القديس يوحنا ذهبي الفم
هذه الحقيقة لا تخص البشر وحدهم إنما تخص حتى الخليقة السماوية الروحية. هؤلاء يرون الله وجهًا لوجه، لكنهم أيضًا -في رأي القديس- لا يرون جوهره غير المُدرَك، بل يتمتعون حسب قدرة إدراكهم...
إنهم يغطون أعينهم بسبب عجزهم عن احتمال حتى هذا التنازل للإعلان عنه(23) .
يليق بنا أن نتشبه بالسمائيين فهم -ليس كأونوميوس- يطلبون أن يتعرفوا على جوهر الله، بل في غير انقطاع نمجده ونسجد له(24).
"يصيح السيرافيم قائلين: قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت... إن القوات العلوية يأخذ منها الرعب كل مأخذ بغير انقطاع، فهي تدير وجهها، وتبسط أجنحتها كحائطٍ، يقيها من الإشعاع غير المحتمل الصادر من قبل الله، ومع ذلك فما تراه إنما هو صورة مصغرة للحقيقة...
بينما لا يقوى السيرافيم حتى على مشاهدة الله الذي لا يتجلى لهم إلا كتنازلٍ منه حسب ضعفهم، نرى أناسًا يتجاسرون متصورين في عقلهم الطبيعة عينها التي يعجز السيرافيم عن إدراكها. إنهم يزعمون أنهم قادرون على التطلع إليها بوضوح وبغير حدود، ارتعدي أيتها السماوات واندهشي أيتها الأرض(25)".
"حقًا إن الله حتى بالنسبة لهذه الطغمات غير مدرك، ولا يمكن الدنو منه. لهذا فهو يتنازل ليظهر بالطريقة التي وردت في الرؤيا. الله الذي لا يحده مكان، ولا يجلس على عرش... من قبيل محبته لنا يظهر جالسًا على عرش وتحيط به القوات السمائية.
إذ ظهر على العرش وأحاطت به هذه القوات، لم تقدر هذه القوات على معاينته، ولا احتملت التطلع إلى بهاء نوره، فغطت أعينها بأجنحتها، ولم يعد لها إلا أن تسبح وترنم بتسابيح مملوءة مجدًا ورِعدة مقدسة، وأناشيد تشهد لقداسة الجالس على العرش