|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مفهوم الخضوع والطاعة للوالدين يُقَدِّم لنا كلمة الله المتجسد مفهومًا للخضوع والطاعة للوالدين عمليًا. الالتزام بالخضوع ليس طاعة عمياء بلا فهمٍ ولا حكمةٍ بل بحُبٍ صادقٍ. فمع شهادة لوقا البشير أن ربنا يسوع كان خاضعًا لهما (لو ٢: ٥١)، أبرز الإنجيل مفهوم الخضوع عمليًا بالآتي: أولًا: التزام الوالدين بمساندة أطفالهما في تحقيق خطة الله في حياتهم. هذا ما فعلاه حين كان يتحدث مع المُعَلِّمين في الهيكل وهو في الثانية عشرة من عمره (لو ٢: ٤٩). يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن خضوع السيد المسيح لأمه لم يعقه عن إتمام رسالته، فقد قبل الصليب بإرادته وبمسرة (عب 12: 2) وإن كان قد اجتاز في نفسها سيف (لو 2: 35) بسبب آلامه وموته. هكذا يُقَدِّم الربّ للوالدين كما للأبناء علاقة الحب المتبادلة وإن كانت من القلب لكنها ليست على حساب تحقيق رسالة الله للأبناء. * يليق به كمُعَلِّم أن يُقدِّم الرب نفسه مثالًا للآخرين، فهو يأمر وينفِّذ ما يأمر به. فإنه إذ يوصي بأنه إن لم يترك الإنسان أباه وأُمُّه لا يستحق ابن الله (مت 10: 37، لو 14: 26) أراد أن يكون أول من يخضع لهذه الوصيَّة، لا ليقاوم إكرام الأم اللائق، إذ سبق فقال إن من لا يُكرم أباه وأُمُّه موتًا يموت (خر 20: 2، تث 27: 6) وإنما كان عالمًا أنه ينبغي أن يكون فيما لأبيه أكثر من عواطفه نحو أُمُّه، فرباط الروح أقدس من رباط الجسد. ما كان يجب على الذين يطلبون يسوع أن يقفوا خارجًا، لأن الكلمة قريبة منك، في فمك وفي قلبك (تث 30: 14، رو 11: 8). الكلمة تسمعها من الداخل، والنور أيضًا في الداخل، لذلك قيل: "اقتربوا إلىَّ واستنيروا" (مز 33: 6)، فإنه إن كان لا يعرف أهله إن وقفوا خارجًا، فكيف يعرفنا نحن إن وقفنا نحن في الخارج؟ القدّيس أمبروسيوس إن كان السيِّد المسيح قد قدَّم درسًا علميًا ومثلًا حيًا للخضوع والطاعة للوالدين، فقد أعلن بكلماته "لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي؟" (لو 2: 49) أنه من حق الطفل أو الصبي أن يسلك في رسالته حسب مواهبه وإمكانيَّاته ولا يكون آلة بلا تفكير في يديّ الوالدين. بمعنى آخر يليق بالوالدين أن يتعاملا مع ابنهما لا كامتداد لحياتهما يُشَكِّلانه حسب هواهما وأمنيَّاتهما، وإنما يوجِّهانه لتنمية مواهبه وقدراته.. يعاملانه كشخص له مقوِّمات الشخصيّة المُستقلَّة وليس تابعًا لهما. ثانيًا: سمح السيد المسيح لوالدته أن يجوز في قلبها سيف (لو ٢: ٥٣)، إذ لم يعمل على راحتها الجسدية، بل سمح لها أن تختبر عذوبة الألم والصلب معه فتُرَدِّد مع الرسول: "مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا، بل يحيا المسيح فيَّ" (غل ٢: ٢٠). يقدَّم لنا القدّيس أمبروسيوسمفهومًا آخر للسيف الذي يجوز في نفس القديسة مريم، ألا وهو "كلمة الله" التي يليق بنا أن نتقبَّلها في أعماقنا كسيفٍ ذي حدين (عب 4: 12)، تفصل الشرّ عن الخير الذي يقوم.. [لم يذكر الكتاب ولا التاريخ أن مريم استشهدت، غير أن السيف المادي لا يجوز في الروح بل في الجسد، إنما كلمة الله قويّة وفعَّالة وأمضى من كل سيف ذي حدِّين، وخارقة إلى النفس والروح (عب 4: 12).] إن كان السيد المسيح الذي جاء لخلاص العالم قد صار موضع مقاومة، فإنَّ القدِّيسة مريم تشارك ابنها الصليب بكونها تُمثِّل الكنيسة، التي تحمل صورة عريسها المصلوب المقاوَم. إذ يقول: "وأنتِ أيضًا يجوز في نفسك سيف. لتعلَن أفكار من قلوب كثيرين" (لو 1: 35). وكما يقول القديس كيرلس الكبير: [يُراد بالسيف الألم الشديد الذي لحق بمريم وهي ترى مولودها مصلوبًا، ولا تعلم بالكليّة أن ابنها أقوى من الموت، وأنه لابد من قيامته من القبر، ولا عجب أن جهلت العذراء هذه الحقيقة فقد جهلها أيضًا التلاميذ المُقدَّسون، فلو لم يضع توما يده في جنب المسيح بعد قيامته، ويجس بآثار المسامير في جسم يسوع لما صدق أن سيِّده قام بعد الموت.] وجاء في قطع الساعة التاسعة: [عندما نظرت الوالدة الحمل والراعي مُخلِّص العالم على الصليب مُعَلَّقا، قالت وهي باكية: أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص، وأما أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا ابني وإلهي.] ثالثًا: لم يُمارِس خضوعه لها بكلماتٍ معسولة، إنما برعايته العملية لها، لذلك سلَّمها لتلميذه البتول المحبوب يوحنا كابنٍ لها، يهتم بها بعد موته على الصليب. برز خضوعه لأمه حتى وسط آلام الصليب، إذ عهد بها لتلميذه المحبوب يوحنا كابنٍ لها يسندها وسط آلامها، وعهد بتلميذه لها ليختبر عذوبة أمومتها للمؤمنين. رابعًا: كشف لها أن الخضوع الحقيقي للوالدين لا يعني انغلاق القلب في حدود الأسرة، إنما يفتح باب القلب للبشرية خلال الطاعة لكلمة الله. هذا ما عناه من قوله إن كل من يسمع للوصية الإلهية هو أخاه وأخته وأمه (مت١٢: ٤٨). خامسًا: يليق بالوالدين أن يدركوا أن أبناءهم هم هبة الله لهم؛ وإن كانوا أصغر سنًا وأقل خبرة من والديهم،لكن يليق بنا أن نشتهي دومًا أن يكون أبناؤنا قادة أكثر معرفة ونجاحًا وتقوى منا. بهذا تتمتَّع الكنيسة بالنمو الدائم، فنتطلَّع بكل تقدير لكنيسة المستقبل ونطلب ألاَّ يسقط أبناؤنا في ضعفاتنا وسقطاتنا بل نشتهي لهم أن يحتلّوا مركزًا أعظم في السماويات، ويدركوا مفاهيم روحية أعمق منا. أدركت القديسة مريم من هو هذا القدوس الذي تجسَّد منها وهي بتول. في صمتٍ كانت دائمة التفكير فيه والتأمل في تصرفاته (لو ٢: ٥١) بروح الخضوع لخالقها المتواضع والعجيب في حُبِّه. ومن جانبه كان خاضعًا لها وللقديس يوسف (لو ٢: ٥١). * لكي تتأكَّد من احترامه العظيم لأمه استمع إلى لوقا كيف يروي أنه كان "خاضعًا لوالديه" (لو 2: 51)، ويعلن الإنجيلي (يوحنا) كيف كان يُدَبِّر أمرها في لحظات الصلب عينها. فإنه حيث لا يُسَبِّب الوالدان أية إعاقة في الأمور الخاصة بالله فإننا ملتزمون أن نُمَهِّد لهما الطريق، ويكون الخطر عظيمًا إن لم نفعل ذلك. أما إذا طلبا شيئا غير معقول، وسبَّبا عائقًا في أي أمر روحي فمن الخطر أن نطيع! ولهذا فقد أجاب هكذا في هذا الموضع، وأيضًا في موضع آخر يقول: "من هي أمي؟ ومن هم إخوتي؟" (مت 12: 48)، إذ لم يفكروا بعد فيه كما يجب. وهي إذ ولدته، أرادت كعادة بقية الأمهات أن توجهه في كل شيء، بينما كان يلزمها أن تكرمه وتسجد له، هذا هو السبب الذي لأجله أجاب هكذا في مثل هذه المناسبة القديس يوحنا الذهبي الفم لم تكن القوانين والشرائع الدينيّة أو المدنيّة حتى اليهوديّة في ذلك الحين تُعطِي الطفولة حقًا للحياة بما لكلمة "حياة" من معنى إنساني حُرّ، إنما كانت بعض القوانين تبيح للوالدين أن يقتلا الطفل أو يُقَدِّماه مُحرَقة للآلهة، كما كان يفعل عابدي الإله ملوك أو ملوخ.. * لم يقل هذا كمن يجحد أمه، إنما ليُعلِن كرامتها التي لا تقوم فقط على حملها للمسيح، وإنما على تمتُّعها بكل فضيلة الأب ثيؤفلاكتيوس بطريرك بلغاريا * يضيف النص: "وكانت أُمُّه تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها" [51]. لقد عرفت مريم أن هناك أشياء تفوق ما للإنسان الطبيعي فحفِظت في قلبها كل كلمات ابنها.. كانت تراه ينمو ويتقوَّى في النعمة أمام الله والناس.. كان يسوع ينمو في الحكمة، وكان يظهر أكثر حكمة من سنة إلى أخرى العلامة أوريجينوس |
08 - 12 - 2021, 02:53 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: مفهوم الخضوع والطاعة للوالدين
فى منتهى الروعه الرب يفرح قلبك |
||||
|