|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التفكير في الله لكي تحب الله، ينبغي أن تنشغل به كثيرًا، وان تفكر فيه كثيرًا. لأنه هكذا أيضًا علاقتنا مع كل أحد. كما تفكر فيه تحبه. وكما تحبه تفكر فيه. الفكر والعاطفة يتمشيان معًا، يقوي أحدهما الأخر. وهذا هو شاننا مع كل شيء: إن أحببنا العالم، نفكر فيه باستمرار. كلما يزداد تفكيرنا فيه، يزداد حبنا له. ومن يحب هواية، يفكر فيها. وباستمرار تفكيره فيها، يزداد حبه لها.. ولهذا ليس غريبًا قول الكتاب: (تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل فكرك) (مت37:22).. القلب والفكر معًا.. الذي يشتهي شيئًا، تراه دائمًا يفكر فيه، ودائما ينشغل به. والعكس صحيح: إن بردت محبته له، قل تفكيره فيه.. لذلك اجعل الرب في فكرك باستمرار. وعلامة حبك له، أن يكون الله دوامًا في فكرك. ونذكر داود النبي. وكيف أنه. علي الرغم من كثرة مشغولياته كملك وقائد.. نراه يقول: (محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي) (مز11). ونحن نقول للرب في التسبحة (اسمك حلو ومبارك، في أفواه قديسيك).. فأسال نفسك ما هو مركز الله في فكرك؟ وما مقدار انشغالك به؟ هل العالم جرفك بعيدًا عن الانشغال بالله؟.. إن كان الله لا يخطر علي فكرك طول النهار، ولا يأتي ذكره علي لسانك وفي حديثك مع غيرك، فإنك تخدع نفسك إن قلت إنك تحبه..! ألست تري أنك إذا أحببت شخصًا، تكون دائم التحدث عنه؟ فما مدي تحدثك عن الله؟ ما أكثر حديث عذراء النشيد عن حبيبها وعن صفاته.. (أنا لحبيبي، وحبيبي لي الراعي بين السوسن) (نش3:6)، (نش16:2) (حبيبي ابيض وأحمر، معلم بين ربوة.. حلقه حلاوة وكله مشتهيات) (نش5: 10، 6).. (شبهتك يا حبيبي بفرس في مركبات فرعون) (نش1: 9). ليكن الله في فكرك وأنت تتكلم مع الناس، وأنت تتعامل معهم. كان الرب في فكر يوسف الصديق، حينما حورب من امرأة سيده، فقال لها (كيف اصنع هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله) (تك9:39)؟! إذا كان الله في فكره وعلي لسانه، لما حاربته الخطية. ولذلك كانت محبة الله في قلبه، لتنزع محبة الخطية، وتمنعها من الدخول إلي فكره وإلي قلبه.. إن كان الله في فكر إنسان، فسينقي هذا الفكر. ويقدسه، ويحل فيه، ويمنحه محبته - ولا نقصد أن يخطر الله علي فكر إنسان، إنما أن ينشغل هذا الفكر بالله، ويلتصق به، ويجد لذته فيه. وبهذا يكون قد ارتبط بالحب الإلهي. فيقدس الله هذا الفكر، ولا يسمح بأية خطية تدخل إليه. لأن الفكر يكون في سمو لا يقبلها. ويكون قد ارتبط بمحبة الله.. ومحبة الله كلما تزداد، لا تسمح للعقل أن يفكر في شيء آخر. أو علي الأقل لا يجد لذته في فكر آخر. بل تكون كل الأفكار العالمية غريبة عليه لا يقبلها كما أنبا أور لتلميذه (انظر يا ابني لا تدخل هذه القلاية كلمة غريبة).. هكذا عاش آباؤنا القديسون في البراري، وقد ارتبط عقلهم بالله. يفكرون فيه باستمرار. وينقون أذهانهم من كل فكر آخر، لكي يصبح الله في فكرهم هو الكل في الكل. لأنهم من فرط محبتهم له، لم يقبلوا أن يفكروا في غيره. واستطاعوا عمليًا أن ينفذوا تلك الوصية العجيبة: (تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل فكرك..) وانشغلوا بالله كل الوقت وكل الحياة، من فرط محبتهم له.. إن الذي يجعل الله في فكره دائمًا، يصل إلي تكريس الفكر لله. يصبح فكره ملكًا كاملًا للرب، ويمتلئ قلبه بمحبة الله، وينجو من كل أخطاء الفكر والقلب. هناك تدريب سلك فيه القديس مكاريوس الأسكندراني وهو صلب الفكر، بحيث استمر ثلاثة أيام في البرية الجوانية، وقد سمر فكره في الله لا ينزل من عنده.. ولم يكن هذا الأمر سهلًا. والذي يكرس فكره لله، يصل إلي الصلاة الدائمة، أو علي الأقل إلي التأمل الدائم في الله. يشغل الله فكره، ويثبت في عقله الباطن. حتى إذا نام، يحلم به في أحلام مقدسة، أو يقول مع عذراء النشيد (أنا نائمة وقلبي مستيقظ) (نش2:5). أي قلبي معك، منصت إليك.. انشغال الفكر علي الدوام بالله، سندركه حتمًا في الأبدية. أما الآن فأمامنا بعض التداريب: * لا تجعل ساعة تمر عليك، بدون أن يكون الله في فكرك، ولو في صلاة قصيرة، أو تأمل. * كلما تعرض لك خطية ما تذكر الله، واشعر أنه أمامك يري كل تصرف تعمله ويسمع كل كلمة تقولها، ويلاحظ حواسك أيضًا. * في أحاديثك مع الناس، احرص أن يأتي اسم الله أو وصاياه ضمن الحديث بطريقة غير مصطنعة. أو علي الأقل تذكر أن الله يسمع هذا الحديث. * في كل عمل تعمله، قل لنفسك: هل إلهنا الصالح مشترك فيه؟ أو علي الأقل هل هو موافق عليه. * يمكن أن تدرب نفسك علي صلاة يا رب يسوع، أو علي ترديد أية صلاة قصيرة تناسبك في مرات عديدة حتى تلصق تمامًا في عقلك الباطن، فيرددها دون أن تقصد.. ولكي تحب الله، وتجعله دوامًا في فكرك، حاول أن تجعل كل شيء يذكرك بالله. فإن نظرت إلي السماء، وتقول في فكرك (السموات تحدث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه) (مز1:19). وإن نزل نظرك من السماء إلي الأرض، تقول (السماء هي عرش الله والأرض هي موطئ قدميه) (مت5: 24، 25). وتقول للرب (السماء والأرض تزولان، وحرف واحد من كلامك لا يزول) (مت18:5) (وأنت يا رب في البدء أسست الأرض، والسموات هي عمل يديك، هي تبيد ولكن أنت تبقي. وكلها تبلي.. ولكن أنت أنت، وسنوك لن تفني) (عب1: 10، 12). وأن رأيت الطيور في الجو أو علي الأشجار، تقول (أنها لا تزرع ولا تحصد، ولا تجمع إلي مخازن. وأبي السماوي يقوتها) (مت26:6).. ما أحن هذا الأب السماوي.. وإن نظرت إلي الطبيعة الجميلة، تقول في فكرك: إن كانت الطبيعة هكذا جميلة، فكم وكم يكون خالقها الذي منحها هذا الجمال..! ولكي يستقيم فكرك في محبة الله، لتكن علاقتك به تدخلها العاطفة ولا تكون مجرد علاقة عقل.. وهنا نري إلي جوار التفكير فيه، والتأمل في صفاته الجميلة.. فهل هكذا تفعل مع الله؟ هوذا الأب الكاهن يطمئن علي هذه النقطة بالذات في بداية القداس الإلهي فيسأل الشعب قائلًا (أين هي قلوبكم؟) فيجيبون (هي عند الرب).. فهل هم حقًا كما يقولون أم هم يقولون ما ينبغي أن يكون..؟ كثيرون يقولون إنهم يحبون الله، ومع ذلك فهم لا يعطونه من وقتهم ولا من فكرهم!! فكيف إذن ينفذون وصية (من كل فكرك) (مت22: 37)؟! البعض ينشغلون بالخدمة، وأيضًا لا يكون الله في فكرهم!! فكرهم في العظات وفي الدروس، أو في النشاط، أو في عمارة الكنيسة. أو في ترتيبات وإداريات.. وما أشبه.. ولكن فكرهم في الله!! وقد يقضون ساعات في أمور الخدمة، دون أن تأتي اسم الله علي ألسنتهم! إنهم يذكرونني بعتاب ذلك الأديب الذي قال: "قضيت عمرك في خدمة بيت الرب. فمتى تخدم رب البيت؟!" لذلك تجد هؤلاء الأشخاص وأمثالهم في منتهى النشاط، وفي منتهى الحيوية، وفي عمل دائم في الخدمة، ولهم فيها إنتاج وإنجازات.. ولكن بعيدًا عن الله!! الله ليس في مركز الخدمة! ليس هو هدفها، ولا سببها، ولا وسيلتها! وكثيرًا ما تكسر في الخدمة وصاياه!! لذلك يا أخي، ضع في خدمتك نصب عينيك، قول داود النبي: "جعلت الرب أمامي في كل حين.." (أع25:2). أو ضع أمامك قول إيليا النبي (حي هو رب الجنود، الذي أنا واقف قدامه) (1مل15:18). أشعر إذن بوجودك في حضرة الله، وأنك وافق قدامه في كل حين، لكي يكون الله في فكرك.. لا تجعل فكرك يغيب عنه، لئلا يتيهك العالم، وتبرد محبة الله في قلبك.. اقرأ عن الله ولكي يكون الله في فكرك، اقرأ عنه كثيرًا.. اقرأ عنه لكي تعرفه. لأنك كيف تحبه وأنت تجهله؟! اقرأ عنه لا بأسلوب علمي أو فلسفي، ولا لكي تكتب عنه بحثًا، أو تلتقي عنه درسًا.. إنما لكي تدخل إلي أعماقه، لكي تدخله إلي أعماقك.. اقرأ عنه لكي تعرف صفاته المحببة إلي النفس، التي تجعل عقلك يتعلق به، وقلبك يرتبط بمحبته، اقرأ عنه معاملاته: عن علاقته بمحبيه، وموقفه من أعدائه. اقرأ عنه القراءة التي تدرك بها أنه (أبرع جمالًا من بني البشر) (مز 2:45). اقرأ لكي تذوق وتنظر ما أطيب الرب (مز8:34).. ولتكن قراءتك غذاء لقلبك وليس لمجرد المعرفة. إن قرأت عن الله كثيرًا، ستجد كل الكمالات فيه. وستحبه، وتقول مع النشيد (كله مشتهيات). وإن أحببته، ستداوم القراءة عنه فالذي يحب شخصًا، يحب أن يقرًا عنه ويتقص أخباره، ويتشوق أن يعرف قصة من قصصه، كما يفعل محبو الأطفال في كل ميدان.. اقرأ عنه سواء في الكتاب المقدس أو في أقوال الآباء أو في تاريخ الكنيسة والقديسين. وحاول أن تلمس يد الله في الأحداث، وستجد انك تحبه. في حكمته، وفي قوته في حنانه.. عاشر الله ولكي تعرف الله وتحبه، ينبغي أن تعاشره. مجرد القراءة وحدها لا تكفي. فعملها هو أن تفتح الباب، فتدخل أنت وتعيش مع الرب، وتختبر بنفسك حلاوة العشرة مع الله. لذلك جرب الحياة مع الله، جرب العمل مع الله، وأن تشركه معك في شيء. جرب كيف تتخذه لك صديقًا، وتشرح له أسرارك وأفكارك وكل أمورك، وتري ماذا يعمل ولأجلك. اختبر أيضًا كيف تعتمد عليه، أكثر مما تعتمد علي فكرك ومواهبك.. لا تأخذ من الله موقفًا سلبيًا أو منعزلًا. لأن هذا لا يمكن أن يوصلك إليه وإلي محبته.. ولا يمكن أن تذوق الرب وحلاوته بهذه السلبية.. تقدم إذن إلي الرب وكون معه علاقة , حاول أن تعمق هذه العلاقة يومًا بعد يومًا. إن كنت لم تجرب بعد عشرة الله ومحبته علي هذه الأرض، فكيف ستعيش معه إذن في الأبدية؟! محبتك لله هنا، هي مذاقه الملكوت.. فإن ذقت ما أطيب الرب، ستشتاق إلي الحياة الأبدية، التي يقول عنها الرسول (نكون كل حين مع الرب) (1تس4: 17). بل إن الرب يقول (آتي وآخذكم إلي، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا) (يو3:14)، فكيف تكون كل حين مع الرب، إن لم تحبه همنا وتجرب عشرته؟! فتشتاق إلي الوجود الدائم معه في الأبدية.. ولتكن علاقة مباشرة معه لأجل ذاته هو.. فإن أخطأت، احجل منه أكثر مما تخجل من أب الاعتراف، وقل له (لك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت) (مز50). اشعر أنك أخطأت إليه قبل أن تخطئ إلي الناس. حاول أن تكون علاقة مع الله نفسه، وليست فقط علاقة وصاياه. ليكن لك الشركة معه (1يو6:1). وهذه الشركة تقودنا إلي حفظ وصاياه فنحفظها عن حب، إذ أن الله يملأ كل فكرنا. ولهذا نضم صوتنا إلي صوت الرسول ونقول (وأما فلنا فكر المسيح) (1كو16:2).. اتخذ الله لك صديقًا *إن أردت أن تحب الله، اتخذه لك صديقًا. بل ليكن صديقك الأول، الذي تهرع إليه قبل كل أحد. تكشف له أسرارك، وتحكى له كل شيء، وتشعر بعمق الراحة في الوجود معه. تحكى له كل أفكارك، وتكشف له أعماقك، بكل صراحة، وبكل صدق، وبكل ثقة. بقلب مفتوح. ولا تسأم من الحديث إليه. بل تقول: عندي كلام كثير يا رب لأقوله لك.. أنا يا رب أثق بمحبتك لي، وبأنك تريد لي الخير، وتقدر على ذلك. لماذا لا أحكي لك كما أحكى لأحبائي من البشر!! أتراني أجد لذة وفي نفس الوقت أبعد عنك أنت يا خالق الكل؟! وكلما تدعوني أليك، انشغل بأمور أخرى، واحتج بضيق الوقت..!! لاشك أننا بالحديث مع الله ننفس عن أنفسنا. ونجد راحة، إذ نلقى عليه كل همومنا، كأب محب لنا، نبادله الحب، ولا نخفى عليه شيئًا (بل نجعله يشترك معنا في كل ما نفعل. وفي حب نسلمه أفكارنا ليقودها. ويصحح مسارها إن كان في مسلكها خطأ.. حاول أيضًا أن تشرك الرب معك في كل عمل.. فمثلا، إن كنت ذاهبا إلى عملك، أو إلى مكان دراستك، أو حيثما أردت أن تذهب، قل له -قبل أن تخرج من بيتك- أنا يا رب ذاهب إلى هذا المكان، فكن معي فيه وسأقابل فلانا من الناس، وفقني في لقائه وفي الكلام معه، وضع في فمي الكلام الذي سأقوله،وهكذا تتحدث مع الله خلال اليوم.. أو قبل أن تخرج من منزلك، قل له: أنا تارك يا رب هذا البيت في رعايتك.. وتمشى في الطريق وأنت شاعر أن الرب إلى جوارك. وقبل أن تبدأ العمل، مهما كنت ذكيا وصاحب خبرة، قل له: يا رب، اشترك في العمل معي. فأنا بدونك لا اقدر أن أعمل شيئًا (يو 15: 5). وإن نجحت في عملك، قل له: لقد كانت يدك معي في العمل. فأشكرك واطلب دوام معونتك.. وإن أجريا لك أو لأحد أحبائك عمليه جراحية ونجحت، قل له: لقد كانت يدك مع الطبيب ومع المستشفى.. وهكذا ظهرت محبتك لنا. ونحن نحبك كما أحببتنا. اجعل الرب أمامك باستمرار ولكي تحب الله، اجعل الرب أمامك باستمرار.. مثلما كان يقول داود النبي "جعلت الرب أمامي في كل حين. لأنه عن يميني فلا أتزعزع" (مز 16: 8) (أع 2: 25). لا شك أن هذا الشعور يمنح القلب إيمانًا وثقه وسلامًا. ولهذا يقول داود بعد هذه العبارة "من أجل هذا، فرح قلبي وابتهجت روحي.." أو أجعل الرب أمامك، وكما كان يقول إيليا النبي: "حي هو رب الجنود الذي أنا وأقف أمامه" (1 مل 18: 15). وهكذا يملأ الرب حواسك، وبالتالي يملأ فكرك وقلبك، وتجد نفسك تحترس وتفعل كل ما يرضيه. بل أيضًا تشعر بصحبته لك. ليس فقط ليعرف أعمالك (رؤ 2: 2-9) بل بالحري ليشترك معك فيها، أو يدعوك لأن تشترك معه فيما يريده لأجلك أو لا جل ملكوته. وشعورك بوجود الله أمامك يمنحك قوة فلا تخطئ.. ومثال ذلك يوسف الصديق، الذي قال "كيف أصنع هذا العظيم وأخطئ إلى الله" (تك 39: 9).. لقد كان يرى الله أمامه في ذلك الوقت، ولم يغب الله عن ذهنه لحظة واحدة. ومن محبته لله، لم يقل كيف أخطئ أمامه" وإنما قال "كيف أخطئ إليه"؟! إنك تضع صورا كثيرة في بيتك، تراها أمامك.. فلماذا لا تضع الله أمامك، مثل باقي الصور، بل قبلها؟ تراه أمامك في كل حين: حين تمشى في الطريق، وحين لا تكون في بيتك، وحين تجلس مع الناس، لا شك أن أن بطرس الرسول حينما أنكر الرب، لم تكن صورة الرب أمامه. ولكنه حينما صاحب الديك، وتذكر الرب وما سبق أن قال له. حينذاك خرج إلى خارج وبكى بكاءً مرًا (مت 26: 75). انك في محبتك لله، لست فقط ترى الله أمامك، بل بالأكثر ترى نفسك في حضنه. وتقول كما في سفر النشيد "شماله تحت رأسي، ويمينه تعانقني" (نش 2: 6) إنك ابنه الذي أحبك، ومن أجلك فعل الكثير. وإن تذكرت كل حبه لك، لابد ستبادله الحب ولا يمكن أن تخطئ، بل تغنى له كل يوم تسبيحًا جديدًا. وتقول مع عذراء النشيد "حبيبي لي، وأنا له، الراعي بين السوسن" (نش 6: 3) "تحت ظله اشتهيت أن أجلس، وثمرته حلوة لحلقي" (نش 2: 3). الله معك وأنت معه ما أجمل أن تشعر أن الله معك، وأنه ممسك بيدك، وهو أمامك، وعن يمينك، ومحيط بك.. أنت في يده اليمنى (رؤ 2: 1). وقد نقشك على كفه (أش 39: 16). ولا يستطيع أحد أن يخطف من يده شيئًا (يو 10: 28). بل حتى جميع شعور رأسك محصاة (لو 12: 7). إن تذكرت هذا الإله المحب لك، وجعلته أمامك، فإنك لا بد ستحبه وتشعر بالأمان والاطمئنان لوجودك في حضرته. أتستطيع أن تحبه، وأنت لا تشعر بوجوده معك ؟! تحبه غيابيا، وأنت لا تشعر بوجوده؟! ليس هذا الأمر معقولًا.. إننا يا أخي لسنا نحب إلها مجهولًا. بل هوذا الرسول يقول "الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا" (1يو 1: 1). فإن كان الرسل قد رأوه عيانا، فإننا نراه بالإيمان، مثلما قال داود النبي ".. الرب أمامي في كل حين" (مز 16: 8). إذن ما هو مركز الله عمليا في حياتك، لكيما تحبه؟ هل تجعله أمامك في كل حين؟ هل ترى عمله في حياتك باستمرار؟ أم تمر عليك أيام، لا يأتي فيها ذكر اله على قلبك وذهنك، إلى أن يذكرك به يوم الرب حين تدخل الكنيسة!! أم تراك تنسى أن يوم الأحد هو يوم الرب، وتسميه الـWeek End!! حاول إذن أن تشعر باستمرار بوجودك في حضرة الله. وأن الله موجود معك، ويعمل معك ولأجلك.. على أن القديس أوغسطينوس، وهو يرى حياته في فترة ما قبل التوبة، يقول للرب عن تلك الفترة: كنت يا رب معي. ولكنني من فرط شقاوتي لم أكن معك! كما ظهر لتلميذى عمواس بعد القيامة، وتكلم معهما ولم يعرفاه (لو 24). وكما ظهر لمريم المجدلية ولم تعرفه وظنته البستاني (يو 20). ليتك إذن تشعر بوجودك في حضرته. وتشعر أن عيني الرب ناظرتان إليك باستمرار. وأن يده تمسك بك، وأنه يرعاك بحيث لا يعوزك شيء (مز 23: 1). هذه المشاعر تغرس الحب في قلبك. * وليس فقط تجعل الله أمامك أو معك، بل يكون الله فيك وأنت فيه.. تكون فيه، كما يكون الغصن ثابتًا في الكرمة، لكيما يستطيع أن يأتي بثمر (يو 15: 4، 5) وهو فيك، لأنك هيكل الله، وروح الله ساكن فيك (1كو 3: 16). وكما قال الرب "إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبى. وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلا" (يو 14: 23). اسأل نفسك: هل مازلت تحتفظ بالله داخلك؟ هل الله في قلبك، وفي ذهنك، وعلى لسانك، وفي حياتك كلها.. في بيتك وفي عملك. تحس وجوده معك، ويشترك معك في كل شيء؟ أم أنت قد ابتعدت عنه، وأحزنت روح الله القدوس، أو قد انفصلت عن الله بأنواع وطرق شتى؟! حينما تكون امرأة حبلى، وتشعر بأن داخلها جنينا حيا يتحرك، ويمتص حياته من دمها ويتغذى، فإنها تشعر خاص، وبكل حب تقول "أتغذى لكي أغذية"،وأنت في داخلك جنين روحي، ولد فيك من الروح القدس حينما عرفت الله.. فهل تتغذى لكي تغذية؟ وغذاؤه هو الحب الإلهي، وبه يحيا ويتحرك.. كما يقول المرتل للرب في المزمور "باسمك ارفع يدي، فتشبع نفسي كما من شحم ودسم" (مز 63: 4، 5) إن كنا نتغذى بمحبته، نقول أيضًا لغيرنا "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز 34: 8). كذلك حينما نتغذى بكل كلمة تخرج من فم الله (مت 4: 4)، وتكون لنا حياة بتناولنا من سر الافخارستيا. ونشعر بحياته فينا، فنقول مع القديس بولس الرسول: "لي الحياة هي المسيح.." (في 1: 21) "فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في" (غل 2: 20). أتراك تشعر بحياة المسيح فيك، وبنصرته فيك، وبمجده في حياتك؟ وهل تشعر بشركة الروح القدس (2كو 13: 14) في كل عمل تعمله؟ هل أنت لا تدخل مكانًا، أو لا تعمل عملًا، إلا إذا كان يمجد اسم الله. أنت حامل الله وهل أنت تحمل اسم الله وعمله في كل مكان تحل فيه؟ حينما دخل داود إلى ميدان الجيش وقت تهديدات جليات، ادخل اسم الله معه. فقال "الحرب للرب وهو يدفعكم ليدنا" (1صم 17: 47). وقال لجليات الجبار: أنت تأتى إلى بسيف ورمح. وأنا آتى إليك باسم رب الجنود.. في هذا اليوم يحبسك الرب في يدي.." (1صم 17: 45، 46). وهكذا كان اسم الرب على فم داود وكانت قوة الرب في ذراع داود. وكان اسم الرب سبب اطمئنان ونصر وفرح لكل الجيش. يعجبني أن القديس أغناطيوس الأنطاكى، كان لقبه (الثيئوفورس) أي حامل الله. فإن كنت تحب الله، فلابد أنك ستحمل اسم الله معك إلى كل شخص يقابلك، وإلى كل مكان تذهب إليه. حينما تحمل اسم الله، يعمل الله معك، فينجح عملك، ويفرح قلبك بهذا النجاح، وتحب الله الذي أنجح طريقك. كما قيل عن يوسف الصديق إن "الرب معه" وأن كل ما كان يصنعه، كان الرب ينجحه بيده" (تك 39: 3). إن الله يمكنه أن يعمل كل شيء وحده، فكل شيء به كان (يو1) ولكنه يحب أن يعمل بنا، كأدوات في يديه. لكي نفرح بعمل الرب فينا، ونحبه لأنه قد اختارنا لعمله. فهل أنت تعمل الر ب. وهل تقول له: في كل مكان أذهب إليه، وسأوجد لك يا رب موضعا تسند فيه رأسك (لو 9: 58). وهكذا يكون الحب متبادلا بينك وبين الله: هو يعمل فيك، وأنت تعمل لأجله. هو من فرط حبه لك، يرسلك لتعمل في كرمه. وأنت في حبك له تقول "ينبغي أن ذاك يزيد، وأنى أنا أنقص" (يو 3: 30). ولكن اله لا يريدك أبدًا أن تنقص، بل بمحبته يجعلك منارة تنير لكل من في البيت (مت 5: 15). ويقول لك "أباركك وتكون بركة" (تك 12: 2). أما أنت ففي محبتك لله تقول مع المرتل في المزمور "ليس لنا يا رب ليس لنا، لكن لاسمك القدوس أعط مجدًا" (مز 105: 1). الذي يحب الله، يختفي ويظهر الله. كما كان يفعل يوحنا المعمدان في كل كرازته، لذلك أنكر ذاتك، تصل إلى محبه الله. لأنك إن كنت تركز على محبة ذاتك، فسوف تنشغل بها وليس بالله. أما إذا أنكرت ذاتك، فسوف يكون الله هو شغلك الشاغل، وهو الذي يملأ القلب والفكر، فتصل إلى محبته. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
لا تدمن التفكير الله ولي التدبير |
كل مرة يثور في الروح التفكير في الله يشتعل القلب |
مما يقودك إلى محبة الله أيضًا: التفكير في الأبدية |
التفكير في الله |
التفكير في الله |