من ضعف الطبيعة البشرية: الجهل والشهوة وعدم الإرادة.
أحيانًا يجهل الإنسان الطريق إلى الله، يجهل الوسيلة التي بها يخلص. لهذا يقول المرتل في المزمور "علمني يا رب طرقك.. فهمني سبلك" (مز 119) "علمني يا رب الطريق التي اسلك فيها.. علمني أن اصنع مشيئتك" (مز 143) ويتغنَّى بإرشاد الرب فيقول: "الرب صالح ومستقيم.. لذلك يرشد الذين يخطئون في الطريق.. يعلم الودعاء طرقه" (مز 25) إذن لابد أن يتدخل الله، ليرشد الإنسان في الطريق.
والإنسان قد يعرف.. ومع ذلك إرادته لا تساعده.
إما أنه لا يريد الخير، بسبب محبته للخطية، وإما انه يريد ولا يستطيع.. وهكذا يقول القديس بولس الرسول "إني اعلم أنه ليس ساكنًا في -أي في جسدي- شيء صالح. لأنه الإرادة حاضرة عندي، وأما إن أفعل الحسني فلست أجد، لأني لست افعل الصالح الذي أريده، بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل.. لست بعد أفعله أنا بل الخطية الساكنة في" (رو 7: 18 - 20).
لذلك فإن الله بنعمته يعمل في الإنسان.
وهكذا فإن القديس بولس الرسول ينسب كل ما يعمله إلى نعمة الله العاملة فيه فيقول "ولكن لا أن، بل نعمة الله التي معي".. "ولكن بنعمة الله أنا ما أنا.." (1 كو 15: 10).. ويرسل إلى تلميذه تيموثاوس ليقول له: "فتقوّ أنت يا ابني بالنعمة" (2 تي 2: 10).
ولأهمية النعمة.. فإن الآباء الرسل يبدأون بها رسائلهم.
هكذا في رسائل القديس بولس تتكرر في مقدمتها عبارة "نعمة لكم وسلام" (رو 1: 7؛ 1 كو 1: 3؛ 2 كو 1: 3؛ غل 1: 3؛ أف 1: 2؛ في 1: 2).. والقديس بطرس الرسول يقول في بدء رسالتيه لتكثر لكم النعمة والسلام (1 بط 1: 1؛ 2 بط 1: 2)، والقديس يوحنا يقول للسبع الكنائس في مقدمة سفر الرؤيا "نعمة لكم وسلام" (رؤ 1: 4).
ويميز النعمة التي نلناها في العهد الجديد بقوله الجديد بقوله "لأن الناموس أعطي.. وأما النعمة والحق، فبيسوع المسيح صارًا" (يو 1: 17).
هذه النعمة هي قوة من الله تعمل معنا وفينا.
وهي أيضًا التي كانت تعمل في آبائنا الرسل، حتى أمكنهم أن يقوموا برسالتهم، ويشهدوا للرب "وبقوة عظيمة كانوا يؤدون الشهادة.. ونعمة عظيمة كانت على جميعهم" (أع 4: 33) والقديسة الطاهرة العذراء مريم، حياها الملاك بعبارة: "سلام لك أيتها الممتلئة نعمة الرب معك" (لو 1: 28).