|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لنأكل ونفرح خلاص نفس كم هو رائع أن تنفتح عيوننا على الرب في صلاحه وغنى نعمته، فندرك شيئًا عن أفكاره وطرق معاملاته معنا، فنصرِّح مع المرنم قائلين: «آثارك تقطر دسمًا» (مز65: 11). فدعونا نتعرف على طبيعة هذا الإله الذي صار من امتيازنا أن نرتبط به. لقد قصد الرب في صلاحة أن يكون له علاقة متميزة مع الإنسان، وأن تكون تلك العلاقة محسوسة وملموسة يُدركها الإنسان بصورة تتناسب مع عقله. فعندما يريد الإنسان أن يظهر ترحيبًا وحفاوة لشخص ما يضيفه على مائدة طعامه، ويأكل معه، وهذا يُعتبر ترحيبًا متميزًا، الأمر الذي لم يستطع يوسف - بعد أن صار متسلطًا على كل أرض مصر - أن يفعله مع إخوته. فإن كان قد أضافهم في بيته، إلا أنه لم يستطع أن يشترك معهم على ذات المائدة، «لأن المصريين لا يقدرون أن يأكلوا طعامًا مع العبرانيين، لأنه رجسٍ عند المصريين» (تك43: 32). والأمر الذي قدَّره كلٌّ من مفيبوشث، عندما عرض عليه داود الملك أن يأكل على مائدته، وراعوث عندما عرض عليها بوعز أن تأكل معه، فكان جواب مفيبوشث لداود: «من هو عبدك حتى تلتفت إلى كلب ميت مثلي» (2صم9: 8)، وكان جواب راعوث لبوعز: «كيف وجدت نعمة في عينيك حتى تنظر إليَّ وأنا غريبة» (را2: 10). ومن هذا المنطلق يتضح أمامنا المغزى الرائع من مثل الابن الضال، في قول الآب عن ابنه الذي رجع إليه «قدموا العجل المُسمن واذبحوه فنأكل ونفرح» (لو15: 23). لقد منع ”البروتوكول“ المصري يوسف أن يأكل مع إخوته، وقد استكثر كلٌّ من مفيبوشث أن يجلس على مائدة داود الملك، وراعوث أن تأكل مع بوعز، ولكن نعمة الله وصلاحه حطمتا كل الموانع والحواجز، وها نحن نجد الرب نفسه يُسر بأن يشارك الإنسان ويأكل معه، في جو من الفرح والطرب (لو15: 25). وكم هو شيق أن نتتبع بعض المواقف في كلا العهدين القديم والجديد حيث نجد ليس فقط الإنسان يأكل أمام الرب، بل الرب نفسه يأكل أمام الإنسان!! وإن كنا نرى في كل موقف من العهد القديم صدى له في العهد الجديد أسمى وأعظم. ففي خروج 18: 8-12 نرى ”خلاص نفس“، ولكن في لوقا 24: 1-35 نجد ”رد نفس“، وإن كنا نرى في خروج 24: 1-11 ”امتياز مفقود“، فنحن نرى في لوقا 24: 36-53 ”امتيازًا غير مسبوق“، وأخيرًا نرى في يوحنا 21 ”صلاحًا غير محدود“! مع ملاحظة أن في هذه المشاهد الخمسة نلمس تدرُّجًا من الأقل إلى الأسمى حيث نصل إلى أعلى مستوى في المشهد الخامس والأخير، الأمر الذي سنُظهره في حينه. vخلاص نفس (خر18: 8-12) « وَجَاءَ هَارُونُ وَجَمِيعُ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ لِيَأْكُلُوا طَعَامًا مَعَ حَمِي مُوسَى أَمَامَ اللهِ» (خر18: 12). في هذا المشهد نقرأ عن قصة رواها موسى لحميه يثرون تحكي عن ”قدرة الرب“: «كُلَّ مَا صَنَعَ الرَّبُّ بِفِرْعَوْنَ وَالْمِصْرِيِّينَ»، وعن ”محبة الرب“: «مِنْ أَجْلِ إِسْرَائِيلَ»، وعن ”خلاص الرب“: «وَكُلَّ الْمَشَقَّةِ الَّتِي أَصَابَتْهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَخَلَّصَهُمُ الرَّبُّ». وكان لهذا أعظم تأثير على يثرون إذ «فَرِحَ يَثْرُونُ بِجَمِيعِ الْخَيْرِ الَّذِي صَنَعَهُ إِلَى إِسْرَائِيلَ» (ع9)، وتغنى بخلاص الرب لإسرائيل: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ الَّذِي أَنْقَذَكُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ. الَّذِي أَنْقَذَ الشَّعْبَ مِنْ تَحْتِ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ» (ع10)، كما اعترف بعظمة إله إسرائيل وحكمته: «الآنَ عَلِمْتُ أَنَّ الرَّبَّ أَعْظَمُ مِنْ جَمِيعِ الآلِهَةِ لأَنَّهُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي بَغُوا بِهِ كَانَ عَلَيْهِمْ» (ع11)، ومن ثم قدَّم محرقات وذبائح لله (ع12)، وأخيرًا نجده في شركة مع شيوخ إسرائيل يأكل معهم أمام الله (ع12)! فما أروع هذا المشهد!! إذ نحن هنا بصدد أول مشهد يأكل فيه الإنسان أمام الرب! صحيح إننا نقرأ قبل ذلك عن إبراهيم، خليل الله، أنه أضاف الرب، إلا أننا لا نجد إبراهيم يشارك الرب في الطعام ويأكل معهم، بل كان واقفًا بينما الرب يأكل هو والملاكان، حيث نقرأ: «وَإِذْ كَانَ هُوَ وَاقِفًا لَدَيْهِمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَكَلُوا» (تك18: 8). لكننا هنا أمام مشهد بديع وفريد، يثرون مع شيوخ إسرائيل يأكلون أمام الرب! كم كان الأمر مبهجًا ورائعًا. إنها وليمة بكل المعنى، وليمة لا يمكن أن تُنسى، وكأننا في هذا المشهد المُتميِّز نستمع لصوت الرب قائلاً: «الْقِدِّيسُونَ الَّذِينَ فِي الأَرْضِ وَالأَفَاضِلُ كُلُّ مَسَرَّتِي بِهِمْ» (مز16: 3). كان يوجد في خيمة الاجتماع ”مائدة خبز الوجوه“، وسُمِّيتْ هكذا حيث كان الخبز يوضع على المائدة طوال أيام الأسبوع السبع ليُرَى أمام وجه الرب، ثم يُرفع في يوم السبت ليأكله الكهنة، ويوضع بدلاً منه خبزٌ جديد. وفي هذا نجد أن ذات الطعام الذي يُشبع الرب ويُسره، هو ذاته الذي يُشبع ويُسر الكهنة. صحيح هو طعام واحد للرب وللكهنة، لكننا لا نجد الرب يأكل مع الكهنة، أما هنا فنحن نرى حالة جديدة، إذ نجد شيوخ إسرائيل في ذات حضرة الرب، في جو رائع من الشركة حيث يأكلون أمام الرب. هكذا يلمع قصد الرب المجيد، وهو أن يكون للإنسان شركة حقيقية معه، شركة ملموسة ومحسوسة، شركة ترفع من شأن الإنسان وتسمو به، فإن كنا نرى الرب تبارك اسمه يُسر أن يسكن مع الإنسان (خر25: 8)، فها هو أيضًا يُسر أن يأكل الإنسان أمامه! لكننا نتعجب جدًّا أن نجد حوباب ابن رعوئيل (يثرون) يرفض عرض موسى بأن يذهب معهم، فيحظى بكل الخير والإحسان الذي قصده الرب لإسرائيل، فكان جواب حوباب ابن يثرون على قول موسى له: «اذهب معنا فنحسن إليك، لأن الرب قد تكلَّم عن إسرائيل بالإحسان ... لا أذهب بل إلى أرضي وعشيرتي أمضي» (عد10: 29، 30). نعم لقد كان إيمان يثرون بالرب، وهو الكاهن الوثني (خر18: 1)، إيمانًا حقيقيًّا، وقد اعترف بالرب، وعبده مقدمًا له محرقات وذبائح، وقد تمتع بامتياز الشركة مع الرب هو وشيوخ إسرائيل، ولكن يا للحسرة، إذ نرى ابنه يرفض مرافقة شعب الرب، مفضلاً أرضه وعشيرته عن كل هذا، فلم يُقدِّر امتياز الشركة مع شعب الله. وهكذا تُختم القصة بهذا الخروف، وقد ضلَّ طريقه وابتعد عن قطيعه؟! ولكننا في نور العهد الجديد كأننا نمسك بطرف هذا الخيط، ونجد استكمالاً لهذه القصة الجميلة، إذ نجد كيف أن الرب في مشهد النعمة يتعامل مع الضال ويُرجعه، ليتمتع بامتياز أن يأكل مع الرب، وهذا ما سنتكلم عنه بنعمة الرب في المقال القادم. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
نحن لم نخلق لنأكل ونشرب ونلبس |
يعطينا الرب جسده لنأكل |
كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل؟ |
ماذا سيعطينا لنأكل |
لنأكل جسده ولنشرب دمه |