عيد الميلاد
هاجر كثير من أعضاء كنيسة بإحدى مدن شمال إنجلترا ولم يتبقَ إلا القليل من العائلات، أغلبها من المسنين، فأُهملت مباني الكنيسة إلى سنوات.
قبيل عيد الميلاد لعام 1958م اجتمع بعض الأعضاء وقروا تهيئة المبنى بمجهودهم الذاتي للاحتفال بالعيد. وبالفعل بذلوا جهدًا في تهيئته، غير أن عاصفة شديدة قامت بالليل حطمت كل ما صنعوه. كما سقط جزء كبير من ملاط إحدى الحوائط فظهر شق وفجوة في الحائط.
أعاد الأعضاء العمل وقاموا بتنظيف الكنيسة وكل أثاثاتها، لكنهم وقفوا عاجزين عن التصرف بخصوص الشق الظاهر في الحائط بعد سقوط الملاط.
في وقت الظهيرة عبر راعي الكنيسة على صالة مزاد فشاهد غطاء مائدة أبيض جميل مطرَّز، فشعر أنه مناسب لتغطية الشق. اشتراه الراعي ببعض الشلنات.
على محطة الأتوبيس شاهد الراعي سيدة تبكي، فأدرك أنها في ضيقة شديدة. سألها إن كانت تذهب معه إلى الكنيسة، وهناك أنصت إلى قصتها. لكنه لاحظ أن السيدة قد توقفت عن الحديث فجأة وصارت تركز على غطاء المائدة الأبيض. سألها عن سبب صمتها، فأجابت أن هذا الغطاء هو ملكها، قدمه لها زوجها، وأنه يوجد عليه الثلاثة حروف الأولي من اسمها. ثم روت له كيف عاشت هي وزوجها في فينا.
في أثناء الحرب وُضع رجلها في معسكر، وقد جاء إليها خبر وفاته. فجاءت إلى بريطانيا العظمى لتعمل مربية لأطفال في مدينة قريبة من الكنيسة، لكنها إذ جاءت إلى المدينة وجدت فرصة العمل قد ضاعت منها.
تأثر الراعي بقصتها جدًا واهتم بها وطلب منها أن تأخذ هذا الغطاء بكونه ذكرى من زوجها الراقد في الحرب، أما هي فإذ عرفت أنه سيغطي به شقًا كبيرًا في جدار الكنيسة، خاصة أثناء الاحتفال بعيد الميلاد رفضت قبوله، قائلة إنها تود أن تقدم شيئًا في هذا العيد لأية أسرة أو إنسانٍ ولكن إذ لا تملك ما تقدمه فإنها تتنازل عن هذا الغطاء للكنيسة.
حاول الراعي بكل جهده أن تقبل الغطاء لكنها رفضت، وحسبت أن رفض الراعي لقبوله إنما هو حرمان لها من عطاء شيء عزيز لديها للَّه في هذا العيد المبارك.
تركت السيدة الكنيسة، وبعد ساعات قليلة امتلأت الكنيسة بالقادمين للاحتفال. عاد الكل إلى منازلهم وبقي رجل واحد جاء إلى الراعي يسأله:
- من أين هذا الغطاء؟
- اشتريته من مزاد... لماذا تسأل؟
- إنه هديتي لزوجتي في فينا.
- وهل أنت تعيش هناك؟
- لا، فقد افترقنا أنا وزوجتي بسبب الحرب، وأُرسلت زوجتي إلى معسكر، واخبروني أنها ماتت. وقد جئت إلى انجلترا أعمل في تصليح الساعات في هذه المدينة.
دُهش الراعي للأحداث العجيبة التي يلمسها بنفسه، فأخبر الزوج بأن زوجته كانت في الكنيسة منذ ساعات، وأنها تظن بأن زوجها قد مات، وأنها جاءت إلى إنجلترا للقيام بالعمل كمربية... ثم أخبره عن اسم العائلة التي في المدينة المجاورة الني كانت تود أن تعمل عندهم كمربية لأطفالها.
ذهب الزوج إلى الأسرة واكتشف عنوان زوجته عن طريق خطاب أرسلته لهم بعد وصولها...
وفي الصباح الباكر التقى الزوج بزوجته بعد سنوات، وفرحا أنهما عادا إلى بيت الزوجية من خلال تنازل الزوجة الفقيرة عن غطاء المائدة لتستر به حائطٍ مشقوقٍ!
لقد أدركت أن اللَّه قدم لها في هذا العالم أضعاف ما قدمته من أجل محبتها...
شعر الزوجان أن كل أمورهما لا تسير اعتباطًا، بل تعمل يدَّ اللَّه الخفية لحسابهما.
* كثيرًا ما نظن خطأ أن أمورنا تسير اعتباطًا،
ولا نكتشف يدَّ اللَّه الخفية العاملة لحسابنا،
يدَّ ضابط الكل الذي يحصي حتى شعور رؤوسنا.
* أعمال محبتنا للَّه وللناس تقود حياتنا خفية،
يتقبلها اللَّه رائحة بخور طيبة،
وبسببها يُوجّه الأحداث لحسابنا ونحن لا ندري.
لنلقِ خبزنا على وجه المياه، حتمًا سيعود إلينا يومًا ما!