|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وحَنَّانُ وقَيافا عَظيمَي الكَهَنَة، كانت كَلِمَةُ اللهِ إلى يوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا في البَرِّيَّة تشير عبارة "حَنَّانُ وقَيافا عَظيمَي الكَهَنَة " إلى إقامة الحبريين حنان وقياما كعَظيمَي الكَهَنَة التي تُعد مخالفة لشريعة موسى إذ لم تكن شريعة موسى تسمح سوى لرئيس كهنة واحد في وقت واحد. وكان حنان حما قيافا قد تولى رئاسة الكهنة قبله فعزله الرومانيون بعد أن ولُّوا غيره وعزلوه مراراً ثم ولّوا قيافا مكانه (يوحَنَّا 18: 13). وكان حنان أعظم من قيافا سناً وحكمة وتأثيراً، فلذلك اعتبره اليهود رئيس كهنة حقاً واعتبر الرومانيون قيافا كذلك شرعاً. وبقيت القوة لرئيس الكهنة حَنَّانُ، وكان له أحياناً الاسم (كما ورد هنا وفي سفر أعمال الرسل (4: 6)؛ ولم يكن لقيافا سوى الاسم وبعض القوة. أمَّا عبارة "حَنَّانُ" فتشير إلى عظيم الكهنة من عائلة صدّوقية، وكان حمو قيافا عظيم الكهنة (يوحَنَّا 18: 13). وقد تولَّى منصب عظيم الكهنة من السنة 6 إلى السنة 15. وكان له نفوذ واسع؛ يبدو أنَّ السلطات الرومانية عزلته، وأقاموا قيافا، زوج ابنه في مكانه، لكن حنَّان ظل محتفظا بلقبه (أعمال الرسل 4: 6) عند اليهود لأنهم كانوا يعتقدون أنَّ وظيفة رئيس الكهنة مدى الحياة. وهذا ما يبِّر اسمه إلى جانب قيافا (يوحَنَّا 18: 13-24). أمَّا عبارة "قَيافا" لفظة أراميه קַיָפָא (معناها صخرة)فتشير إلى عظيم الكهنة الذي تولى القضاء الأعلى من السنة 18 إلى السنة 36 م. (لوقا 3: 2، وأعمال الرسل 4: 6)، وهو صهر "حنَّان عظيم الكهنة. "وقَيافا هو الَّذي أَشارَ على اليَهودِ أَنَّه خَيرٌ أَن يَموتَ رَجُلٌ واحِدٌ عَنِ الشَّعب" (يوحَنَّا 18: 14). وبها القول نقل قيافا النقاش إلى الصعيد السياسي: فأن يسوع يُثير البلبلة، أيَّا كانت دوافعه الدينية، فينبغي القضاء عليه ليسود النظام العام. يُذكر لوقا الإنجيلي عظيم الكهنة في الختام بصفة رئيس شعب الله، مقابل القيصر رئيس الأمم الوثنية. وتدل الآية على أنَّ إعلان الخلاص يسود على الوثنيين واليهود على حدٍ سواء. أمَّا عبارة "عَظيمَي الكَهَنَة" بالعبرية הַכֹּהֵן הַגָּדוֹל (معناه الكاهن العظيم أو الرئيس) في اليونانية ἀρχιερεύς فتشير إلى رئيس الكهنة بالمفرد، وكان رئيس الكهنة قيافا وذلك بحسب الشريعة لا يوجد سوى رئيس كهنة واحد. وهو الرجل الوحيد الذي يدخل إلى قدس الأقداس مرّة في السنة (خروج 29 :42). وهو الوسيط بين الله والبشر (عبرانيين 5 :1). فهو رئيس السنهدريم الذي تصل صلاحيّاته إلى جميع اليهود في العالم. وهو قيّمٌ على خزنة الهيكل، ولديه السلطة القضائيّة والإداريّة. كان هناك رئيس كهنة واحد في نظام الشريعة اليهودية، يقيمه الله من نسل هارون، ويظل في منصبه طيلة حياته، ولكن لحق هذا النظام فساد فكانت روما تعيِّن الرؤساء الكهنة الموالين لها، حتى تضمن السيطرة على اليهود. وحين يترك عظيم الكهنة وظيفته، يبقى خاضعًا لكلّ القواعد ويحافظ على جزء كبير من هيبته (مثلاً، حنان في محاكمة يسوع مع أنّ عظيم الكهنة كان قيافا، (يوحَنَّا 18 :13-14). وذكر العهد الجديد حَنَّانُ وقَيافا، يوناثان، وحنانيا الأول بأسمائهم. سنة 70 ب. م.، وتحالفوا مع الكتبة والشيوخ والفريسيّين ليهلكوا يسوع. كان عظماء الكهنة يرتبطون ارتباطًا كلّيًّا بالسلطة السياسيّة. وإن عدد الرؤساء السياسيين والدينيين المذكور أعلاه هو سبعة، وهي علامة الملء والاكتمال. أمَّا عبارة "كانت كَلِمَةُ اللهِ إلى يوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا في البَرِّيَّة" فتشير إلى إلهام الروح القدس (1 ملوك 12: 22، ارميا 1: 1، وحزقيال 6: 1، وهوشع 1: 2، ويونان1: 1). وغاية كون كلمة الله إلى يوحَنَّا هي إخباره بأن يبتدئ في خدمته جهاراً (متّى ٣ 3: 1). إنها تدل على دعوة يوحَنَّا النبوية كما كانت دعوة ارميا (ارميا 1: 2، 4). فقد تلقى يوحَنَّا المعمدان هبة كلمة الله فأصغي إليها وفسح لها المجال لتغيير حياته، فتجلت فيه وأُحدِث أمرا جديداً غّير تاريخ البشرية. عندما تدخل كلمة الله حقاً في حياة الإنسان تغيِّره وتغِّيِّر محيطه. أمَّا عبارة "يوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا" فتشير إلى "المعمدان" الذي عمّد يسوع، وهناك ألقاب أخرى مضافة إليه "الشهيد الأول" و"الصائم" و"أقرب صديق للمسيح" و"السابق" للمسيح. وُلد يوحَنَّا تقريباً سنة 7 ق.م. في عين كارم حسب التقليد المسيحي، وهو ابن زكريا واليصابات وكلاهما من سبط اللاويين، وهو نسيب يسوع المسيح وهو أكبر من المسيح بستة أشهر. ولم يُذكر من أمره شيء سوى ما ورد في لوقا الإنجيلي " كانَ الطِّفْلُ يَترَعَرعُ وتَشتَدُّ رُوحُه. وأَقامَ في البَراري إِلى يَومِ ظُهورِ أَمرِه لإِسرائيل" (لوقا 1: 80). ويصف لوقا الإنجيلي والدي يوحَنَّا المعمدان بقوله "كانَ في أيَّامِ هيرودُس مَلِكِ اليَهودِيَّة كاهِنٌ اسمُه زَكَرِيَّا مِن فِرقَةِ أَبِيَّـا، لَه امَرأَةٌ مِن بَناتِ هارونَ اسمُها أَليصابات، وكانَ كِلاهما بارّاً عِندَ الله، تابعاً جميعَ وَصايا الرَّبِّ وأَحكامِه، ولا لَومَ علَيه. ولَم يَكُنْ لَهما وَلَد لأَنَّ أَليصاباتَ كانَت عاقِراً، وقَد طَعَنا كِلاهُما في السِّنّ" (لوقا 1: 5-7). وكان من حق يوحَنَّا أن يصير كاهنًا بصفة أبيه كاهنا، ولكنه كُرّس منذ ولادته من أجل أن يكون سابق المسيح (لوقا 1: 5-25)، وكان ملاخي قد سبق وتنبأ عن يوحَنَّا المعمدان "هاءَنَذا مُرسِلٌ رَسولي فيُعِدُّ الطَّريقَ أَمامي،" (ملاخي3: 1أ). وقد ختم يوحنا المعمدان دعوته النبوية بشهاد الدم، فبعد أن قام بإعداد الطريق للمسيح، بكلمة الحق ودعوة الناس إلى التوبة، عانى السجن والموت الظالم، لأنه لم يخفْ أن يتحدَّى الحاكم هيرودس انتيباس، إذ وبَّخه لتعدِّيه على شريعة الله، بزواجه هيروديا وامرأة أخيه. وقد امر هيرودس بقطع رأسه إرضاء لها، ومات في قلعة مكاور الأردنية. عام 29م كما يُخبرنا المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيوس (العاديات 5: 8)؛ وقد شُيدت كنيسة في سبسطية على اسم المعمدان ذكرى استشهاده. ويوحَنَّا المعمدان هو آخر الأنبياء لأنّه مكتوب: "دامَ عَهْدُ الشَّريعَةِ والأَنبِياءِ حتَّى يوحَنَّا" (لو 16: 16). أمَّا عبارة "البَرِّيَّة" في الأصل اليوناني ἔρημος (معناها منطقة غير مُزدحمة) فتشير إلى منطقة شبه صحراوية، قليلة السكان والتي تبعد نحو قرابة 32كم عن اورشليم. ولم تكن برّيّة قاحلة، إنّما كانت تضم ست مدن مع قراها (يشوع 15: 61-62)، لكنها منطقة غير مزدحمة وغير مُحاطة بالحقول والكروم كبقيّة المنطقة. وفي هذه البَرِّيَّة عاش يوحَنَّا صباه كما ورد في الإنجيل "أَقامَ في البَراري إلى يَومِ ظُهورِ أَمرِه لإِسرائيل" (لوقا 1: 80)؛ والبَرِّيَّة تحمل في الكتاب المقدس رنة عميقة. فهناك عاش الشعب العبراني بداية مسيرته مع الله، وإلى هناك أراد الرب أن يُعيد شعبه (هوشع 2: 16)؛ وقد ترك يوحَنَّا المعمدان الهيكل والكهنوت وذهب إلى البَرِّيَّة ليهيئ الطريق لربنا يسوع فاتخذ صورة إيليا الساكن في البراري والجبال وبنفس قوته. عُثر في عام 1947 على آثار ومخطوطات قمران فيها النص التالي " حينئذ نزل كثيرون إلى البَرِّيَّة، ممن يبتغون العدل والحق، ليقيموا هناك". وفي الواقع، البَرِّيَّة، وهي مكان الإصغاء بامتياز. هي المكان الذي يصمت فيه الإنسان ليُصغي إلى كلمة الله. وعندما يصمت الإنسان يتكلم الله. فلا عجب أيضا أن بيلاطس وهيرودُس وقيافا أقوى قيادات فلسطين في ذاك الوقت اهتزوا أمام نبي قادم من البَرِّيَّة صار أعظم من أي حاكم آخر في زمانه وفي كل التاريخ، لأنه أصغي إلى كلمة الله وعاشها وبشّر بها. وبين كل هؤلاء العظماء لم يوجد من استحق أن يكون سابقًا للمسيح سوى يوحَنَّا. لا تقاس العظمة بما يملك الإنسان بل بما يؤدِّيه من عمل لله. إن العظماء حقا هم الذين يِعمل الله بهم فيعملون إرادته تعالى! |
|