04 - 09 - 2012, 10:54 AM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
كأس بيرة في رمضان.. يا للهول هل إلى هذا الحد وصل الهوس الديني؟
بقلم د إميل شكرالله
أعتقد أنه قد حان الوقت ليكثف علماء النفس من جهودهم لتشخيص ما يمكن أن نسميه مرض "الحساسية الدينية" لدى البعض وذلك لمعرفة الأسباب وتقديم العلاج. فقد بدأت أعراض المرض تتفشى في مصر بحيث يستطيع أي إنسان متابع للحالة الدينية أن يلاحظ بكل سهوله سرعة انتشار هذه الظاهرة بين أولئك الذين رفضوا العقل فاستعبدتهم العاطفة فخسروا أهم نعمة شرف الله الإنسان بها ألا وهي نعمة التفكير.
وأعراض هذا المرض غريبة الأطوار حيث تنتاب المصاب حالة هستيرية إذا ما اقترب أحدهم وانتقد سلوكياته المجتمعية المستندة إلى ما يعتقد أنها ثوابت دينية أو قواعد فقهية، أما إذا كان النقد موجه إلى موضوعات عقائدية لا يؤمن بها غيره تجد الإنسان المصاب بالحساسية الدينية وقد تحول إلى كائن آخر ينتمي إلى فضاء آخر من غير فضاء بني الإنسان وبسرعة البرق ‘يشحن ذاتياً بطاقة مدمرة من الكراهية تجاه الآخر تدفعه لقتل نفسه من أجل قتل من يعتقد أنهم أعداءه ومثله في ذلك مثل الذي يشرب السم ليميت الأعداء! إنها مأساة حقيقية. وكمثال صارخ على خطورة هذا المرض اسرد لكم هذه الواقعة العجيبة والغريبة.
توجهت إلى أحد الفنادق الفاخرة بصحبة أستاذ أجنبي جاء في زيارة علمية إلى مصر. وقد دعوته إلى العشاء في مطعم فاخر بأحد فنادق القاهرة ذات الخمس نجوم وكان ذلك اليوم هو آخر أيام شهر رمضان وقد أفطر الجميع ويستعدون للعيد.
بعدما انتهينا من اختيار بعض الأطباق من القائمة، ولعلمي برغبة صديقي الشديدة في شرب كأس من البيرة طلبت من النادل أن يضيف إلى القائمة زجاجة بيرة مثلجة بدرجة كافية يعني "مشبرة" كما يقول المصريون.
في أثناء تناول العشاء جاءني مدير المطعم وقال في أدب وحياء يا سيدي لدينا تعليمات لا تسمح بشرب الكحوليات إلا للأجانب فقط خلال شهر رمضان ورجوني عدم استكمال الشرب وكان صديقي قد صب لي كأساً وشربت منه بالفعل.
شعر صديقي أن هناك مشكلة وطلب مني التوضيح غير أنني رجوته أن ينتظر لأستوضح انأ الأمر أولاً. سألت الرجل أعلم أن لديكم تعليمات بعدم تقديم أية مشروبات كحولية إلا للأجانب فقط ولكن الأمر هنا مختلف فطلب زجاجة البيرة يمكن اعتباره خاص بشخص أجنبي وهذا يعفيك من المسئولية، واعتقد إن عملك لا يتطلب منك مراقبة الزبائن والنظر في أكوابهم وأطباقهم لمعرفة ماذا يأكلون وماذا يشربون.
وجهت حديثي مرة أخرى إلى مدير المطعم.. يا عزيزي من غير المعقول ومن غير المقبول أن لا أشارك صديقي لأني لا أجد سبباً واحداً يمكن أن يقنعه بعدما بدأت بالشرب فعلاً واعتقد أن صديقي سيرفض أن يشرب بمفرده لأن ذلك سوف يعتبره إهانة له وخصوصاً أنه يعرف أنني من محبي شرب البيرة.
لم يقتنع المدير بأسبابي وأصر على عدم السماح لي حتى بإنهاء الكوب وقال في خوف إذا مرت شرطة السياحة ولاحظت الموقف فالعقاب سيكون شديد..وهو غلق البار لمدة ثلاثة أشهر والطرد من العمل أرجوك يا فندم ميرضيكش أذيتي.. قالها في استعطاف.
عندئذ أخبرت صديقي بالموقف فلم أستطع الكذب ولم أتعود عليه قط ولم أستطع أن أعبر له بكلمات غير صريحة لأني كنت في قمة الغضب والأستياء من الموقف الغريب ومن التعليمات المريضة التي أشعرتني بالغربة في بلدي وتملكني إحساس لا يمكن وصفه جعلني أعتقد أنني أعيش في مجتمع مريض غير صحي وأنا غير مدرك.
على أيه حال، وتحت إصرار من صديقي دفعنا الحساب وتركنا المطعم وتركنا العشاء وذهبنا نتبادل أطراف الحديث فلم نعد في حاجة إلى غذاء الجسد نحن الآن عطشى لغذاء ثقافي وفكري.
وطفح على الحوار السؤال.. ما هي الأسباب الحقيقية التي أدت إلى سرعة انتشار هذا النوع الخطير من الحساسية الدينية عند البعض حتى وصل إلى المسئولين الكبار وصانعي القرار. بعد الفحص والتدقيق والتمحيص توصلنا إلى أن السبب الرئيس هو شعور الإنسان المصاب بالحساسية الدينية أنه مستهدف في دينه.. وأنه يعتقد أن الآخر المختلف إذا فعل مها هو مخالف لعقيدته أو ثقافته فإنه على الفور وبحساسية مفرطة يفسره على أنه استهزاء به وبدينه وبتعاليمه ومقدساته.. يا للهول كل هذه التهم البشعة لمجرد أنك ببساطة شديدة حاولت إن تأكل مالا يأكل أو تشرب ما لا يشرب أو تردي ما لا يرتدي ونسي تماما أن للآخر نفس الحقوق التي يطلبها لنفسه!
وكدنا نجن من البحث عن إجابة السؤال الذي اعتبرناه السؤال الفخ لماذا يعتقد الإنسان المصاب بمرض الحساسية الدينية أن كل العالم من أصحاب الديانات الأخرى أي ما يشكل أكثر من 80% من سكان كوكب الأرض هم أعداءه؟؟ ألعل هؤلاء الأعداء الأشرار قد تركوا البحث العلمي والتقدم الاقتصادي والتكنولوجي وليس لهم في هذه الحياة إلا هدف واحد فقط هو محاربة الإسلام والمسلمين حتى يتركوا الدين الإسلامي؟ وما هي مصلحتهم في هذا؟ غير أننا لم نتوصل إلى إجابات.
فرجحنا أسباب ظهور مرض الحساسية الدينية عند البعض إلى الشعور بالعزلة وعدم القدرة على الاندماج في أي مجتمع متعدد الأعراق والأديان.. فتجدهم يعيشون حياتهم ليس كبقية أفراد المجتمع وإنما بأنماط مختلفة. فالمرأة التي ترتدي زياً إسلاميا ترى النساء الأخريات في الميني جيب وحسب آخر موضة. وإذا كان الأكل يجب أن يكون بشروط ما يسمى الحلال، فالآخرون يأكلون كل ما يروق لهم، وإذا كانت ملابس الشواطئ وحمامات السباحة يجب أن تكون شرعية تجد الآخرون بالمايوه العادي والمرأة في البكيني. وإذا كان الاختلاط بين الرجل والمرأة له قواعد وشروط تجد الآخرون لا يفرقون بين الرجل والمرأة على الإطلاق.
وإذا كان الفرض عندهم هو عدم التعامل مع الخمور بكل انواعها تجد الآخرون يشربون ما طاب لهم ليل نهار بحرية لا تحكمها إلا مصالح الإنسان ذاته. هم لا يرقصون في الحفلات ويحرمون الغناء بينما الآخرون يستمتعون بحياتهم فيرقصون ويفرحون. هم لا يقرئون الكتب الدينية التي للآخرين ولكن الآخرون يقرئون كتبهم.
ما اروع ما قاله أحد المعلقين المحترمين في جريدة إيلاف عندما كتب " في الوقت الذي احترم فيه صديقي المسلم الذي يلبي دعوتي لتناول الطعام فلا أضع أمامه الخمور عندما يأتي إلى منزلي وذلك احتراما لمعتقداته.. أجده لا يضع لي بعضها عندما أذهب تلبية لدعوته لتناول الغذاء في منزله. فلا يهتم ولا يبالي برغبتي في تناول كاس من النبيذ وخصوصا مع علمه أن هذا من عاداتي المحببة أثناء تناول الطعام. نعم انه الفرق الشاسع بين المواطن المصاب بالحساسية الدينية والشخص السليم.
العجيب والمحير والذي لا يمكن تصديقه هو ما قاله لي أحد أصدقائي فيما بعد من أن نفس الموقف قد حدث معه وكان في مكان آخر والغريب في الموضوع أنه لم يكن بصحبة زائر أجنبي كما في حالتي وإنما بصحبة زوجته الأجنبية حيث ‘سمح لها بالشرب ولم يسمح له. يا للمهانة يا للعار أين العقلاء؟ هل من يسمع!!
ما هذا العبث السياسي؟ كيف يصدرون مثل هذه القرارات المشينة والتي تتنافى مع ابسط قواعد حقوق الإنسان؟ كيف يمكن لعقلاء الوطن وقادته إن يفرضوا ويقهروا مواطنيهم على تنفيذ قوانين تستند إلى شريعة دينية لا يؤمنون بها؟ وهل هذه القوانين تستقيم مع ما يتردد ليل نهار " إذا كان الإسلام يقر مبدأ لا إكراه في الدين فلا يجوز بالقياس الإكراه في المأكل والملبس" أم هذه مجرد شعارات للضحك على البسطاء في الداخل والأجانب في الخارج. هل علمتم الآن أسباب رفض الأقباط والمسلمين المعتدلين المستنيرين في مصر المادة الثانية من الدستور؟؟؟؟؟ هذه المادة التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع. فما بالك لو حذفت كلمة مبادئ كما يطالب بعض السلفيين؟؟؟
بالتأكيد لا يحق لأي أي إنسان أن يعترض على سلوكيات وممارسات البشر الخاصة التي تخضع لقيمهم ومعتقداتهم الدينية لكن ليس من حق هؤلاء أيضا أن يفرضوا معتقداتهم على المخالفين لهم..
إن الوضع جد خطير وللأسف فإن الخطاب الديني لا يزال متمركز حول الشكليات والمظاهر الدينية التي لا تعبر عن التدين الصحيح بل وازداد شراسة بوصول تيار الإسلام السياسي للحكم حتى وصل الأمر إلى قيام الكثيرين بتغير نغمات التليفون المحمول الموسيقية والغنائية إلى ادعية دينية تمشيا مع الوضع السياسي الديني الراهن كما أخبرني بعضهم.
إن لم يتحرك علماء الدين المستنيرين بالاشتراك مع عقلاء الوطن والمخلصين من السياسيين والحزبيين والائتلافات الثورية المدنية للتصدي لهذه المظاهر البعيدة عن جوهر الدين ووضع حد لانتشار هذه الظاهرة الخطيرة والعمل على حماية مصر من الدستور القادم إذا ما صبغ بالصبغات الدينية التي تعادي المواطنة والحضارة وقيم حقوق الإنسان فإن العواقب ستكون خطيرة جداً على مستقبل البلاد. والله المستعان.
ايلاف
|