الروح القدس روح القوة
قبل أن يصعد السيد المسيح إلى السماء، أوصى تلاميذه أن لا يبرحوا أورشليم "إلى أن يلبسوا قوة من الأعالي" (لو24: 49). فلماذا كانت تلك القوة؟ لقد قال لهم:
"ولكنكم ستنالون قوة، متى حل الروح عليكم. وحينئذ تكونون لي شهودًا" (أع1 : 8).
وقد أخذوا هذه القوة في اليوم الخمسين، وانتشر بها الملكوت. ويقول سفر الأعمال عن كرازته "وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع. وتحقق قول السيد المسيح لهم "إن من القيام عهنا قومًا لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة" (مز9: 1).
حقًا، كان ملكوت الله قد أتى بقوة.
في حوالي ثلاثين سنة فقط، كانت البشارة بالملكوت قد ملأت كل البلاد اليهودية والسامرة، وانتقلت إلى أنطاكية، وإلى قبرص وآسيا الصغرى، وإلى مصر وليبيا وإلى بلاد اليونان، وايطاليا، وإلى بلاد الشرق... بقوة... بقوة في قلوب التلاميذ، الذين ما كانوا يخافون الموت ولا السجن ولا الجلد أو التهديد... وقوة أخرى في تأثير كلامهم على السامعين، وأيضًا قوة آيات ومعجزات وعجائب.
قوة ساعدت على انتشار الإيمان.
نسمع مثلًا عن كرازة القديس اسطفانوس أول الشمامسة أنه وقف أمام ثلاثة مجامع يحاورنه، "ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به" (أع6: 9، 10)... فليس من السهل مقاومة الكلام الصادر من الروح "الروح القدس الناطق في الأنبياء".
نفس الوضع يقال على بولس الرسول:
س
أنه نفسه يقول "وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع، بل ببرهان الروح والقوة. لكي لا يكون إيمانكم بحكمة الناس، بل بقوة الله" (1كو2: 4)... ولهذا استطاع القديس بولس الرسول أن يأتي بثمر كثير في خدمته، وأن ينشر الإيمان في أقطار عديدة...
ونفس الكلام يقال عن باقي القديسين.
وكلمهم قد بدأوا رسالتهم بعد أن حل الروح القدس عليهم "وامتلأ الجميع من الروح القدس" (أع2: 4). ولذلك قيل "وكانت كلمة الله تنمو، وعدد التلاميذ يتكاثر جدًا في أورشليم. وجمهور كثير من الكهنة يطيعون الإيمان" (أع 12: 24). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). وقيل أيضًا " وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة، فكان لها سلام وكانت تبنى وتسهر في خوف الله، وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر" (أع9 : 31).
وقبل رسل السيد المسيح، كانت كرازة يوحنا المعمدان بنفس قوة الروح.
هذا الذي قال عنه الملاك المبشر به، إنه "يتقدم بروح إيليا وقوته" (لو1: 17).. وكيف أتيح له ذلك؟ السبب هو أنه من بطن أمه امتلأ من الروح القدس (لو1: 15). وهكذا كانت خدمته قوية، بعمل الروح القدس فيه ومعه... واستطاع في شهور قليلة أن يقود الآلاف إلى التوبة، ويمهد الطريق أمام المسيح، ويهيئ للرب شعبًا مستعدًا" ((لو1: 17).
لهذا كان الامتلاء من الروح القدس شرطًا لجميع الخدام في الكنيسة أيام الرسل.
حتى الشمامسة... ففي اختيار الشمامسة السبعة قال الآباء الرسل لجمهور الشعب "انتخبوا أيها الرجال الأخوة سبعة رجال منكم مشهودًا لهم، ومملوءين من الروح القدس والحكمة، فنقيمهم على هذه الحاجة" (أع6: 3). "فاختبروا اسطفانوس ، فإذ كان مملوءًا إيمانًا وقوة، كان يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب" (أع6 : 8).
كذلك كانت خدمة برنابا في أنطاكية.
يقول عنه سفر الأعمال أنه " كان رجلًا وممتلئًا من الروح القدس، فانضم إلى الرب جمع غفير" (أع11: 24). حتى الرسل الذين امتلأوا من الروح القدس في يوم الخمسين، كانوا في مناسبات معينة تحتاجون إلى دفعة خاصة من الروح. فنسمع أنه لما اجتمع رؤساء اليهود وكهنتهم القوا الأيادي على بطرس ويوحنا. وجعلوا يسألونهما بأية قوة صنعتما هذا "حينئذ امتلأ بطرس من الروح القدس وقال لهم ..." (أع4: 7، 8).
الروح القدس هو الذي كان يعمل في كنيسة الرسل. لذلك كانت كنيسة قوية.
وكان حلول الروح القدس عليهم، هو نقطة التحول في حياة الكنيسة. فبعد أن كان الرسل خائفين ومختبئين في العلية، أخذوا قوة في الكرازة وخدمة الكلمة. وقوة في نشر الإيمان والاعتراف به أمام الكل... أخذوا قوة في الكرازة وخدمة الكلمة. وقوة تقف أمام الفلسفات والأديان والبدع، وأمام الولاة والحكام والسلاطين. أخذوا أيضًا قوة في الصلاة، وقوة في الاحتمال وقوة في العمل والسهر والجهاد...
على أن عمل الروح القدس لم تظهر قوته العجيبة في عصر الرسل فقط.
إنما نرى مثالًا رائعًا لقوة الروح القدس في القرن الرابع الميلادي وامتداده.
نرى ذلك واضحًا في ثلاث نقاط أساسية:
1- عمل الروح في الشهداء واحتمالهم العجيب من أجل الإيمان، وقوتهم في مواجهة الأباطرة والولاة. بل فرحهم في مواجهة الموت، وقدرتهم على احتمال ألوان التعذيب البشعة. وتراتيلهم وهو في الطريق إلى المحاكمات أو إلى الحبس. وتسابيحهم وألحانهم داخل السجون... أية قوة هذه التي أذهلت الناس؟ أنها قوة الروح القدس.