|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
)أداة المصالحة: "... بالصليب". هذه هي المرة الوحيدة التي ذكرت فيها كلمة "صليب" بحصر اللفظ في هذه الرسالة والمراد ب"الصليب" تقديم المسيح نفسه ذبيحة كفارة لإجراء المصالحة بين الأرض والسماء. إن ما قاساه المسيح على الصليب من آلام لا توصف, وتعييرات لا تنسى, وموت مهين, يدل على أن المصالحة ليست من الهنات الهيّنات, لكنها من أدق المهام وأشقها, لأنه يتحتم على المصالح أن يقوم بكل ما تتطلبه المصالحة من نفقة. وما أعظم تكاليف نفقة هذه المصالحة العظمى التي هي أعظم المصالحات! "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة". فالذبائح كانت منذ القديم ثمناً للمصالحة "أجمعوا إلى أتقيائي القاطعين عهدي على ذبيحة". قد يجد الإنسان الطبيعي صعوبة في الاعتقاد بأن الصليب أداة المصالحة فيقول مثلاً: وما الداعي لكل هذه التضحية الكريمة, متى كان في الإمكان أن يجري الله هذه المصالحة بغير هذه الآلام المبرّحة التي تحملها المسيح؟ أما كانت تكفي كلمة واحدة من فم الله صاحب الشأن الأعلى, وبهذه الكلمة تتم المصالحة! وجواباً على هذا القول: لو كانت كلمة واحدة أو كلمات عدة تكفي لإجراء المصالحة, لما أقدم الله على تضحية ابن محبته. لأن الله مدبر حكيم, لا يسمح بالإسراف والتبذير في تدبير الفداء. من السهل على الإنسان الغارق في بحر الخطايا والآثام أن يتكلم باستخفاف عن الخطية وغفرانها. مثله مثل والد مستبيح, يرى ابنه يرتكب الشر والموبقات فلا يبالي. لكن الوالد المقدس السريرة, النقي السيرة, لا يسمع بخطايا ابنه إلا وعينه دامعة وقلبه دامٍ. لأن خطية ابنه تكون له بمثابة صليب يقاسي عليه مُرّ العذاب. فكم بالحري يكون موقف الله الكلي القداسة, تجاه البشر, وهو لهم بمثابة الأب الذي يتألم لخطايا أولاده! فكيف به إذا كان عليهم قاضياً عادلاً مكلفاً بتنفيذ أحكام شريعته القائلة: "إن النفس التي تخطئ هي تموت"؟! فالصليب –بل المصلوب- هو أداة المصالحة بين الأرض والسماء. أليس من عوامل شكرنا لله أن نكون نحن المخطئين, فيقوم هو بواجب التكفير؟ أن يكون لنا الغنم, وأن يمون عليه الغرم؟ فأين القلوب الشاكرة, وأين الألسن التي تكف عن الاعتراض والاستجواب وتنصرف إلى الحمد والشكر والتمجيد؟!! |
|