَيْفَ أَصْنَعُ هَذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟» (تك39: 9). ولا شك أن رفض الخطية والرغبات الطبيعية فيه ألم للجسد، لكنه عاش اختبار: «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ» (رو8: 36). لقد جاءه الشيطان كالأسد، وشدَّد الهجوم عليه ليسحقه، لكنه فشل، ولم يفقد يوسف الثقة في صلاح الله. فجاءه كالحية عن طريق الإغراء ففشل أيضًا، وكان ثابتًا وصامدًا كالصخر. أخيرًا جاءه مرة أخرى كالأسد، فاتهمته زورًا امرأة فوطيفار واشتكت عليه، وهو آثر الصمت ولم يفتح فاه ولم يدافع عن نفسه، وترك قضيته في يد الرب الذي يرى في الخفاء ويجازي علانية. وربما توقع أن الرب سيُظهِر مثل النور بِرّه وحقّه مثل الظهيرة، وأنه حتمًا سيُنصف عبده الذي وقف في صفه وضبط نفسه ولم يتصرف تصرفًا مُهينًا في حق الله، مع أن الله هو الذي سمح له بكل هذه المعاناة، لكنه قط لم يغير موقفه منه وصورته لم تهتز على الإطلاق في عينيه، ومن أجل اعتبارات قداسته تحمَّل كل النتائج، لكن الأكثر إيلامًا أن الله لم يتدخَّل ولم يُبرره في ذلك اليوم، وترك فوطيفار يضعه في بيت السجن ظلمًا. ولكنه في بيت السجن كان الرب معه وبسط إليه لطفًا، وجعل له نعمة في عيني رئيس بيت السجن، فوكَّله على المساجين. ظل يخدم في السجن بنفس راضية ويتعايش مع الظروف الصعبة. |
|