لتكن صلاتي كالبخور أمامك
المزمور المئة والحادي والاربعون
1. المزمور المئة والحادي والاربعون هو مزمور توسّل فرديّ ينشده المرتّل طالبًا إلى الرب أن ينقذه من مخالب الاشرار. ساعة تقدمة المساء، حين يحمل المؤمنون تقادمهم إلى الرب، وجد هذا البائس المسكين أن لا تقدمة بين يديه، مع أن التقدمة المطلوبة هي قليل من السميذ والزيت والبخور (لا 2: 1).
علاوة على ذلك، يبدو المرتّل مريضًا مسمّرًا على فراشه، فلا يستطيع أن يقرّب مع الجماعة الذبيحة المسائية. لهذا تراه يكتفي بالاشتراك من بعيد وهو عارف أنه خاطئ غير طاهر، فلا يحق له أن يدخل الهيكل.
يُنشد هذا المزمور مع مزامير أخرى عديدة (143، 144، 132، 119) عند المساء، عندما تضاء أنوار القناديل في الهيكل: يا رب استمع إلى صلاتي، تبارك الرب صخرتي. وقد اعتادت الكنيسة أن تصليه في طقوسها ساعة المساء: لتقم صلاتي كالبخور أمامك، ورفع يدي للصلاة كتقدمة المساء.
2. الله يحمينا من التجارب ومن فخاخ الشرير.
آ 1- 2: نداء ودعاء إلى الرب: يصرخ المرتّل ويطلب من الله ليحسب له صلاته كتقدمة مساء. إن حالة المرتّل تبدو كأنها يائسة: أسرع إليّ، أصغ إليّ حين أدعوك، لتكن لصلاتي (ورفع يدي للصلاة) قيّمة كتقدمة المساء التي تقدّم في الهيكل. نحن في هذا المقطع بين تقدمة الذبائح الدموية وبين فعل العبادة الروحية.
آ 3- 4: يتوسّل المرتّل إلى الرب لكي يحفظه من الانزلاق إلى الشر: إجعل حارسًا لفمي، رقيبًا على باب شفتي، لأن لسان الانسان يهلكه (سي 5: 15) ويبدّده ويهدمه (سي 28: 16- 17). وبما أن شر اللسان يأتي من شر القلب، فالمرتّل يطلب من الرب أن يحفظ قلبه فلا يميل إلى السوء، ويبعده عن العيش مع الأشرار وفاعلي السوء لئلا يشاركهم حياتهم ويتعلّم عاداتهم ويعمل أعمالهم.
آ 5- 7: يبدي المرتّل استعداده لأن يقبل التوبيخ بتواضع وصبر من الصديقين. نجد في هذا المقطع تشبيهين: الاول بين الزيت الذي يخترق جسم الانسان، وتوبيخ الصديق الذي يلج ضمير الخاطئ التائب. والثاني، بين المحراث الذي يبدّد تراب الأرض، وغضب الله الذي يبدّد عظام الاشرار فلا يستريحون في قبورهم.
آ 8- 10: ينتهي المزمور بصلاة واثقة يرنّمها المرتّل طالبًا فيها إلى الرب أن يحكم على الأشرار بما تستحقه أعمالهم: ليسقط الاشرار في مصايدهم.
3. الموضوع الأول هو موضوع الصلاة. يدعو المرتّل الرب، وإليه يرفع يديه علامة الصلاة الواثقة. وصلاته نداء إلى الرب في ضيقه، ووعدٌ منه بأن يبتعد عن الاثمة متكلاً على عون الله وسهره على أحبّائه.
الموضوع الثاني هو موضوع الاشرار وقوتهم الظاهرة التي تجبر خائفي الله على مشاركتهم لهم في أعمالهم. فليعاقب الله الاشرار حتى يعيش أحباؤه في السلام.
4. في القرن الثالث ق م، كان إيمان شعب الله مهددًا بسبب الاضطهاد ودخول الروح الوثنية في قلوب بني اسرائيل الذين رفضوا المقاومة وأنجرّوا وراء الافكار الجديدة. ولقد كاد المرتّل يقع في التجربة، لولا عون الله الذي استجاب لصلاته الخاشعة. لهذا يبقى هذا المزمور صلاتنا نحن الذين قال لنا يسوع: "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في التجربة. الروح قويّ، أما الجسد فضعيف" (مر 14: 38). نحن الذين سمعنا كلام القديس بولس إلى الرومانيين (11: 2): "لا تتشبَّهوا بما في هذه الدنيا، بل تغيّروا بتجديد عقولكم لتعرفوا مشيئة الله: ما هو صالح وما هو مرضيّ وما هو كامل".
5. تأمّل
كانت الكنيسة الاولى تتلو هذا المزمور كل مساء، لا لأنه يتحدّث عن ذبيحة المساء، بل لأنه يبدو كدواء خلاصي يقدر أن يشفي الخطايا التي اقترفناها خلال النهار.
فالشر يلاحق المسيحي في كل دقيقة بشكل إغواءات واغراءات تهدّده بالهلاك. وهو يبدو محببًا حين يأتي إلينا بشكل تعلق وحين يوقظ فينا الكبرياء والغرور. ولكن المزمور 141 يقدّم لنا دفاعًا ضد الشر بصوره الخادعة. فتكون ردّة الفعل طلبًا إلى الله ليحمينا ضد الانجراف الشخصي وراء الشر وكل اغراءات العالم الخاطئ. "نسألك يا رب أن تمنح شعبك أن يتجنّب التأثير الشيطاني وأن يتبعك أنت وحدك بنفس طاهرة". فكأني بهذا المزمور يشكّل المزمور الثامن من مزامير التوبة.
ونستنتج أيضًا أمثولات عديدة حين نصلي هذا المزمور.
قال فوتيوس لائمًا الذين يعرفون المزمور غيبًا ولا يفهمون معانيه: "أجل، يعرفون كلهم كلمات هذا المزمور ولقد رتلوها طوال حياتهم. ولكنهم لا يعرفون معنى الكلمات. وهذا ليس بلوم بسيط. هم ينشدون المزامير كل يوم ولا يهتمون مرة بالولوج إلى مضمون ما ينشدون. إن هذا إهمال عظيم، أن نتلو المزامير منذ الشباب إلى الشيخوخة ولا نعرف معناها. فنحن كمن يجلس قرب كنز خفي أو كمن يحمل علبة مختومة".
وقال أحد الآباء عن شروط الصلاة الصالحة: "تُقبل صلاتنا بقدر ما تحقق رمز تقدمة البخور... يجب أن تكون تعبيرًا عن أربع فضائل الايمان والرجاء والمحبة والتواضع المرموز عنها بأربعة أنواع العطور التي تدخل في تركيب عطور المذبح".
قال ماكس توريان من جماعة تازه (فرنسا) متحدّثًا عن المعنى الكرستولوجي لهذا المزمور: "كيف نتلو هذا المزمور دون أن نفكّر بذبيحة الصليب والإفخارستيا التي تعلن موت الرب إلى أن يأتي... موت الحمل الفصحي الحقيقي... موت حصل وقت ذبح الحملان. فحين نصلي المزمور 141 نقدر أن نتأمل المسيح الكاهن الأعظم ويداه مرفوعتان على الصليب وهو يقدّم صلاة ذبيحته ويقدّم نفسه محرقة كالحمل الذي ينزع خطيئة العالم. وتضم الكنيسة صلاتها إلى صلاة المسيح، وذبيحة شكرها وتشفعها إلى ذبيحة المسيح. تقدّم البخور لعبادتها وتقدمة تضرعها التذكارية، هذا البخور الذي يصعد أمام قدس الأقداس، عرش الكلمة، وهذه التقدمة التي ترافق محرقة الحمل".