مدخل عن عالم المكفوفين
لماذا أعطتني يا رب طفلًا كفيفًا؟ ولماذا أصبح طفلي كفيف؟ هل لأنني في حقك أخطأت ؟!
تتفاوت المعتقدات بشأن كف البصر باختلاف الأشخاص، في جميع أنحاء العالم، ويعتقد الكثيرون أن أعطاء الله طفلًا كفيفًا لهم ما هو إلا عقاب على ذنوب قد ارتكبوها في حق الله، ولكن الحقيقة أن ما يعتقده الناس شيء وما يقوله العلم شيء آخر، بل أن المنطق العقلي يحتم علينا انه إذا كان الرب قد أعطانا طفلًا كفيفًا أن ندع اعتقادنا الخاص-بعقاب الله لنا- جانبًا الآن حتى نتعرف معًا على الأسباب الفعلية التي أدت إلى كف البصر، والتي على أساسها يمكن أن انجح في علاج مشكلة طفلي، على اعتبار إنني إذا عرفت استطعت، فالفهم الجيد سوف يؤدي إلى تحكم جيد في المشكلة.
أسباب كف البصر
1. الزيروفتالميا: xerophtalmia وتسمى العينان الجافتان أو العمى الغذائي.
وهو أكثر الأسباب شيوعًا لفقد البصر لدى الأطفال، وينتشر بوجه خاص في قارتي آسيا وأفريقيا، ويحدث عندما لا يأخذ الطفل كفايته من الفيتامين (أ) والذي يوجد في العديد من الأطعمة مثل اللبن ومنتجات الألبان بشكل عام كالجبن والزبادي، اللحوم بأنواعها، البيض. كما يوجد في العديد من الخضروات والفواكه مثل الجزر والخضر الليفية داكنة اللون والخضر الصفراء والحمراء والبرتقالية والقرع.
وتظهر العينان الجافتان عند الأطفال الذين لا يتناولوا طعامهم بانتظام خاصة إذا أصابتهم أمراض مثل الإسهال أو الحصبة أو السل أو السعال الديكي، كما يكون أكثر شيوعًا لدى الأطفال الذين لا يرضعوا الرضاعة الطبيعية من ثدي الأم.
2. السيلان في عين الطفل الوليد: وتصل العدوى من الطفل إلى أمه عند الولادة، حيث تحمر العينان وتتورم وتمتلئ قيحًا.
3. الحصبة: يمكن إصابة سطح العين بالتلف، وهي من الأسباب الشائعة لكف البصر وخصوصًا في أفريقيا وعند الأطفال سيء التغذية.
4. تلف الدماغ: ويسبب كف البصر إذا ترافق مع شلل دماغي أو إعاقات أخرى، ويحدث تلف الدماغ قبل الولادة أو أثناءها أو بعدها، ومن الأسباب الحصبة الألمانية أثناء الحمل، تأخر بدء التنفس عند الولادة، التهاب السحايا.
5. التراخوما: trachoma وتسمى بالرمد الحُبيبي
ويعتبر أكثر الأسباب التي يمكن تجنب حدوثها بسهولة، وقد يستمر لأشهر أو لسنوات، وإذا لم يعالج مبكرًا قد يؤدي إلى فقد البصر، ويرجع إلى اللمس أو الذباب وبالتالي فان الحرص على نظافة العين وإبعاد الذباب عنها عامل أساسي في الوقاية من ذلك المرض.
6. الحوادث والعاب الأطفال: في كثير من الأحيان قد يحدث فقد البصر نتيجة الحوادث والإصابات الناجمة عن لعب الأطفال مثل الألعاب النارية كالبمب والصواريخ ومسدسات الكور أو البلي.. وغيرها.
وطبعًا يكون دور الأسرة هنا حيويًا للغاية فلابد من تغيير مفاهيم أن العيد مجرد بمب وصواريخ، كذلك يمكن إحضار العاب لأطفالنا تنمي ذكائهم وقدراتهم، بدلًا من تلك التي تغرز الميول العدوانية فيهم، بل وقد تسبب لهم فقد البصر.
7. الأدوية والعلاجات المنزلية: لا يوجد أي ضرر من أخذ الدواء بشرط أن يكون تحت إشراف طبي أما بدونه فلا يصح، كما علينا إلا نخاطر بأعيننا بالوصفات والعلاجات المنزلية، فالأخذ بقاعدة "اسأل مجرب" لا يجب الاعتماد عليها نهائيًا عند علاج أي جانب من أجسامنا، فما بالنا بالعين، فكثير من حالات كف البصر قد تنتج عن مثل تلك العوامل.
حول درجات الرؤية
يمكن أن نقول أن هناك أربعة مظاهر للرؤية لدى البشر وهي:
1. الإبصار الطبيعي: وهو الحالة التي نرى فيها كل شيء بوضوح تام، سواء كنا بدون نظارة أو بنظارة طبية تلك التي قد نحتاج لها كعاديين بعد سن الأربعين.
2. الكف الجزئي: وفيه لا يرى الإنسان سوى أشكال كبيرة (خيالات) دون تمييزها.
3. تمييز مصدر الضوء: وفيه لا يستطيع الإنسان أن يرى أي شيء، ولكنه يستطيع بصعوبة أن يميز اتجاه الضوء أي مصدر الضوء والظلام، وهنا لا يرى الضوء ولكنه مجرد يشعر بوجوده، ويمكن أن تفهم ذلك بمثال قريب إذا أغمضت عينيك وأضئت كشافًا أمامها فانك سوف تشعر بضوء ولكن لن تراه.
4. الكف الكلي: وهو الحالة التي لا يرى فيها الإنسان أي شيء، لا ضوء ولا مصدر له ولا خيالات، وتكون فيها الرؤية سوداء تمامًا حتى ولو كان الضوء مسلطًا على العين، وتعتبر تلك الحالة هي أكثر الحالات حدة في كف البصر.
ولنا ملحوظة مهمة هنا انه لا تبدو كل عيون الأطفال المكفوفين مختلفة في مظهرها، فقد تبدو عيونهم واضحة وطبيعية، وقد يكون التلف خلف العينين أو في جزء من الدماغ، وهذا يدفعنا إلى سؤال مؤداه: كيف أتأكد من سلامة بصر طفلي خلال الأشهر الأولى من الميلاد؟
طرق فحص بصر الطفل خلال الأشهر الأولى من الميلاد:
علينا أولًا أن نلاحظ هل الطفل يتابع ببصره الأشياء، يبتسم في وجه الأم، يستجيب للضوء... . ويمكن أن نختبر سلامة بصر الرضيع من 3 شهور فما فوق، من خلال الطرق التالية:
1. نعلق شيء ساطع اللون أو براقًا أمام وجه الطفل ونحركه من جانب لجانب، ونلاحظ هل الطفل يتابعها بعينيه أم لا.
2. إذا كان الطفل لا يتابعه يمكننا في غرفة معتمة أن نضيء شمعة أو كشافًا ونرى هل الطفل يتجه نحوها أم لا، ونكرر ذلك مرتين أو ثلاثة، في حالة عدم متابعة الطفل قد يكون ذلك مؤشرًا على كف البصر.
3. يمكن في حالات السنوات الأكبر أربع سنوات فما فوق أن نستدل على ضعف نظر الطفل وقياس نظره، في حالة ضعف الرؤية، ويمكن أن يكون هناك زيارة للطبيب في حالة الشك في أي شيء.
خلاصة القول: بالرغم من شعور الأسرة بالكارثة عندما يرزقها الله بطفل كفيف، إلا أن الأهم من ذلك هو التأكيد على أن فقد البصر لا يعد مشكلة، وإنما المشكلة الأكبر هي فقد البصيرة، فالطفل الكفيف الذي نربيه تربية نفسية سليمة دون الشعور بالعجز، يعد أفضل من طفل مبصر لم يتم تنشئته نفسيًا بشكل جيد، والرب يجعل لنا جميعًا بصر سليم وبصيرة حكيمة.
وفي الختام أود أن أختم بهذه الأبيات التي أتخيل أن الطفل الكفيف قد يقولها لأسرته:
لا تنظروا لي هكذا .. أني أراكم حقًا
أفكاركم عني مشوهة .. تقتلني ألمًا
إنني لست عاجزًا .. عن تحقيق نصرًا
فقط ثقوا في قدرتي .. وكفاكم حزنًا
الرب لم يعطيني .. لكم كعقاب
أسمع دموعكم .. تزداد لدي الأتعاب
اقدر اهزم الظلام .. وأتحرر من الاكتئاب
فقط أحبوني .. وأحقق أنا الصعاب.