حتى متى يا رب أدعو وأنت لا تسمع
(حب 1: 2)
حيرة التقي: تساءل حبقوق مُتحيرًا هذا السؤال: "حتى متي يارب أدعو وأنت لا تسمع. أصرخ إليك من الظلم وأنت لا تُخلص؟" (حب1: 2). وكانت مشكلة حبقوق وحيرته هي: لماذا يتأنى الله على الأشرار، على شرهم وظلمهم؟! ولماذا يصمت الرب حين يبلع الشرير من هو أبر منه؟!
نحن أيضًا قد نسقط في فخ الحيرة كحبقوق، عندما نرى الأشرار وما يفعلونه بالأتقياء وبشعب الرب من سحق وظلم واضطهاد، ونندهش متحيرين: لماذا يقف الرب وكأنه صامت تجاه هذه الأمور؟! ولا سيما في هذه الأيام الصعبة التي نعيشها ونرى من حولنا الظلم والاضطهاد.
إمهال الله: في ختام مثل الأرملة وقاضي الظُلم أردف الرب يسوع قائلاً: "أفلا يُنصف الله مختاريه، الصارخين إليه نهارًا وليلاً، وهو مُتمهل عليهم؟ أقول لكم إنه يُنصفهم سريعًا" (لو18: 7، 8). لكن يا أحبائي .. علينا أن ندرك أن الله يرى كل هذه الأمور، وهو ليس كما نظن يقف صامتًا أو عاجزًا، لكنه سيتدخل في وقته وبالطريقة التي يراها. إن الله حكيم وهو الممسك بزمام الأمور، وله قصد عظيم من وراء كل هذه الأحداث، وهو لا يمنع الشر بل يسمح به ويتحكم فيه، ويجعل "كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبونه" (رو8: 28). ولنتذكر قول الحكيم: "إن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد فلا ترتع من الأمر، لأن فوق العالي عاليًا يلاحظ والأعلى فوقهما" (جا5: 8).
فالله يرى ويراقب وله وقته لكي يتدخل فيه بالإنصاف من الظلم والنجاة من الضيق، ولكنه لا يستعجل في قضائه، وهو " لا يشاء أن يهلك أناسٌ بل أن يقبل الجميع إلى التوبة" (2بط3: 9).
والرب لايترك أتقياءه في حيرتهم بل يستجيبهم وينير ظلمة أفكارهم، فقد رد على حبقوق وقال له: "أكتب الرؤيا وانقشها على الألواح لكي يركض قارئها. لأن الرؤيا بعد إلى الميعاد، وفي النهاية تتكلم ولا تكذب، إن توانت فانتظرها" (حب2: 3). وأوضح له أنه سيأتي يوم يدين فيه الأشرار ويقضي عليهم بالعدل والبر بحسب شرورهم عندما يكتمل مكيال شرهم.
كم تأثرنا كمومنين لما حدث مع الشباب الأبرياء الذين ذُبحوا وانتابتنا الحيرة والشك: لماذا يسمح بهذه الأمور الصعبة، وهل عجزالله عن الإنقاذ؟!
وقف آساف النبي مُتحيرًا من نجاح الأشرار وكبريائهم، لكنه عندما دخل مقادس العلي، وانتبه إلى آخرتهم قال: "حقًا في مزالق جعلتهم، أسقطهم إلى البوار. كيف صاروا للخراب بغتة! اضمحلوا فنوا من الدواهي. كحلم عند التيقظ يارب عند التيقظ تحتقر خيالهم" (مز73: 18).
قضاء الله: وإن كنا في تدبير النعمة وزمان صبر المسيح وأناة الله، لكن الله لا بد أن يظهر عدله وقداسته، في دينونة الشرير والقضاء عليهم. ولنا في كلمة الله بعض الأمثلة لأتقياء تعرضوا للظلم والاضطهاد والقتل وثبتوا حتى النهاية، وجاء اليوم الذي فيه انتقم الرب لدمائهم من الأشرار، نذكر بعضًا منهم كالآتي:
1- الأموريين: أعلن الرب لأبرام في الرؤيا أن مكيال شر الأموريين لم يكتمل بعد (تكوين15) بالرغم من شرورهم وفسادهم في أرض كنعان، لكن لما جاء الوقت استخدم الرب يشوع وجيشه في القضاء عليهم.
2- فرعون: تجبر فرعون وعاند وراوغ وأذل شعب الرب، ولكن رغم أناة الله الطويلة عليه، جاءه القضاء الرهيب والغرق في بحر سوف هو وأفضل جيوشه المركبية ( خروج 14).
3- نابوت اليزرعيلي:
هذا الشخص التقى تعرض للظلم والاضطهاد من الملك أخآب وإيزابل الشريرة لأنه رفض أن يعطيه كرمه ليعمله بستان بقول، وتمسك بميراث آبائه، فكانت النتيجة أن إيزابل الشريرة خططت لقتله وجمعت عليه شهود زور يقولون إنه جدف على الله والملك، وحكموا برجمه مع أنه بريء (1مل 10:21)، فأرسل الرب إيليا النبي إلى أخآب وقال له: "هل قتلت وورثت أيضًا؟ وقال هكذا قال الرب في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت تلحس الكلاب دمك أنت أيضًا" (1مل 19:21)، وعن إيزابل قال الرب: "إن الكلاب تأكل إيزابل عند مترسة يزرعيل"، وهذا ما حدث بالفعل (1مل22، 2مل9).
4- هيرودس الملك:
اضطهد المؤمنين في الكنيسة الأولى، فقتل يعقوب الرسول بالسيف، وعاد فقبض علي بطرس ووضعه في السجن، وكان مزمعًا أن يقتله أيضًا كما قتل يعقوب، لكن الرب تدخل وأنقذ بطرس، وجاء اليوم الذي قضى فيه الرب على هيرودس الشرير حيث "ضربه ملاك الرب، لأنه لم يعط المجد لله، فصار يأكله الدود ومات" ( أع12).
5- شهداء النصف الأول من أسبوع الضيق (رؤ6): "ولما فتح الختم الخامس رأيت تحت المذبح نفوس الذين قُتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم. وصرخوا بصوت عظيم: حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض؟"، فجاء القضاء بدءًا من الختم السادس فصاعدًا. إذ هو عادل عند الرب أن الذين يضايقونكم هكذا يجازيهم ضيقًا" (2تس1).
مجدى اسحق