28 - 12 - 2021, 10:35 AM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
يوشيا بن آمون – ملك يهوذا
٦٤٠ -٦٠٩ق.م
عرفنا أن منسَّى ظل موالياً لنينوى حتى نهاية حكمه إلى أن خلفه ابنه آمون (٦٤٢-٦٤٠ ق.م)، والذي مارس سياسة أبيه ولكنه اغتيـل داخـل بيـت أسرته بعد أن عاش ٤٨ سنة حكم منها سنتين، وقد يُشك أن تكون هـذه الجريمة قد اقترفت بيد معادية لأشور وذلك بغية تغيير السياسة الـتي وضـعها منسى وسار عليها ابنه. ولكن لم يستجب سـكان الأرض لهـذا الإيحـاء وقبضوا على القتلة وحاكموهم وأقاموا يوشيا بن آمون ليكون ملكاً، وكـان صغيراً ابن ٨ سنوات، وأجلسوه على العرش .
الحكم أيام يوشيا (٦٤٠-٦٠٩ق.م):
بدأ الاستقلال منذ بدء حكمه واضحاً وواقعاً – ولكن تسجيلات الحكـم في السنين الأُولى له ظلت غامضة وكانت على يد الحكماء الذين تولوا رعايته.
ولكن على العموم كان الحكم موالياً لأشور غير أنه كان معروفاً منذ تنـصيبه ملكاً أن الاستقلال لابد قادم على يديه . ففي السنة الثانية عشرة من حكمـه (٦٢٩ق.م ) سنحت له الفرصة لأول مرة عندما كان أشوربانيبال قد شـاخ وابنه شن شار إشكون Sin-shar-ishkun كان قد استولى على الحكم خلفاً له، عندئذ ابتدأت قبضة أشور تنفك عن الممتلكات الغربية كلها دون تـدخل منه، في ذلك الوقت ابتدأ يوشيا بالتحرك لإصلاح مملكته على غرار داود الملك كما يمدنا سفر أخبار الأيام الثاني: «وفي السنة الثانية عشرة (من ملكه) ابتـدأ يطهر يهوذا وأُورشليم من المرتفعات والسواري والتماثيل والمسبوكات وهدموا أمامه مذابح البعليم وتماثيـل الـشمس … وكـسر الـسواري والتماثيـل والمسبوكات ودقَّها ورشها على قبور الذين ذبحوا لها، وأحرق عظام الكهنـة على مذابحهم» ( ٢مل٣٤: ٣- ٧). وطهر يهوذا وأُورشليم ومـدن منـسى وأفرايم وشمعون حتى أرض نفتالي في الشمال، هدم المذابح كما صنع في يهوذا وعاد إلى أُورشليم . وهكذا مسح الأرض كلها من العبادات الغريبـة وامتـد فامتلك إقليم السامرة ومجدو وجلعاد التي كان الأشوريون قد فـصلوها عـن إسرائيل في الشمال، كما امتد حتى شواطئ البحر الأبيض حتى جنوب يافا. وقد اكتشفت فيها حفريات وشقافة تثبت ملكية يوشيا لهذه المنـاطق . وقـد رحب به أهل إسرائيل المتبقون في الأرض وانضموا إليه لمقاومة بعض الفـرق الأشورية المتبقية في الأرض، حيث كانت أشور غير واعية لنفسها وقد رضيت بفقده كموالٍ لها، غير أنها بقيت كما هي قوة معادية . وفي نفس الوقت كـان بسماتيك ملك مصر قد بدأ يظهر كقوة في الجنوب . ويحكي إرميا كيف كان يوشيا حيراناً بين مصر وأشور لأيهما ينضم، فوقف له إرميا بالمرصاد يحذِّره: « والآن مالك وطريق مصر لشرب مياه شيحور، ومالك وطريق أشور لـشرب مياه النهر» (إر ١٨:٢). وهكذا بينما كان يسير يوشيا نحو القمة في القـدرة والإصلاحات كانت أشور تتدهور إلى الحضيض .
ملامح نهضة يوشيا:
كان يوشيا يسير بخطى النهضة والإصلاح كأفضل ما رأتـه اليهوديـة في تاريخها، ويأتي وصفها في سفر الملوك الثاني هكذا: «وعمل المستقيم في عـيني الرب وسار في جميع طريق داود أبيه ولم يحد يميناً ولا شمالاً» ( ٢مـل ٢:٢٢).
وفي السنة الثامنة عشرة للملك بدأت إصلاحاته على أعلى مستوى إذ جمـع الفضة التي استودعت في الهيكل وأرسل إلى البنائين والصناع وجمـع عمال الترميم وبدأوا في ترميم هيكل الرب : نجَّارون وبنـاءون ونحَّـاتون، وشـراء أخشاب وحجارة منحوتة لأجل ترميم البيت !! وإزاء هذه الحركة المباركة من قلب الملك تحركت السماء لتنعم على هذا الملك الأمين بما يتوافق مع مقاصده.
إذ حدث أن حلقيا الكاهن العظيم وجد سفر الشريعة في بيت الرب بينما كان يبحث عن كنوز الذهب المخفية لبناء الهيكل، وكان في السابق قد نسي سفر الشريعة هذا لأنه اختفى وضاع . فاستحضره الملك وسمع منه كلام الـشريعة وخاصة في التحذيرات والويلات للذين يستهينون بالمقدسات «فلما سمع الملك كلام الشريعة مزق ثيابه» وأرسل الكاهن العظيم والمسئولين عن البيت قائلاً:
«اذهبوا واسألوا الرب لأجلي ولأجل الشعب ولأجل كل يهوذا مـن جهـة كلام هذا السفر الذي وجد» ( ٢مل٢١ : ١١-١٣). فأرسـلوا إلى نبيـة في أُورشليم اسمها خلدة، فأمنت على كل ما عمل الرب ويعمـل في أُ ورشـليم بسبب أن الملوك السابقين خرجوا عن الشريعة وعبدوا الأوثان، أما عن شخص يوشيا فقالت: «هكذا قال الرب إله إسرائيل من جهة الكلام الذي سمعت (في التوراة ) – من أجل أنه قد رق قلبك وتواضعت أمام الرب حين سمعت ما تكلمت به على هذا الموضع (بالشر) وعلى سكانه أم يصيرون دهشاً ولعنـة ومزقت ثيابك وبكيت أمامي . قد سمعت أنا أيضاً يقول الرب . لذلك ها أنـذا أضمك إلى آبائك فتضم إلى قبرك بسلام ولا ترى عيناك كل الشر الذي أنـا جالبه على هذا الموضع» (٢ مل ٢٢ :١٨-٢٠).
وقد جال هذا الملك التقي أرض إسرائيل كلها مـن الـشمال إلى الجنـوب ومسحها مسحاً وأباد الأصنام التي كان قد صنعها سليمان الملك والملوك الـذين بعده إلى آخر ما صنعه أبوه، وذبح كهنة البعل وأحرق عظامهم . وأقام قـضاة في الأرض كلها لاستتباب العدل والأمان . ودعا جميع الكهنة واللاويين مـن كافـة الأعمار وبدأ يقرأ لهم من سفر الشريعة فيما يخصهم، وبعدها وقف في وسـطهم وأجبرهم أن يعطوا عهداً بقسم ليعبدوا الرب ويقيموا الناموس بحـسب شـريعة موسى، فارتضوا من أنفسهم ووعدوه، وفي الحال قاموا بتقديم الذبائح وصلوا أمام االله أن يكون رحيماً مع الشعب وكثير الإحسان كعادته . وبعد أن طهـر الـبلاد هكذا دعا الشعب للاجتماع في أُورشليم وعمل أمامهم الفصح للرب في أُورشليم وذبحوا الفصح في الرابع عشر من نيسان: «ولم يُعمل فصح مثله في إسرائيل مـن أيام صموئيل النبي» (٢ أخ ١٨:٣٥)، وقد دخل مع الشعب في عهد أمانـة الله . هذا كله حدث في السنة الثامنة عشر من ملكه التي توافق ٦٢٢ ق.م.
وكان تجديد الهيكل وإقامة الشريعة بطقوسها شاهداً لنهضة كبرى تمَّت على يد ذلك الملك . على أن نيَّة كسر نير الأشوريين بدأت عند يوشيا في السنة الثامنة من ملكه سنة ٦٣٣ ق.م، وفي السنة الثانية عشرة الموافقة ٦٢٩ ق.م – يوافق هـذا التاريخ اعتلاء شن شارإشكون عرش أشور – بدأت أعمال تطهير العبادة وامتدت حتى الشمال لإسرائيل . وفي السنة الثامنة عشرة الموافقة ٦٢٢ ق.م ارتخـت يـد الأشوريين وزالت سطوتهم وهي السنة التي وُجدت فيها الشريعة فكان دافعـاً قوياً للامتداد وفرصة سانحة لقطع دابر عبادة الأشوريين في البلاد.
وأعلن يوشيا أنه لا خلاص للبلاد مما حاق بها وسيحيق بها إلاَّ بالتوبة.
نهضة يوشيا: العوامل والقيمة:
كان لاكتشاف سفر الشريعة والمعتبر الآن أنه سفر “التثنية” أثر كبير، لأن معظم انفعالات يوشيا كانت بإيحاء من سفر التثنية، خاصة فيما يكون عليـه الكهنة والخدمة والهيكل وهي التي ابتدأ بها في التجديد . ولأن سـفر التثنيـة يحتسب أن عبادة الأوثان تعد جريمة عظمى فكان ذلك هو الـسبب في رفـع حرارة يوشيا ضد الأوثان وعبادتها وعبادها وكهنتها إلى أقصى حدود العنف. فقد ذبح الكهنة الذين كانوا يتعاملون معها حتى ولو كانوا من أنصاف عبـاد يهوه وأحرق عظامهم .
كذلك كانت شجاعة يوشيا في تحطيمه العبادات الغريبة التي استقدمها أبوه من أشور تغلي في صدره بعامل الضد بالنسبة لأبيه في كل شـيء، بعـد أن رأى البلاد وخاصة على ضوء الناموس كيف صارت لعنة بالنسبة لإسرائيل الأُولى .
كذلك فإن عبادة أشور في البلاد وداخل أُورشليم والهيكل، وهو العـدو المحتل الذي أذل اليهود، تمثل بالنسبة ليوشيا المذكِّر بالذل، فإن مقاومتها تسري في دمه بعامل الوطنية الحرة وروح الخلاص كحركة تحريـر مـن الأسـاس .
وتطهيره للعبادة حتى أقصى البلاد في الشمال كان جزءاً من طموحه لـضم وتوحيد البلاد لتكوين إسرائيل الحرة . فكان توحيد العبادة الصحيحة أعظـم خطوة لتوحيد البلاد سياسياً .
وسرت روح الحرية في يوشيا بعد ما نجح في إزالة كل الأصنام والعبادات الوثنية في البلاد، وهي الروح التي كانت تدفعه لرؤية البلاد تـستعيد أمجادهـا الأُولى كأيام داود .
ودخول عنصر الأنبياء و إعطاؤه الفرصة ليستمعه الـشعب وسـط هـذه الإصلاحات الجريئة كان أكبر معين ليوشيا، إذ جهز له الشعب لقبول هـذه الإصلاحات دون معارضة تذكر . كما أمد الملك بإحساس رضـى االله عـن أعماله ودفعه للمزيد من الجهاد في الإصلاح إذ سمع من نبوة صفنيا أجمل مـا يمكن أن تسمعه أذناه
+ «ترنمي يا ابنة صهيون (في الجنوب)، اهتف يا إسرائيل (في الـشمال ) افرحي وابتهجي بكل قلبك يا ابنة أُورشليم (عاصمة الملك ومقر هيكل االله العظيم ) قد نزع الرب الأقضية عليك أزال عدوك، ملك إسـرائيل الرب، في وسطك، لا تنظرين بعد شرا … الرب إلهـك في وسـطك جبار”(صف٣: ١٤-١٩) .
السنين الأخيرة ليوشيا:
لقد امتدت إصلاحات يوشيا بامتداد الأرض أمامه من أقصى الجنـوب إلى أقصى الشمال وليس من محاسب، لا جزية ولا رقابة . فكانت هـذه الحريـة بالنسبة له العامل الذي ظلَّ يلح عليه نحو المزيد من إصلاحاته . على أنه اهـتم بالناحية العسكرية ليحمي حريته التي اغتصبها من يد الغاصب . والمعروف أنه بقطع عبادة الأوثان وإصلاح عبادة يهوه وسماع كلمات الشريعة دفعت البلاد إلى عهد إصلاح أخلاقي وسلوكي وأدبي جديد لم تكـن تعرفـه، وعـادت أُورشليم لتكون مركز العبادة ومقر حج الألوف من الساعين إليها من جميـع البلاد (إر ٥:٤١ ).
ولكن بالرغم من كل هذه المظاهر الجيدة التي سارت في موكب النهـضة وما رافقها من عودة إلى الشريعة وعبادة يهوه في الهيكل، كانت كـل هـذه التجديدات تحتاج إلى من يرسخها بالتعليم والرعاية والقدوة . كـذلك فـإن مظاهر العبادة وبداية التمسك بالناموس دون دوافع حقيقية في الداخل أدخلت المظاهر الريائية التي ابتدأ يرثها جيل وراء جيل . كذلك الكهنة والمعلمون لمَّـا كان استدعاؤهم بأمر تكليف وضغط وليس عن عمق معرفة وسعي داخلـي، بقيت الديانة عندهم صنعة ومهنة وتوارثها الخلف عن السلف . لذلك كانـت نهضة يوشيا الملك بادرة ذ ات لمعان خارجي ولكنها تخلو من حقيقـة النـور والروح والحق.
موت يوشيا الملك وفقدان الحرية المؤقتة:
في هذه الأثناء التي كنَّا منشغلين فيها بيوشيا الملك وقيام عـصر النهـضة والحرية التي يمكن أن تبشر بالخير لو ترسخت ودامت، قامـت مملكـة بابـل ومادي وأنزلت بأشور حتى التراب سنة ٦١٢ ق.م وسقطت مدينة نينـوى.
ولكن بالرغم من أهمية هذا الخبر ليوشيا واليهودية إذ سقط الجبار الذي استبد بهم، ولكن ما فتئ أن قامت النسور الجارحة تقتسم الجثة والخاسر الوحيد فيها في ذلك الوقت هو اليهودية، لأن يوم الحرية والتحرر كان لا يزال بعيداً جداً.
فلما قامت مملكة بابل باتفاق مع مادي في الانقضاض على أشور، يخبرنا سفر أخبار الأيام الثاني (٢٠:٣٥) أن نخو الثاني ملـك مـصر (٦١٠-٥٩٤ ق.م) الذي خلف بسماتيك أباه قام بقوة كبيرة متجهاً إلى كركميش علـى الفرات ليساعد أشور أوباليت Asshur-uballit ليسترد معه حـاران الـتي سقطت في يد البابليين: «صعد نخو ملك مصر إلى كركميش ليحارب عنـد الفرات (لحساب أشور) فخرج يوشيا للقائه» (٢ أخ ٢٠:٣٥)، فكانت حماقة من ملك اليهودية أن يتصدى لملك قوي كأنه قادر أن يصده عن التحالف مع أشور. وبالرغم من أن نخو ملك مصر أرسل إليه: «فأرسل إليه رسلاً يقـول : مالي ولك يا ملك يهوذا لست عليك أنت اليوم ولكن على بيت حـربي واالله أمر بإسراعي، فكف عن االله الذي معي فلا يهلكك»( ٢أي ٢١:٣٥). ولكن للأسف لم يسمع يوشيا ولم يرتدع :
+ «ولم يحول يوشيا وجهه عنه بل تنكَّر لمقاتلته ولم يسمع لكلام نخو من فم االله بل جاء ليحارب في بقعة مجدو . وأصاب الرماة الملك يوشيا فقال الملك لعبيده انقلوني لأني جرحت جداً … وساروا به إلى أُورشليم فمات ودفن في قبور آبائه وكان كل يهـوذا وأُورشـليم ينوحـون علـى يوشيا« (٢أخ٣٥ :٢٢-٢٤)
+ «ولم يكن قبله ملك مثله قد رجع إلى الرب بكل قلبه وكل نفسه وكل قوته حسب كل شريعة موسى وبعده لم يقم مثله.» (٢ مل ٢٥:٢٣ )
وقد رثاه إرميا النبي بمرثاة طويلة وكذلك حزقيال النبي، علماً بأن هذين النبيين هما كاهنان بالميلاد حسب تحقيق يوسيفوس المؤرخ. وقد سـكن إرميا في أُورشليم في السنة الثالثة عشرة لحكم يوشيا حتى سقطت المدينـة والهيكل وتمَّ خرابها .
|