|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
“فليخلّص نفسه” (لو23: 35) ابتدأ رؤساء كهنة اليهود مع الكتبة والشيوخ يسخرون ويستهزئون بالسيد المسيح قائلين: “خلّص آخرين فليخلّص نفسه إن كان هو المسيح مختار الله” (لو23: 35). “وكان المجتازون يجدِّفون عليه وهم يهزّون رؤوسهم قائلين: يا ناقض الهيكل وبانيه فى ثلاثة أيام خلّص نفسك. إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب” (مت27: 39، 40). كان المطلوب فى نظرهم أن يخلّص نفسه من الصليب ومن الموت لكى يثبت لهم أنه هو المسيح..!! مع أن عمل السيد المسيح الرئيسى كان هو أن يُصلب وأن يموت عوضاً عن الخطاة ليخلّصهم. كانت عبارة “خلّص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلِّصها” (مت27: 42) والتى رددها المستهزئون به، هى عبارة استهزاء، وعبارة صادقة فى وصف الصلب فى آنٍ واحد. نطق بهذه العبارة رؤساء كهنة اليهود بروح السخرية، ولكنهم قدّموا لنا وصفاً دقيقاً لحالة السيد المسيح وقت الصلب. بالفعل خلّص آخرين وأما نفسه فلم يقدر أن يخلِّصها، أو لم يرد أن يخلِّصها من الصلب، لأنه وهب نفسه فداءً عن الآخرين الذين أراد أن يخلِّصهم. كان باستطاعة السيد المسيح أن يدفع عن نفسه الموت والصلب.. ولكنه لو فعل ذلك لما أمكن أن يخلّص الآخرين. نفسه لم يقدر أن يخلِّصها.. أو لم يرغب أن يخلِّصها لأنه اختار الصليب.. بل رسم لنفسه طريق الصليب.. وكان الصليب فى فكر الله منذ الأزل. تكلّم معلمنا بولس الرسول عن مقاصد الخلاص ونتائجه التى هى فى فكر الله منذ الأزل، فقال: “وأنير الجميع فى ما هو شركة السر المكتوم منذ الدهور فى الله خالق الجميع بيسوع المسيح” (أف3: 9). وقال أيضاً: “حسب قصد الدهور الذى صنعه فى المسيح يسوع ربنا” (أف3: 11). ولكن السيد المسيح، عموماً، قد رد بصورة بالغة على افتراء اليهود بأن نفسه هو “لم يقدر أن يخلِّصها”. وذلك لأنه بعد أن بذل نفسه للموت على الصليب، فإنه قد قام منتصراً من الأموات بقدرته الإلهية. وبهذا أظهر قدرته فى الانتصار على الموت، وأنه “يقدر أن يخلِّصها” ولكن بالطريقة التى يتم بها أيضاً خلاص الآخرين. حقاً قال معلمنا بولس الرسول إن “جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس” (1كو1: 25). والمقصود بذلك أن ما يبدو جهالة فى نظر الناس من أعمال الله هو أحكم من حكمتهم السطحية. وأن ما يبدو ضعفاً فى أعمال الله فى نظر الناس هو أقوى من القوة. ولكن المشكلة هى فى عدم فهم الناس لحقيقة الحكمة، ولحقيقة القوة. وعلى هذا الأساس “اختار الله جهال العالم ليخزى الحكماء. واختار الله ضعفاء العالم ليخزى الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود لكى لا يفتخر كل ذى جسد أمامه” (1كو1: 27-29). وحتى معلمنا بولس الرسول نفسه الذى كان متعلّماً ومتعمقاً فى الدراسات الناموسية الدينية، فإنه لم يتكل على هذه الأمور بل ضحى بكل شئ وبدأ يكرز بقوة الروح القدس. حسبما قال هو نفسه: “لا بحكمة كلام لئلا يتعطل صليب المسيح. فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله. لأنه مكتوب سأبيد حكمة الحكماء، وأرفض فهم الفهماء. أين الحكيم، أين الكاتب، أين مباحث هذا الدهر؟.. ألم يجهّل الله حكمة هذا العالم؟ لأنه إذ كان العالم فى حكمة الله، لم يعرف الله بالحكمة، استحسن الله أن يخلِّص المؤمنين بجهالة الكرازة” (1كو1: 17-21). وقد شرح معلمنا بولس الرسول معنى جهالة الكرازة التى قصدها فقال إن الصليب بما يبدو فيه من ضعف ظاهرى هو منتهى القوة، وبما يبدو فيه من ضياع ظاهرى هو منتهى الحكمة، وبما يبدو فيه من أمور تدعو إلى السخرية والهزء هو منتهى المجد المتألق!!. قال موضحاً ذلك “لأن اليهود يسألون آية، واليونانيين يطلبون حكمة. ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة. وأما للمدعوّين يهوداً ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله” (1كو1: 22-24). القلب البسيط يرى فى الصليب منتهى الحب، والقلب القاسى أو المتكبر يرى فى الصليب منتهى الضعف. القلب الباحث عن الخلاص يرى فى الصليب مرساة النجاة، وقوة العبور من الخطية إلى القداسة.. أما القلب المحب للخطية فيرى فى الصليب معطلاً لشهواته، وعقبة فى تحقيق رغباته فيزدرى به ويرفضه. الصليب صار هو أنشودة الحب التى تعزفها قيثارات قلوب القديسين، وهو موضوع الشكر والحمد والتسبيح لربوات الملائكة ولجموع المفديين. صار ربنا يسوع المسيح هو الحب الأبدى الذى عانقته البشرية فى عرس السماء والمجد، وهو الحياة المتدفقة التى بها يحيا كل مشتاق إلى الله يترنم مع الشاعر ويقول: أنت قصيدة شعر تنطق فـى نفســى أنت قيثـارة حب يـعـزفــهـا قلبـــى أنت نجوم الليــل وخيــوط الفـجــر أنت الخبـز الحـىّ فى هيكل جسدى |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
” اليوم تكون معى فى الفردوس ” (لو23: 43) |
” يا أبتاه اغفر لهم .. ” (لو23: 34) |
“هذا هو ملك اليهود” (لو23: 38) |
العود الرطب (لو23: 31) |
فليخلّص نفسه |