الماء | المياه
كثرت البرك والصهاريج في القدم ولاسيما في المواضع التي تلت ينابيعها. وكانوا يسقون أراضيهم من الجداول (مز 1: 3 وام 21: 1) ويسقون الأرض بالرجل (تث 11: 10) كما في أيامنا. أما قوله (2 مل 19: 24) "أنا قد حفرت وشربت مياهًا غريبة واشف بأسفل قدمي جميع خلجان مصر" فيراد بالشطر الأول مجرد حفر الآبار وبالتالي المبالغة في تأثير مهاجمة العدو على المواضع التي تطأها قدماه.
وكان العبرانيين يستعملون الماء لمقاصد رمزية في عيد المظال، وفي الصوم (1 صم 7: 6) والماء أداة التطهير فيستعمل في المعمودية ويشار بذلك إلى تطهير الروح والولادة الثانية (يو 3: 5) ووعد يسوع المؤمنين بماء حي إذا شرب منه أحد فلا يعطش إلى الأبد (يو 4: 14 و7: 37-39؛ رؤ 22: 17).
وكان الماء يشكل أهمية كبري بالنسبة لبني إسرائيل الخارجين من مصر والعابرين في البرية المقفرة حيث يندر المطر. فالماء من الضرورات للحياة اليومية، ولا يمكن الاستغناء عنه فهو لازم للإنسان وللحيوان وللنبات (خر 15: 22، تث 8: 7 و15، 11: 10 و11). بل كانت المدن والقرى لا تُنشأ إلا حيث يوجد مورد للماء. ويقول الرسول بطرس "لأن هذا يخفى عليهم بإرادتهم، أن السموات كانت منذ القديم والأرض بكلمة الله قائمة من الماء وبالماء، اللواتي بهن العالم الكائن حينئذ فاض عليه الماء فهلك" (2 بط 3: 5 و6).
وفى فلسطين تتوقف الحياة على مياه الأمطار والينابيع في المناطق الجبلية، أكثر مما على مياه الأنهار كما هو الحال في مصر وبلاد بين النهرين (تث 8: 9، 11: 10 و11). والجداول والنهيرات الصغيرة تجف عادة تمامًا في فصل الجفاف بعد أن تنقطع المطر وتذوب الثلوج فوق الجبال (مز 146: 4، إرميا 15: 18، يؤ 1: 20).
وكثيرًا ما تنشب الحروب والمنازعات بين القبائل في الجنوب حول الآبار والينابيع الجوفية، إذ لم تكن الحياة ممكنة بدونها (تك 21: 25، 26: 18- 22). وكثيرًا ما سبب الجفاف هلاك المواشي والمحاصيل (1 مل 18: 1 و2و5). وبمرور الأيام اجتثت الأشجار على المرتفعات لاستخدام أخشابها في بناء البيوت وللوقود ولصناعة الأثاث المنزلي، وكانت النتيجة أن نالت عوامل التعرية من التربة وتزايد الجفاف، فزحفت الصحراء على أطراف الأرض التي كانت قبلًا خصبة ومثمرة، فهاجر الناس بحثًا عن موارد المياه، مما أدي إلى ازدحام المناطق الخصبة في الهلال الخصيب بالسكان.
وقد ثبت لعلماء الآثار، أن وجود نبع ماء جيد، كان يغري الناس بالتجميع حوله وبناء المدن والاستقرار فيها. كما كانوا يحفرون الآبار ويبنون أحواض المياه أو البرك (2 مل 18: 31) لضمان حاجتهم من المياه، وبخاصة في أوقات الحصار، مثلما فعل حزقيا الملك (2 أخ 32: 30). ويذكر العهد القديم البركة في حبرون، التي علقت عليها أجسام ركاب وبعنة ابني رِمُّونَ الْبَئِيرُوتِيِّ لقتلهما ايشبوشث (2 صم 4: 12). والبركة الكبيرة في السامرة حيث غسلت مركبة أخآب من دمه بعد مقتله في راموت جلعاد (1 مل 22: 38)، وعدد آخر من البرك في أورشليم (2 مل 18: 17، إش 7: 3، 22: 11، نح 2: 14، 3: 17..الخ، يمكن الرجوع إلى مادة "بركة").
ولعل أهم خزانات المياه التي تم الكشف عنها حتى الآن، هي البركة التي في جبعون (2 صم 2: 13، إرميا 41: 12)، فهذه البركة الكبيرة يبلغ قطرها 37 قدمًا، وعمقها 33 قدمًا، ويُنزل إليها بسلم حلزوني على الجوانب الرأسية للبركة. ولعل حفرها يرجع إلى القرن الثاني عشر أو القرن الحادي عشر قبل الميلاد.
وقد ابتكر الكنعانيون، ثم الإسرائيليون من بعدهم، وسائل لحماية موارد المياه من هجوم الأعداء، فحفروا الأنفاق للوصول إلى الآبار الجوفية أو إلى البرك، وقد اكتشف عدد منها في بعض المدن الفلسطينية. فهكذا فعل اليبوسيون لتزويد مدينتهم "يبوس" (أورشليم) بالمياه، وهو ما فعله حزقيا الملك- بعد ذلك بقرون- من حفر نفق للإتيان بمياه بركة سلوام إلى أورشليم (2 مل 20: 20). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس الكتاب المقدس والأقسام الأخرى). وقد كشف "ماكالستر" (Macalister) عن نفق يمتد نحو 132 قدمًا في جازر يرجع حفره إلى العصر البرونزي المتأخر، ويصل إلى عمق 130 قدمًا تحت مستوى سطح التل حاليًا. كما أن سلم نفق بركة جبعون به 93 درجة، وكوى لوضع المصابيح الزيتية لإنارته، وتكاد تكون مفصولة عن البركة العليا. كما ينطبق نفس الشئ على يبلعام ومجدو وصرتان.
وأكبر عمليات التي كُشف عنها (حتى 1968- 1969) هي تل القلعة في حاصور، وترجع إلى القرن التاسع قبل الميلاد، وظلت تستخدم إلى وقت تدمير المدينة في 732 ق.م. وتنزل نحو 140 قدمًا حتي تصل إلى المياه الجوفية في ثلاث مراحل: باب يؤدي إلى مدخل من البناء، ثم نفق عمودي به سلم من خمسة انحناءات، ثم نفق أفقي يمتد إلى غرفة عميقة تتجمع فيها المياه.
كما كانت هناك وسيلة أخرى لجلب الماء من بئر أو من المياه الجوفية، ترجع إلى القرن التاسع قبل الميلاد، ففي نقش أشوري يصور حصار مدينة فلسطينية، نجد صورة آله تتكون من حبل ومجموعة من البكرات لسحب دلو ضخم إلى قمة سور المدينة.