أبونا الراهب سارافيم البرموسي
رسالة إلى الله
إلى السيّد الأوحد المالك أبد الدهور على خليقة الوجود والمُعْلَن لنا بقوة البهاء الأزلي في وجه يسوع الكلمة بالروح الإلهي..
أمّا بعد،،
بعد الكثير من التفكير والمراجعة وجدت أنه يجب أن أقر أمامك بما يلي وذلك لشعوري بالحاجة إليك:
اعترف أمامك بعامي المنقضي الذي قضيته في تيه الحيرة بين قيام وتعثُّر، بين معاينة وعمى، بين اجتهاد وكسل، بين سير واستلقاء، بين خضوع وتمرُّد، بين تبعيّة وعودة إلى الوراء.. تلك كانت خطيئتي..
اعترف أني انشغلت عنك بما يقال عنك، دخلت في جدالات وحوارات وسجالات حوّلتك إلى فكرة ونظريّة، فأهنتك بتشييئك وأنت الذي كرمتني بتأنُّسك.. تلك كانت خطيئتي..
اعترف أني أبكمت صوت الروح في قلبي كثيرًا وهربت من ملاحقته بل وأغلقت عليه وتركته وسرت دونما روح في الكثير من الأيام والليالي وهناك بحثت عن سعادة فلم أجد إلا مرارة الوحدة وتبعات النشوة المؤلمة.. تلك كانت خطيئتي..
اعترف أني لم أقابل كلمتك بخضوع روحي بل أخضعت كلمتك لفكري وتحدثت عن ذاتي تحت ستار ثيابك لأنال مجدًّا عوضًا عنك وأُرفع على المنابر بدلاً منك.. تلك كانت خطيئتي..
اعترف أني أحببت العالم في الكثير من الأوقات وقد داعب قلبي ومشاعري بريقه.. أحببته.. أردت أن أضعه بجانبك في القلب، فإذ بك ترحل تاركًا قلبي للعالم الذي ظلّ يبرق ولكنه لا يهب حياة. أردت أن أسترجعك وأنا متشبّث به فلم تقبل، فصرخت وأنا أحتضنه فلم يصعد إليك صراخي، وحينما أنهكني العالم والصراخ، تركته وإذ بي أجدك بقربي تنير عالمي، ولكني انتصبت من جديد لأعاود الكرّة، أريدك مع العالم، تلك هي خطيئتي..
اعترف أني لم أروّض جسدي ولم أهذب إرادتي بعمل نعمتك، فكان سقوطي أكثر من قيامي، وكثيرًا ما صدّقت أنه ليس من فائدة.. فإرادتي الخائرة تملك مصيري.. كانت تلك خطيئتي..
اعترف أني كنت أعلّم بلهيب الروح وأنا في برودة الفتور أبني منزلي، وكنت أتعجب حينما أرى لهيبك يمسّ قلوب وأرواح وحيوات الكثيرين، فأراك عظيمًا وأراني ضئيلاً، وبينما كنت أطلب لهب الروح لم أهيئ له مذبحًا.. تلك كانت خطيئتي..
اعترف بأني كثيرًا ما كنت أتحرّك بقواي ومواهبي وملكاتي وقدراتي، والتي كانت تحقّق قدرًا من النجاح الظاهر، بينما في الداخل، في الخفاء، كنت أعاين الوهن والشيب يدبّ في أوصال نفسي. لم أكن أداة في يدك كلّ الوقت.. تلك كانت خطيئتي..
اعترف بأني أخفقت في الإعلان عنك كنور للأمم وملح للأرض.. انشغلت بذاتي عوضًا عن إعلانك.. خفت من الحديث عنك، وكلما هممت بالحديث كان الخوف يمسك فمي ويكبّل لساني فإذ بالصمت يتسيّدني، بل وقد علمّت بأنّ صمتي هو حكمة!!! تلك كانت خطيئتي..
اعترف بأني كنت أميل لفرق وأشخاص على حساب آخرين، أدخلت التحزُّب إلى جسدك، وكنت أبرّر مواقفي بأني أصرخ بالحق، وصوت الحقّ مني براء.. صرخت بحقّ ليس فيه محبّة ففارقني إله المحبّة ولم أجد في النهاية سوى كلمات.. تلك كانت خطيئتي..
اعترف بتحجّري في مواقفي وقناعاتي وعدم قدرتي على الحوار مع آخرين.. جلست ونسجت من عالمي محورًا تدور أنت فيه!! فأقصيت الكثيرين وأدنت الكثيرين وأغلقت طاقات النور عن كثيرين لا لشيء إلاّ لأن تلك هي خبرتي.. تلك كانت خطيئتي..
وبعد كلّ هذا.. أتراك تقبل أن تجدد عهد نعمتك مع آنية كثيرًا ما تحوّلت عن نعمتك؟؟
انتظر الجواب في أقرب فرصة.. فالليل قد تناهى وتقارب النهار.. فلا تؤخّر ردّك فأنا في الانتظار..
_