لماذا أوثقوا يسوع ؟!!
هل خوفاً من أن يهرب؟ أليس هو الذى سلّم نفسه لهم بإرادته..؟!
هل خوفاً من أن يبطش بهم؟.. أليس هو الذى أبرأ ملخس عبد رئيس الكهنة..؟
أم إظهاراً لسطوتهم وقدرتهم فى القبض عليه؟.. أليسوا هم الذين سقطوا على الأرض عندما قال لهم: ” أنا هو” وقت القبض عليه..؟!
هل أوثقوه لكى لا يصنع المزيد من المعجزات بيديه، والتى بسببها آمن الكثيرون؟ أليس هو الذى أبرأ الكثيرين بكلمة من فمه المبارك، وليس بيديه فقط.. وأظهر سلطانه على الطبيعة وعلى كل شئ. ولم يصنع المعجزات وهو حر فقط، بل وهو مسمَّر على الصليب، حينما أخفت الشمس شعاعها فى عز النهار، وتحوّل النهار إلى ليل لمدة ثلاث ساعات متصلة، وماجت الأرض مرتعدة. وأكثر من ذلك كله صنع معجزة القيامة وهو ميت بحسب الجسد، ومدفون فى القبر لمدة ثلاثة أيام، والأختام موضوعة على القبر الذى كان يحرسه عساكر الرومان.
ربما كانت هذه كلها هى دوافعهم فى أن يوثقوا الرب يسوع، بل وأكثر منها.. ولكن الرب سمح بذلك كله لكى يصير تقييده ووثاقه عوضاً عن الإنسان الخاطئ الذى أوثقته الخطية وجعلته مقيداً وفقد حريته الحقيقية.
لقد قبِل السيد المسيح أن يفقد حريته -بحسب الجسد- فى وقت الآلام والصلب، لكى يحرر الإنسان من رباطات الخطية مظهراً أن الحرية الحقيقية هى الحرية من الشر. ولهذا قال لليهود: “إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا” (يو8: 36).
تكلّم المفكر الفرنسى الوجودى (جان بول سارتر) عن حرية الإنسان.. ونادى بتحرير الإنسان من سيطرة الله عليه -حسب زعمه- والتى مظهرها الوصايا الإلهية.
ولكن الوصية فى حقيقتها، ليست قيداً على الإنسان.. بل هى المحرر له من سلطان الشر والخطية.
وكان ينبغى على سارتر أن يتأمل كيف اختار الله الكلمة المتجسد أن يفقد حريته من أجل تحرير الإنسان.
فليس الله هو ذلك الإله الذى يسلب حرية الإنسان بعد أن خلقه حراً.. بل هو ذلك الإله الذى دفع حريته وحياته -بالصليب- ثمناً لتحرير الإنسان بالكامل “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد الجنس لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يو3: 16).