|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أبناء أبيكم الذى فى السماوات بعد أن تكلم السيد المسيح عن محبة الأعداء والإحسان إلى المبغضين والصلاة من أجل المسيئين قال: “لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى فى السماوات. فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين. لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأى أجر لكم، أليس العشارون أيضاً يفعلون ذلك. وإن سلمتم على إخوتكم فقط فأى فضل تصنعون أليس العشارون أيضاً يفعلون هكذا. فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذى فى السماوات هو كامل” (مت5: 45-48). يقول معلمنا يوحنا الرسول : “انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله”(1يو3: 1). إنه شرف عظيم إذ ارتضى الله أن ندعى أولاداً له: أولاً: لأننا كنا ساقطين فى الخطية وفى قبضة الموت والهلاك الأبدى، وقد افتدانا بنعمته. وثانياً: لأننا نحن خليقة الله، والبنوة هنا ليست بالجوهر والطبيعة، بل بالتبنى. فما أعظم الفارق بين الخالق والمخلوق .. ولولا أن الله فى خيريته وصلاحه قد أعطانا نعمة الوجود، لما كنا موجودين على الإطلاق. هذه البنوة التى أنعم الله بها علينا هى تعبير عن محبته الفائقة الوصف والمعرفة. ومن واجبنا أن نقدّرها حق قدرها. هذه البنوة الفائقة التى لا يمكن وصفها تستدعى من جانبنا سلوكاً يتناسب مع كرامتها لئلا نحسب غير مستحقين لها لسبب تقصيرنا وإهمالنا وعدم مبالاتنا. العبارة التى نطق بها السيد المسيح هى دعوة لنا لننتبه إلى قيمة البنوة لله “لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى فى السماوات” (مت5: 16). وقد سبق أن كرر السيد المسيح هذا المعنى فى موعظته على الجبل حينما قال: “فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكى يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذى فى السماوات” (مت5: 16). وقد عبر القديس بولس الرسول عن هذه الحقائق فى أنشودة جميلة فى فاتحة رسالته إلى أهل أفسس فقال: “مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذى باركنا بكل بركة روحية فى السماويات فى المسيح. كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه فى المحبة. إذ سبق فعيننا للتبنى بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته. لمدح مجد نعمته التى أنعم بها علينا فى المحبوب” (أف1: 3-6). لقد اختارنا الله الآب فى المسيح قبل تأسيس العالم، وسبق فعيننا للتبنى، لمدح مجد نعمته. فمن الواضح فى كلام القديس بولس الرسول أن الاختيار الإلهى والتعيين للتبنى بسابق علم الله قبل تأسيس العالم هو: أولاً: فى المسيح. وثانياً: لمدح مجد نعمته. فالهدف من الاختيار السابق والتعيين للتبنى هو لمجد الله. وعاد القديس بولس يؤكد هذه الحقيقة فى نفس الرسالة بقوله: “لأننا نحن عمله مخلوقين فى المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدّها لكى نسلك فيها” (أف2: 10). عبارة “لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى فى السماوات” معناها أننا إن أردنا أن نثبت فى نعمة البنوة، ينبغى علينا أن نحفظ هذه الوصايا السامية فى محبة الأعداء، والإحسان إلى المبغضين، والصلاة من أجل المسيئين. هذه الوصايا كما ذكرنا قبلاً هى أمور فائقة للطبيعة العادية لسائر البشر العاديين، ولكنها ممكنة جداً بل ولازمة وضرورية بالنسبة لأولاد الله، وهى السمة التى تميزهم وبدونها لا يكونوا قد حققوا قصد الله من وجودهم لتمجيده ولمدح مجد نعمته. |
|