|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ماهية السلام الذي أجراه المسيح معبّر عنها بعاملين: (أ)عامل البناء في عملية السلام: "الذي جعل الاثنين واحداً". يراد ب"الاثنين" اليهود والأمم اللذين جعلهما المسيح "واحداً": فهو لم يجعل اليهودي أممياً ولا الأممي يهودياً, بل أنسى اليهودي يهوديته, وأنسى الأممي أمميته, وصار الاثنان يذكران أنهما مسيحيان قبل كل شيء, وفوق كل شيء, ويقول العارفون بأصول اللغة الأصلية: إن كلمتي: "الاثنين" "واحداً" وردتا بصيغة, لا مذكرة ولا مؤنثة, ويعتقد الدكتور مونود أنهما تعنيان نظامين أو هيئتين باعتبار أن المسيح جعل من هاتين الهيئتين المختلفتين –اليهود والأمم- هيئة واحدة, واتحاداً واحداً, ونظاماً واحداً وكتلة واحدة, وكلمة: "واحداً" تعني أيضاً "جوهراً واحداً" لأنها هي ذات الكلمة التي استعملها المسيح في قوله: "أنا والآب واحد" (يوحنا 10: 30). لسنا ندري هل وجدت بين العوامل الطبيعية مادة تصهر معدنين متباينين فتصيغ منهما معدناً واحداً. لكننا نعلم علم اليقين أن المسيح قد استطاع بدمه الثمين أن يصوغ من اليهود والأمم –اللذين لا يقبلان نماذجاً بطبيعتهما- معدناً واحداً صافياً, إذ أمعنت النظر فيه ألفيته عنصراً واحداً. (ب)عامل الهدم في عملية السلام: "ونقض حائط السياج المتوسط". لكي نفهم المراد من هذه العبارة, يجب أن نرجع بأفكارنا على الحالة التي كان عليها الهيكل وقت كتابة هذه الرسالة. فمن المسلم به, أن هيرودس الأكبر أضاف إلى الهيكل قطعة فسيحة من الأرض كانت مؤلفة من دار متداخلة في دار, حتى تصل إلى القدس, ومنه إلى قدس الأقداس. وكانت كل دار تزيد في درجة "القدسية" عن الدار الخارجة عنها, حتى تنتهي إلى قدس الأقداس –الذي لا يُسمح بدخوله إلا لرئيس الكهنة وحده, مرة واحدة في السنة. وأما القدس فكان يسمح للكاهن بدخوله يومياً ليحرق البخور على مذبح المحرقة وقت تقديم ذبيحتي الصباح والمساء. وكانت تُقدم هاتان الذبيحتان في دار الكهنة على مذبح المحرقة. وخارج هذه الدار, داران أخريان: إحداهما –وهي الملاصقة لدار الكهنة مباشرة- تسمى "دار بني إسرائيل", والثانية –وهي خارج الأولى شرقاً- تسمى "دار النساء" كل هذه الأمكنة –قدس الأقداس, والقدس, ودار الكهنة, ودار بني إسرائيل, ودار النساء –كانت مقامة على مستوى عال حساً ومعنى- ينتهي في عدة مواضع منه إلى خمس درجات تؤدي إلى أبواب مفتوحة في جدار مرتفع, تتصل به منصة ضيقة تشرف على دار خارجية فسيحة. وهذه الدار الخارجية كانت مخصصة للأمميين الذين يريدون أن يجتلوا محاسن أمجاد هيكل اليهود,أو أن يقدموا ذبائح وتقدمات لإله إسرائيل –ولكن لم يكن مسموحاً لهم بحال, أن يتخطوا هذا الحائط الذي كان يفصل هذه الدار عن الهيكل. وكل من تحدثه نفسه باقتحام ذلك الحائط يقع تحت طائلة الإعدام. ومبالغة في التحوط, لمنع الأمم من أن يمسوا الجدار المرتفع ذات الأبواب, أقام اليهود حائط سياج منحوتاً من حجر, مطوّفاً أبنية الهيكل, يبلغ ارتفاعه نحو خمسة أقدام. هذا هو الحد الفاصل الذي كان قائماً بين الأمم واليهود, كما حدثنا عنه يوسيفوس في "سفر الآثار" هذا هو حائط السياج المتوسط الذي قصده بولس في هذا العدد. ويقول علماء الآثار إن جماعة من المستكشفين في فلسطين, رفعوا الردم أخيراً عن أحد الأعمدة, وقد كان مقاماً فوق ذلك السياج المتوسط –وهو محفوظ الآن في الأستانة- منقوشة عليه هذه الكلمات باللغة اليونانية: "لا يجوز لإنسان ما, من أمة أجنبية, أن يتخطى هذا السياج ويجتاز منه إلى الهيكل. وكل من يجسر على اقتراف هذا الذنب, ويُقبض عليه, يكون هو الجاني على نفسه". ويقول كاتب سفر "الأعمال" إن يهود أورشليم ثارت ثائرتهم على بولس الرسول لأنهم ظنوه أخذ تروفيموس الأفسسي وأدخله إلى الهيكل مجتازاً به حائط السياج المتوسط (أعمال 21: 28- 30). إن "حائط السياج المتوسط" لم يكن موجوداً في الهيكل فقط, بل كان قائماً في قلوب اليهود, فمنع دخول الأمم إليها –هذا هو الحائط المعنوي الذي يفوق في سمكه ذلك الحائط الحجري. وكم من مرة يكون فيه اللحم أقسى من الحجر!! ومع أن "حائط السياج المتوسط" هذا, كان لم يزل بعد قائماً بأعمدته المنقوشة, حتى كتابة هذه الرسالة, إلا أن المعنى الذي يرمز إليه, كان قد زال مذ أن انشق حجاب الهيكل, والمسيح معلق على الصليب. فمع أن الحجارة المادية كانت قائمة وقتئذٍ, إلا أن معناها الجوهري كان قد زال. وبعد كتابة هذه الرسالة بقليل, تهدَّم الجدار فعلاً, ولم يبقَ فيه حجر على حجر. فزال الرمز والمرموز إليه كلاهما. أما المعنى المراد من "نقض حائط السياج المتوسط" فقد زاده بولس وضوحاً وجلاء في العدد التالي –الذي يعتبر جملة تفسيرية لهذا العدد ولسابقه. |
|