سبّحي يا أورشليم الربّ
المزمور المئة والسابع والاربعون (2)
1. نشيد مديح وحمد يدعو فيه المرتّل صهيون إلى أن تسبّح الرب وتمدحه. فالله خالق العالم ومخلّص شعبه، وخلاصه بدأ منه الآن على أن يتم في نهاية الازمنة. هذا ما نجده في القسم الثاني من المزمور المئة والسابع والأربعين.
2. إله صهيون وكلمته الخلاّقة.
يؤلف هذا المزمور مع سابقه مزمورًا واحدًا ولهذا نبدأ بالآية 12
آ 12: الدعوة إلى المديح: سبّحي الهك يا صهيون.
آ 13- 20: الله يأتي لمعونة شعبه ويضع الطبيعة كلها في خدمة اسرائيل: يحرس أبواب صهيون من الخارج، يبارك أبناءها في الداخل. يحمي الحدود فيجعل السلام في البلاد ليتمكّن السكان من أن يجمعوا غلالهم ويتمتَّعوا بسعادة يهبها الله لهم.
3. يتحدّث المرتّل عن أورشليم مدينة الله (آ 12)، ويشبّه كلمة الله برسول سريع ينفذ ما أقرّه الرب. وكلمة الله واحدة: تلك التي يقولها في شعبه، أو تلك التي تفعل في الطبيعة.
الله هو الخالق، وكل الطبيعة تأتمر بأمره: "الثلج، الصقيع، الجليد، البرد...". وهو يجود على شعبه بكل خير (أجود الحنطة) وبركة.
الله هو المخلّص: اختار شعبه، بارك أبناءه. وأخبرهم بكلمته وفرائضه وأحكامه. هو المخلّص وهو الديّان.
4. تصلي الكنيسة هذا المزمور فتسبّح المسيح الذي يعطيها السلام ويفيض فيها كل البركات. وتنظر الكنيسة إلى المسيح، كلمة الله، الذي به خُلق كل شيء (يو 1: 3)، "والذي صار جسدًا فحلّ فينا، ونظرنا مجده مجد ابن الله الوحيد المملوء نعمة وحقًا" (يو 1: 14).
5. يتنبّأ (داود) عن الامور عينها في هذا المزمور فيتلفظ به باسمهم إذ يمجدون الله لما عمله من أجلهم، ويشجع بعضهم بعضًا على تسبيح الله ليس فقط لما أعطاهم منذ الآن بل بسبب سموّ طبيعته وعنايته تجاه البشر.
آ 1: إنه لصالح وعذب أن ننشد الهنا. ولكن النص اليوناني يقول: امدحوا الرب في مزمور لأنه صالح. يسمَّى مزمورًا لأنه مرتّل. ويبدو أنه يعني الأمر عينه بكلمة "امدحوه" وكلمة "مزمور". يسمّى المزمور مديحًا بسبب طبيعة ما يقال لأن في المزمور ثناء ومديحًا لله. قال: تعالوا ولنصنع هذا معًا لأن المديح لله محبوب ويفيد. وليرض مديحي الهنا، وليكن مديحنا بحيث يبدو عذبًا ومرضيًا.
آ 2: الرب يبني أورشليم. ويبدأ من هنا مدائحه. وهذا هو مديح الله: خبر معجزاته والخيرات التي يتمها من أجل البشر. وقال: وينهي من جديد بناء مدينتنا... ويسكننا.
آ 3: يشفي المنسحق القلب ويضمّد جراحه. فهذا هو عمله أيضًا: بعونه يعزّي ويسند كل المكتئبين الذين ضاع عقلهم بسبب كثرة الأحزان. ولكنه يقول بحق: يضمّد جراحهم أي يؤلمهم ويعزّيهم بحيث إن عونه يضمّد بضماد أولئك الذين ضاعت قلوبهم ويقودهم إلى الهدوء والراحة بعيدًا عن ألم الجراح.
آ 4: أحصى عدد النجوم وسمّاها بأسمائها. أن يجمعنا إلى أورشليم من كل جهة فأمر لا يستحق العجب لأنه يعرف النجوم الكثيرة، يعرف عددها وطبيعة كل منها، يعرف نشاطها ومسيرتها، يعرف متى تطلع ومتى تغيب بحيث يملك بالنسبة إليها معرفة وتمييزًا يساويان عدد الأسماء التي تدلّ علينا وتميّزنا.
آ 5: عظيم هو الرب وقوته قديرة ولا حدود لفكره. قال: لماذا أتأخر دقيقة على قوة قدرته، لأنه قوي وصاحب قدرة لا تُغلب، وصاحب فكر لا يُحدّ بحيث لا يقابله إنسان.
آ 6: الرب يرفع المساكين ويحط الاشرار إلى الأرض. ينزع منهم المجد الذي يبدو أنهم يملكونه. قال هذه الاشياء كما سبق له وعبّر عنها في المزمور السابق، انطلاقًا مما حصل لهم، لأنه اعتاد أن يفعل كذلك في مقاطع عديدة.
آ 7: أنشدوا للرب نشيد شكر. فعندما تصعدون من المنفى أنشدوا مدائح لله مبتدئين بالشكر، قبل كل شيء اشكروه عن كل حسناته لأجلكم.
أنشدوا للرب مع القيثارات. هذا ما قاله حسب العادة التي عندهم.
آ 8: هو الذي يلبس السماء بالغيوم. عرفنا الخالق ككائن قدير بهذا الذي قال إنه يلبس السماء بالغيوم. قال: إذا أراد حوَّل الهواء بحيث نفكر أن السماء كلّها ملتحفة بالغيوم، وأنزل المطر على الأرض. صنع هذا بسبب حاجتنا. وحين يعطي من قبله المطر للأرض، يُتمّ من أجلنا عملاً مهمًا. ماذا ينتج عنه؟
ينبت العشب على الجبال والخضرة في خدمة الانسان. قال: ينبت العشب والخضرة على الجبال حيث يقتات ويتقوى كل حيوان مع البهائم... نجد هنا برهانًا مهمًا عن تدبيره ونعمته السامية: هو يهتم بما يخدمنا وبما يفيدنا.
آ 9: يرزق البهائم طعامها. قال: ولكنه يهتم أيضًا بالكل معًا، بالبهائم والحيوانات، بالتي تفيدنا وبالاحرى بالايائل والغزلان وغيرها من النوع ذاته.
وصغار الغربان التي تصرخ إليه. قال: يُطعم أيضًا الطيور. حين ذكر الطيور توقّف عمدًا على الغراب فدلّ على أن تدبير الله يشمل الكل. فمن عادة الغربان أن لا تطعم صغارها إلى النهاية، بل بضعة أيام ثم تتركها. قال: هذا يستحق الاعجاب أنه يقوت من تخلّى عنه والداه. بعد هذا قال "التي تصرخ" أي التي تتطلع إليه لأن الذين وجب عليهم باسم ناموس الطبيعة أن يُقيتوهم تخلّوا عنهم.
آ 10: الرب لا يرضى بقوّة الفرسان، كما لا يرضى بساقَي الجبار... هو لا يخاف الاقوياء ولا صراع الجبابرة الذين يملكون الافراس القوية ويتدجَّجون بالاسلحة المريعة.
آ 11: الرب يرضى بالذين يخافونه. بالذين ينتظرون نعمته. يهزأ ويحتقر أولئك، ويهتمّ بالذين يعرفون إرادته ويتمّونها. إذًا دلّ أنه رحوم صالح ومهتم بخلائقه، أنه عادل ويعتني بالذين يعرفونه ويتمون ما يرضيه.
ونقرأ هنا مقدمة القسم الثاني من المزمور والذي هو المزمور 147 في ترقيم السبعينية والشعبية: وقال أيضًا هذا المزمور باسم الشعب: هم يمجدون الله لما نالوه ولما يعمله برحمته من أجل كل إنسان. ولكن الطوباوي داود ينطلق من الاقسام المعزولة فيجعل كلمته تمجيدًا عامًا يعني البشر كلهم. وهكذا تصبح كلمته مفيدة.
آ 12: سبحي الرب يا أورشليم. باسم المدينة يدل على الشعب. قال: تعالوا نسبّحه معًا من أجل الخيور التي نلناها.
سبحي الهك يا صهيون. يقول هنا الفكرة عينها لأنه هكذا يسمّى جبل صهيون.
آ 13: ما يعطيك، وحماك بسهره. وبما أن المغاليق تسهر على أمان البيت بفضل متانتها، سمّى البشرَ المغاليق ليقول: جعلك قوية بفضل سهر عظيم.
وبارك بنيك في وسطك. بدل أن يقول: أعاد إليك ما يخصّك بوفرة الغنى والازدهار.
آ 14: أقام أسوارك في السلام، ومنحك أن تحيين خارج كل صراع وقلق.
وأشبعك من دسم الحنطة. قال: ملأك بلا حسد وبوفرة كلٍّ خير من الحنطة. سمّى الحبوب الحنطة، وسمّى دسم الحنطة غنى الطعام الوافر.
آ 15: أرسل كلمته إلى الأرض. هنا أيضًا ينتقل على عادته إلى الخير العام. هو يرسل أمره إلى كل الأرض حسب مشيئته، وما يقوله ويؤكّده يغمر الخلائق.
وتسرع كلمته جدًا. ما إن تُلفظ الكلمةُ حتى تتحقّق من دون عائق. فأمر كلمة الله يملك مثلَ هذه السرعة. وما هي الاشياء التي يأمرها على الأرض فتتحقّق من دون عائق وبلمحة بصر؟ يتابع فيقول:
يعطي الثلج كالصوف وينشر الضباب كالرماد... (تيودورس المصيصيّ).