أول أيام العيد
7: 1- 13
ولما اقترب عيد المظال، قال ليسوع إخوته: "إذهب إلى اليهودية".
هنا نبدأ قسماً جديداً (7: 1- 8: 59) عنوانه: يسوع في عيد المظال.
فانطلاقاً من ف 7 تبرز عداوة اليهود ليسوع، كما يبرز منظور العودة إلى الآب بالآلام. ويتوحّد ف 7 و8 (ما عدا حدث الأرملة الزانية) حول عيد المظال. يبدأ هذا العيد (7: 10) بالنظر إلى يسوع في الخفاء وينتهي في الخفاء (8: 69). وبين البداية والنهاية يقدّم يسوع بشكل علني وحيه لليهود. في البداية دخل إلى الهيكل (7: 14). وفي النهاية (8: 59) خرج منه في جوّ من الفشل.
ونجد مواضيع في هذين الفصلين. الأول، موضوع التهديد ضدّ حياة يسوع. ظهر في المرة الأولى في 5: 8 (سعى اليهود إلى قتله) وتوضّح في 7: 19، 20، 25.
الثاني، موضوع عيد المظال الذي يذكّر العبرانيين بإقامتهم في البرية (لا 23: 42- 43). صار هذا العيد للعبرانيين الذين أخذوا بحياة الحضر، عيد الخريف المرتبط بقطاف العنب. واتخذ موقعاً هامّاً في إسرائيل بحيث تحدّث عنه فلافيوس يوسيفوس بأنه "أعظم الأعياد وأقدسها عند العبرانيين". إن تدشين هيكل سليمان قد تمّ بمناسبة عيد المظال (1 مل 8: 2). وهذا ما يثبت العلاقة القديمة بين الهيكل وهذا العيد.
في ذلك اليوم يحتفل إسرائيل بـ "يوم الربّ": يأتي المسيح الملك إلى أورشليم ليقطف ثمر انتصاره. يأتي راكباً على حمار (زك 9: 9). كل شيء يكون طاهراً في أورشليم بحيث لا يبقى في ذلك اليوم تاجر (كنعاني) في بيت الرب القدير (زك 14: 21).
كان العيد مناسبة لطلب المطر الضروري لخصب الغلال الآتية. ولهذا كان ينزل كل يوم من أيام العيد، طواف إلى عين جيحون التي تغذّي بركة سلوام، فيحملون الماء في إناء من ذهب ويقدّمونه إلى المذبح وهناك يصبّونه. حينئذ تصعد الجموع في طواف وهي تحمل في اليد اليمنى اللولب (نخلة لّينة) وفي اليسرى الليمون الحامض. هذه الخلفية تلقي الضوء على إشارة يسوع إلى الماء.
الموضوع الثالث هو سيادة يسوع على الزمن المناسب. هو ينطلق من ذاته، فلا يؤثّر عليه البشر، لكي يذهب إلى أورشليم. قالت لإخوته: "ما جاء وقتي بعد"، فدلّ على أن التدخّلات البشرية لا تقرّر الزمن المؤاتي للوحي. ففي المنطق البيبلي، لا يدلّ يعود يسوع إلى أورشليم (مع أنه رفض أن يصعد أولا، رج آ 8) أنه يعارض نفسه بنفسه: فالربّ يقرّر وحده وقت الوحي: ساعة تأتي ساعته (12: 12).
إن هذا السفر إلى أورشليم يوافق عند يوحنا الصعود الوحيد إلى المدينة المقدّسة، كما أورده الإزائيون. نحن لا نجد أية إشارة إلى عودة لاحقة ليسوع إلى الجليل قبل زمن الآلام. كل ما يذكر هو انتقال إلى شرقي الأردن في 10: 10 وإلى أفرام في 11: 54. وموضوع السرّ حاضر أيضاً في مر 9: 30 حين يكون يسوع صاعداً إلى أورشليم.
الموضوع الرابع هو عزلة يسوع تجاه عائلته وبيته. عرض عليه "الأهل" أكثر من سفر عابر. عرضوا عليه أن يقيم في اليهودية. فاليهودية هي موضع ظهور الله الساطع. وهي تقابل الجليل التي هي أرض خاملة وخفية بل محتقرة (7: 27، 41، 52). رفض يسوع أن يقيم فيها. إنه يهيّىء عبوره إلى الآب.
ونتوقّف عند بداية أيام العيد. ماذا نكتشف؟ أولاً كلمة "وقت" أو "زمن" (آ 6، 8). الكلمة تعني الوقت الموافق والظرف المؤاتي.
ويتساءل النقد الأدبي: هل نضع ف 7 حالاً بعد ف 5 (أي نربطه حالاً مع ف 5، وكأن ف 6 في غير موقعه)؟ هناك شرّاح يقترحون الترتيب التالي: ف 4، ف 6، ف 5، ف 7. لماذا؟ إن ف 4، 6 يصوّران أحداثاً جرت في الجليل. ثم إننا نجد انتقالاً سهلاً من ف 5 إلى ف 7. بالإضافة إلى ذلك، ترتبط 7: 21 بوضوح مع 5: 8- 16، بحيث إن ف 6 يبدو في غير محلّه.
ولكننا نقول: قد ترتبط 7: 15 مع 5: 47 بدون تبديل في المعنى. أما 7: 1- 14 فيفترض افتراضاً واضحاً وجود ف 6 والمعجزة التي يرويها.
ويظهر إخوة يسوع، بعد أن كنا لمحناهم على طريق كفرناحوم (2: 12). ولكن هل الحديث الوارد في آ 3- 9 يتمّ هو أيضاً في كفرناحوم؟ نحن هنا أمام أبناء عمّ يسوع أو أبناء القبيلة (ف مر 6: 3 مع مر 15: 40).
ما يميّز يوحنا، هو أن يسوعٍ يوجّه كلامه أولاً إلى شخص من الأشخاص، فيفهمه محاوره فهما خاطئاً. بعد هذا، يعرض يسوع لاهوته. أما هنا فليس الأمر هكذا. ما نجده من كلام في فم الأقارب يقابل تجربة الشيطان ليسوع كما يرويها لو 4: 9- 12 (= مت 4: 5- 7): أظهر علانية سلطتك العجائبية في أورشليم.
إن التجربة الأولى التي فيها يعرض الشيطان على الربّ كل الممالك، تجد ما يقابلها في يو 6: 15 حيث يريد الشعب أن يقيم يسوع ملكاً. ولكن يسوع ابتعد عنهم وهرب. ودعوة الشيطان إلى يسوع لكي يحوّل الحجارة إلى خبز، تذكّرنا برغبة الجمع الذي يطلب معجزة الخبز (6: 30).
ما قدّمه لنا متى ولوقا بصورة بناء لاهوتي محكم، يبدو دقيقاً جدّاً من الوجهة التاريخية. فحسب الإزائيين، قد صعد يسوع إلى أورشليم قبل عيد الفصح بقليل، قبل آلامه بزمن قليل. أما حسب يوحنا، فقد أقام يسوع في هذه المقاطعة بعض الوقت. ما جمعه الإزائيون في أسبوع الآلام وحده، قد توسّع عند يوحنا بشكل معارضة ترتفع حدّتها يوماً بعد يوم. فبعد 7: 10 لم يعد يسوع إلى الجليل. وهو سيبقى في أورشليم أو في جوارها حتى فصح آلامه (11: 55).
إذا أردنا أن نفهم هذا المقطع، نتوقّف عند الكلمة الأساسية: "صعد" (آ 8، 15). ولن نفهمها جيداً إذا كنا لا نفكّر إلاّ بالصعود إلى أورشليم في العيد. فكل مفردة لدى يوحنا تحمل معنيين. وهذا ما نقوله عن فعل "صعد". ففي معنى أرضي محض، يدلّ على صعود إلى مرتفعات أورشليم. ولكن هناك معنى آخر وأعمق: صعود إلى الآب. هذا المعنى الروحي نجده في 3: 13 (ما صعد أحد إلى السماء)؛ 6: 62 (رأيتم ابن الإنسان يصعد)؛ 20: 7 (أنا صاعد إلى أبي وأبيكم).
وفي هذا المقطع الذي ندرس، نحاول أن ندرك هذين المعنيين. ففي لغة أرضية محضة، قال يسوع لإخوته: "إصعدوا أنتم إلى العيد" (آ 8).
فالعيد هو ظرف مؤاتٍ للذين يطلبون الكرامات البشرية. ولكن العبارة التالية تحمل معنيين. قال يسوع: "لا أصعد إلى هذا العيد". إذا كان يسوع لا يصعد، فهذا يعني أنه لم يصعد ساعة أراد إخوته وبالطريقة التي أرادوها. وأكثر من ذلك. ليس هذا العيد هو الذي يصعده إلى الآب، بل الآلام والصلب. فوقته "ما جاء بعد" (لم يتمّ بعد).
نكتشف في آ 10- 13 أورشليم كمدينة لا يحق ليسوع أن يصعد إليها صعوداً علنياً، ولا يجرؤ الخيرّون الذين يعترفون بيسوع، أن يبدوا رأيهم فيه. بل فيها ينتصر (آ 11- 12) أولئك الذين يتذمّرون من هذا المعلّم الجديد الآتي من الجليل (رج 6: 41، 61 وما فيهما من تذمّرات). إن أصغى أحد إلى الصوت الخيّر، هزئوا به وقالوا عنه: "هو مخدوع، (7: 47). بعد هذا، ما فتىء الرؤساء يلومون يسوع بأنه يخدع الشعب بتعليمه (آ 12؛ رج لو 23: 2؛ مت 27: 63؛ 2 كور 6: 8). لا ننسَ أنه حيث يكون العقل هو الموجّه الوحيد، فتعليم يسوع يبدو محاولة خداع وغشّ.
منذ آ 1، نبّهنا الإنجيلي إلى أن الصراع بين النور والظلمة، بين الخير والشر، قد بلغ إلى ذروته: فاليهود يطلبون أن "يقتلوا" يسوع (رج 5: 18). والسبب الحقيقي الذي يدفعهم إلى قتل يسوع، نقرأه في 8: 37. إنهم لا يتقبّلون الكلمة. قال يسوع: "ليست كلمتي فيكم. وهكذا تلقي آ 1 ظلاً يمتدّ على كل المشهد الآتي. ومع ذلك، ورغم كل علامات العداء، أعلن يسوع رحمة الله في جوّ عيد المظال (7: 37؛ 8: 12). لهذا أعلنت آ 2 بنبرة فرح: "إقترب عيد المظال عند اليهود".
لا ننسى خلفية هذا المقطع: عيد المظال، أكبر الأعياد وأهمها. كان يمتد هذا العيد على سبعة أيام بسبب البركة التي منحها الرب (تث 16: 13- 15). كانت ترتفع الأفكار إلى المطر المنتظر وإلى تجديد العهد الذي يحتفل به مرة كل سبع سنوات.
قال زكريا النبي في هذا العيد: "ها إن يوم الرب يأتي" (14: 1). "كل الناجين من كل الأمم يصعدون سنة بعد سنة ليسجدوا للملك الرب القدير، ويحتفلوا بعيد المظال. فعشائر الأرض الذين لا يصعدون ليسجدوا للملك ربّ الجنود، لا ينزل عليهم مطر" (زك 14: 16- 17). ففكرة القرار والدينونة ترتبط بالوعد بالمطر لكل الذين يعبدون ملك أورشليم الحقيقي في نهاية الأزمنة. سنجد هاتين الفكرتين في خطب يسوع خلال أسبوع العيد.
ونجد في هذا العيد فكرة أخرى مهمّة: يعود عيد الفرح هذا إلى إبراهيم الذي كان أول من احتفل به بالنظر إلى نهاية الأزمنة. نقرأ في كتاب اليوبيلات (دوّن حوالي سنة 100 ق. م.): "وبنى إبراهيم أكواخاً له ولعبيده في هذا العيد، فكان أوّل من يحتفل بعيد المظال على الأرض. وفي تلك السبعة أيام قدّم ذبائح... إحتفل بهذا العيد مدة سبعة أيام، فابتهج بكل قلبه وكل نفسه هو وكل أهل بيته. وامتدح خالقه الذي خلقه حسب رغبته. فقد علم إبراهيم وعرف أن منه تخرج نبتة البرّ للأجيال الأزلية، والزرع المقدّس، بحيث يصبح كذلك الذي صنع كل شيء. ومدح، وابتهج، ودعا هذا العيد، عيد الله، وفرح حنان الله السامي".